كشف حديث، نُشر بالخطأ، لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في بودابست عاصمة المجر، عن أنه سياسي غير لبق، مع أنه رئيس حكومة إسرائيل بشكل متواصل منذ العام 2009، وشغل هذا المنصب كأكثر رئيس حكومة إسرائيلي بعد مؤسس «دولة إسرائيل» ديفيد بن غوريون، وكان تولى المنصب لأول مرة قبل أكثر من عشرين سنة، أي عام 1996.
في الحقيقة، إن الفظاظة السياسية لا تكاد تقتصر على بنيامين نتنياهو وحسب، بل تشمل كل اليمين الإسرائيلي الحاكم بشكل شبه متواصل في إسرائيل منذ أربعين عاماً، وسبب ذلك بتقديرنا يعود إلى أن السياسة الإسرائيلية قائمة على ركيزة القوة العسكرية من جهة ومن جهة أخرى على فرض حقائق احتلالية منافية لمنطق العدالة الكونية، ولمنطق العصر الحديث الذي يلفظ بشكل حثيث ومتواصل تلك الظاهرة، بعد الانفتاح بين الأمم بعد ثورة الاتصالات، لذا فإن استمرار إسرائيل باحتلالها لأرض دولة فلسطين ولأراض عربية أخرى، يحتاج ما بين فترة وأخرى إلى تدخل «خارجي»، عادة ما يجيء من الولايات المتحدة، لإبقاء هذا الواقع الاحتلالي قائماً.
ونحن لا نبالغ لو قلنا: إن أكثر دول العالم استفزازاً هي إسرائيل وإنها أكثر دولة مكروهة في العالم بأسره وليس في العالم العربي أو الإسلامي وحسب، وهي أكثر دولة اتخذت بحقها قرارات إدانة دولية إن كان من مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهي دولة ما زالت ظروف إعلانها ماثلة في الأذهان، ومرتبطة بإعادة سيطرة الغرب الإمبريالي ما بين الحربين العالميتين على العالم، وبدلاً من أن تسعى إسرائيل للتصالح مع جيرانها حتى يقبل بها المجتمع الدولي، فإنها ما زالت تطمع في التوسع واحتلال المزيد من أراضي الغير، والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط كله، والفظاظة الناجمة عن تضخم القوة العسكرية الإسرائيلية وعن اللاهوت الذي يؤمن به معظم قادة اليمين الحاكم، ما زالت هي الحاجز الرئيس بين نحو ستة ملايين إنسان ومعظم المحيط والعالم.
كان نتنياهو يحاول أن يخترق أوروبا الشرقية مستغلاً مشكلتها الاقتصادية وتخلفها التكنولوجي، موهماً إياها بأن إسرائيل لديها ما تقدمه لهذه الدول، غير السيطرة والطمع والجشع الاستعماري، وعلى خلفية نار جهنم التي أطلقها قبل أن يذهب لبودابست، في مدينة القدس، واصل رئيس حكومة إسرائيل ألاعبيه وأكاذيبه السياسية بالقول: إنه لن يقوم بتغيير الواقع في القدس.
في الحقيقة، إنه كلما اقتربت لحظة الحقيقة، تبين مدى استحالة التوصل إلى حل سياسي مع اليمين الإسرائيلي خاصة، وربما مع كل إسرائيل، التي ما زالت تعتقد بالعكس من كل الدنيا بأنه يمكنها أن تخرج من جريمة احتلالها لأراضي الغير بالمكافأة التي تفوق الاعتراف بها كدولة، في حدود العام 1948.
وإن إسرائيل تظن بأن «كأس عالم» احتلالها هو القدس وبالتحديد الحوض المقدس، وعلى وجه أكثر تحديداً وتخصيصاً الحرم القدسي الشريف، الذي تسميه بمنتهى الفظاظة «الهيكل».
ولأن «إسرائيل» كيان منطوٍ على ذاته، مسكون بالتوجس تجاه الآخرين، فإنه يطالب كل الدنيا بأن تفعل المستحيل من أجل بث الطمأنينة في نفسه، مع أن الأمر بسيط، وهو يكمن في أن تتحول إسرائيل إلى دولة طبيعية لتقبل بها المنطقة، ويتعامل معها المجتمع الدولي كما يتعامل مع كل مكوناته البشرية، ولذا فإن إسرائيل تتخذ القرارات الخاصة بها والمناقضة للقانون الدولي وتصدقها وتتعامل معها كحقائق، مثل ضمها للقدس والجولان، ومثل ادعائها بأن الضفة الغربية هي أرض الأجداد!
أقل ما يمكن أن يقال لها: إن ديفيد بن غوريون أعلن قيام دولة إسرائيل دون القدس ودون غزة والجولان والضفة الغربية، ولم يقبل بها المجتمع الدولي كعضو في الأمم المتحدة إلا على حدودها تلك مع اشتراط أن تعترف بحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفق قرار 194، وقرار التقسيم 181 أي الاعتراف بدولة فلسطين وبحدود التقسيم التي لا تتضمن القدس عاصمة لإسرائيل أو موحدة تحت سيطرتها، ولا أكثر من نصف الأرض التي احتلها عام 1948، وبالطبع لا الضفة كلها ولا قطاع غزة.
إسرائيل إذن هي دولة مارقة، خارجة على القانون الدولي، وكل قوة الدنيا لا يمكنها لا أن تنكر أو تغير هذه الحقيقة الثابتة والماثلة لعيان الكون بأسره، ولا حل في القدس إلا بإنهاء احتلالها، وكل محاولاتها للقبض على المسجد الأقصى، كلما اقترب فصل تفاوضي ما هي إلا أوهام مستحيلة التحقق تماماً، وحيث رفضت أو بمعنى أدق أفشلت إسرائيل قبل أشهر خطة الأردن لنشر كاميرات مراقبة حين حاولت فرض التقسيم الزماني والمكاني وتصدى لها المرابطون، سعت إلى اعتقال الأقصى بالبوابات الإلكترونية وإخضاع الصلاة للقرار الأمني الاحتلالي في تحد سافر جداً لأبسط حقوق البشر، لذا فقد فتحت إسرائيل أبواب جهنم عبر هذه البوابات الإلكترونية، حيث لا حل _مؤقتاً_ سوى إزالتها بالكامل وفتح بوابات القدس أمام صلاة المسلمين، ولا حل دائماً سوى بإزالة احتلال إسرائيل للقدس وإنهاء سيطرتها الأمنية عن الحرم، ثم لماذا لا يتم الاتفاق على أن تشمل مناطق السلطة الفلسطينية «أ» المساجد الإسلامية والكنائس المسيحية ومقابر المسلمين والمسيحيين من الفلسطينيين؛ لترتاح إسرائيل من هذا العبء الأمني، حيث لا علاقة لليهود ولا لإسرائيل بمساجد ومقابر المسلمين.
Rajab22@hotmail.com