لا داعي لانتظار خزائن الأسرار بعد عقود لنعرف عن دور قطر في التخريب في المنطقة ولا داعي للاجتهاد مبكراً للوصول الى هذه النتيجة فقناة الجزيرة الفضائية وحدها واتجاهاتها خلال السنوات الماضية ممكن أن تدلنا بسهولة عن القوى والجهات التي كانت تدعمها الامارة، لكن التصريح الأبرز الذي صدر الشهر الماضي على لسان السفير القطري بواشنطن يمكن أن يحل أحد ألغاز السلوك القطري.
قال السفير أن علاقة بلاده بحركة حماس كانت بطلب من الولايات المتحدة وليس سراً أن السفير العمادي يمر الى غزة عبر تل أبيب ، هذه وحدها يمكن أن تفسر لنا أن ما مارسته قطر اذا ما صح القياس كسياسة في المنطقة لم تكن بمعزل عن الولايات المتحدة الأميركية وأن مشروع التخريب الذي تم ليس بعيداً عن “الفوضى الخلاقة” الذي أرادته وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس وبالتأكيد هذا المشروع كان بحاجة الى أدوات في المنطقة ووكلاء ، أدوات اعلامية وكذلك مالية لأن طبيعة الأشياء أن يدفع العرب ثمن حروب واشنطن في المنطقة حتى حروب التخريب.
خسارة أن الدول العربية التي انتهزت فرصة تغيير الاتجاهات الأميركية لتعلن الحرب على قطر أنها لم تضع ضمن شروطها تعويض الشعبين الليبي والسوري مما فعلته قطر في هذه الدول، ففي الأولى أعلنت الدوحة بكل جرأة مشروعها لاسقاط الزعيم الليبي والذي اتضح لاحقاً أن سبب اسقاطه كان بسبب نواياه لصك عملة من الذهب لأفريقيا تكون بديلة عن الفرنك الفرنسي والدولار الأميركي كما كشفت عنه رسائل البريد الالكتروني لوزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلنتون .
شاهدنا آنذاك كيف تجندت الامارة الخليجية بالمال والاعلام والفتوى حتى تم الهدف لتترك لنا تلك الدولة عبارة عن خرابة وقبائل متنازعة.
أما في سوريا فقد أعلنت الحرب مبكراً على النظام بعيد الاجتماع الصاخب بين الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم وتجندت قطر بكل ما تملك ويجري الحديث عن مليارات وكذلك أسطول الجزيرة وما رأيناه من فبركة أفلام وبرامج موجهة واعطاء مساحات للقوى التي دعمتها قطر في سوريا والمثير حقاً هو اكتشاف علاقة بين اسرائيل وبين بعض تلك القوى وكانت ست سنوات من الحرب الدائرة هناك كفيلة بتحطيم الدولة السورية والأهم في ذروة الأزمة أنه تم تجريد سوريا من السلاح الكيماوي الذي لا يشكل تهديداً لأحد سوى اسرائيل وبالتأكيد سبقه قصة استعمال الكيماوي من قبل النظام والذي اتضح أنه كان للجزيرة دوراً في صناعة افلام بهذا الخصوص مهدت لنزعه.
بالأمس كان وزير الخارجية الأميركي في الدوحة وفي ذروة الأزمة بين قطر والدول العربية يصرح داعماً للموقف القطري وهو ما يتناقض تماماً مع تصريحات الخارجية نفسها والاتهام الصريح من الرئيس ترامب قبل حوالي شهر للدوحة ومطالبته لها “بوقف دعم الارهاب” هذه الازدواجية في المواقف صدرت في عدة مناسبات منذ الأزمة الى الدرجة التي بدت فيها الولايات المتحدة أنها تبحث عن شيئاً آخر غير قضية الارهاب والتي لا يمكن أن تكون بمعزل عن واشنطن نفسها فلا أحد يصدق أن قطر يمكن أن تمول أية جماعة عسكرية دون رغبة الأولى.
بهذا تكون الولايات المتحدة قد خدعت الدول العربية عندما بدت كأنها ترفع الغطاء عن قطر لتصعد هذه الدول من اجراءاتها صحيح أن منطقة الخليج العربي هي منطقة مصالح استراتيجية للولايات المتحدة والتي تمنع اشعال أي عود ثقاب قرب آبار البترول ولكن بالنسبة لدولة تعتبر الجميع أدوات بالنسبة لها ورئيس قادم من عالم التجارة والصفقات وعالم المال بات واضحاً أن الأمر بالنسبة له ليس أكثر من تسعير أزمة تحت السيطرة ودفع قطر نحو الزاوية الى درجة ترك الحكم فيها يشعر أن الأرض تهتز تحت كرسيه للاستنجاد بالولايات المتحدة أو لاتمام صفقة البقاء أو الحماية.
هذا ما قاله الرئيس ترامب قبل أن يصبح رئيساً للولايات المتحدة في احدى مقابلاته الصحفية قال “أن على دول الخليج أن تدفع لنا ثمن حمايتنا لها ” ولا يحتاج الأمر الى كثير من الاجتهاد لنعرف أن رائحة المال تفوح من تصريح وزير الخارجية الأميركي تيلرسون حين وصف الموقف القطري بأنه منطقي بعد القول الحاسم للرئيس ترامب “على قطر أن توقف دعم الارهاب” وهو ما طالبت به الدول المناهضة للقطر، اذن هناك صفقة بين واشنطن والدوحة بالتأكيد تتجاوز صفقة الطائرات بل أن الأمر أبعد.
هناك اجتماع أميركي كويتي سعودي اليوم في جدة لمناقشة حل الأزمة ومن الواضح أنها في طريقها للحل بعد الاجتماع الذي عقد بالأمس في الدوحة بين الوسطاء والأمير القطري وواضح أن الجهد الأميركي سيتمكن من تطويقها وأغلب الظن أن قطر ستغير من سياستها ولكنها ستبيع الأمر لواشنطن وتدفع لها الثمن كان بامكان الدول العربية اتخاذ اجراءات أكثر صرامة مثل تعليق عضوية قطر في الجامعة العربية وكذلك مجلس التعاون الخليجي كما فعلت ضد سوريا سابقاً لكن هذه المرة كما مرات سابقة الأميركي يعود بجيوب ممتلئة بالمال ولا عزاء للشعبين الليبي والسوري من قضى نحبه بأموال النفط والغاز .
.