انتخاب آفي غباي رئيسا لحزب العمل، هل من جديد؟! د. رياض عبدالكريم عواد

الأربعاء 12 يوليو 2017 05:49 م / بتوقيت القدس +2GMT



استطاع اليمين الصهيوني، بجناحيه، العلماني والتوراتي، متحالفا مع أحزاب وتجمعات المستوطنين الصهاينة في الضفة الغربية والقدس والجولان، منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، من بث الخوف والرعب في نفوس المجتمع الإسرائيلي، من اجل مواصلة إحكام السيطرة عليه. لقد استغل هذا اليمين في بداية الأمر نتائج الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والعمليات الاستشهادية التي قامت بها الفصائل الفلسطينية، والتي كان في معظمها تفجيرات بين صفوف المدنيين وفي أماكن تجمعاتهم المختلفة في شوارع وميادين إسرائيل، استغل اليمين الإسرائيلي هذه الأحداث لينقلب عل معاهدة أسلو ونتائجها، لأنه اعتبرها كارثية على مستقبل اسرائيل. لقد استطاع هذا اليمين الصهيوني من تجييش المجتمع الاسرائيلي ضد أسلو ونتائجها وصولا لاغتيال رابين وقتل عرفات من خلال دس السم له.

وتواصلت مسيرة قوة وصعود اليمين الاسرائيلي داخل المجتمع مستغلا ظروف المنطقة وحالة التطرف التي سادت بسبب الخطاب الديني المتطرف ومن ثم ظهور داعش وخطابها وممارساتها الوحشية.

لقد استغل هذا اليمين ما حدث في الساحة الفلسطينية في 2007 ليدعي انه لا يوجد شريك للسلام، وان الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يستطيع أن يحكم الفلسطينيين، خاصة بعد فقدان سيطرته على غزة، التي وقعت تحت حكم حركة حماس. كما استغل هذا اليمين الصهيوني تصريحات الفصائل الفلسطينية، وبالغ وهول بقدراتها العسكرية والصاروخية، كل هذا ليزيد الخوف ويعمقه داخل المجتمع الاسرائيلي، الذي انزاح هو الأخر باتجاه التطرف تحت تأثير هذا الخطاب الإعلامي، وهذه التعبئة القومية المتطرفة، حيث بات يرى أكثر من ثلثي الإسرائيليين، كما بينت الاستطلاعات العديدة التي تنشرها الصحافة الاسرائيلية، أنه لا يمكن التوصل لتسوية سياسية للصراع الفلسطيني الاسرائيلي، ويؤكد 84% أن أبو مازن أضعف من أن يكون قادراً على قيادة الفلسطينيين لاتفاق تسوية سياسية مع إسرائيل، و71% يؤمنون أن كل ما يعني الفلسطينيين هو العمل على تصفية اسرائيل وطرد اليهود، و59% منهم يرفضون الإفراج عن أسرى فلسطينيين، ويرى 69% من الإسرائيليين أنه يتوجب شن حملة برية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة من أجل وقف إطلاق الصواريخ.

ومن مظاهر التطرف التي تميز الحكم والمجتمع الإسرائيلي هو الجهود الهائلة التي تبذل لنزع الشرعية عن فلسطينيي 48، وصولا لإقرار قانون ما يسمى "قانون القومية" الذي يجري العمل على بلورته، حيث سيتم إلزام المحكمة العليا بأن تتخذ قرارات وتفسر مختلف قوانين الكنيست انطلاقا من تعريفه لإسرائيل على أنها "دولة يهودية"، وكما ينص على تغيير مكانة اللغة العربية وإقامة فارق بينها وبين اللغة العبرية، ويلزم القانون المحكمة العليا بتفضيل "الهوية اليهودية للدولة" في حال حصل تناقض بين يهوديتها وبين القيم الديمقراطية.

في هذا الوقت ضعف اليسار الصهيوني ومعسكر اليسار عموما وحركة السلام خاصة، التي لم تستطيع تنظيم مظاهرات واسعة في اسرائيل ضد الحرب وضد اليمين الصهيوني وسياساته المتطرفة، الا مؤخرا عند زيارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” لإسرائيل ولأراضي السلطة الفلسطينية، التي قد تكون قد أحيت الأمل في المعسكر المعتدل داخل إسرائيل، الذي يريد إنهاء الحروب والعداء بين الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني من خلال حل الدولتين.

في هذه الظروف فاز المرشح آفي غباي برئاسة حزب العمل المعارض الرئيسي في إسرائيل الاثنين 10 يوليو 2017، بعد تغلبه على منافسة عمير بيرتس، وحصل غباي على 52% من الأصوات في الانتخابات لرئاسة حزب العمل، وبذلك يصبح آفي غباي المرشح القادم للحكومة في 2019 عن حزب العمل. وعقب الضابط بجيش الاحتياط، عميرام ليفين، بالقول: بانتخاب غباي "حزب العمل يشق طريق جديد نحو الأمل، ......أعضاء حزب العمل اختاروا التغيير". أما عضو الكنيست شيلي يحيموفيتش، فقالت إن "الحديث يدور عن إنجاز عظيم يشير إلى أن حزب العمل ينبض بالحياة ويتسم بالذكاء ويتمسك بالديمقراطية، ويشكل نموذجا بالمشهد السياسي الحزبي الإسرائيلي، لقد فاز الحزب برئيس نظيف وشجاع ولديه قدرات سيقود الحزب نحو الأمل".

ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة قبل انتخاب غباي بينت انخفاضا في شعبية حزب العمل، لأسباب عديدة منها تعرض هرتزوغ رئيس حزب العمل السابق لانتقادات شديدة بسبب محاولاته التفاوض من اجل انضمام حزبه الى الائتلاف اليميني برئاسة رئيس الوزراء الاسرائيلى بنيامين نتانياهو. بيّن استطلاعان أجرتهما القناتان الثانية والعاشرة، بعد يوم واحد من فوز آفي غباي، أن حزب العمل برئاسته يعزز قوته، ويتفوق على "يش عتيد" برئاسة يائير لبيد. وبحسب استطلاع القناة الثانية، فقد أجاب 34% أن بنيامين نتنياهو هو الأنسب، في حين حصل غباي على 13%، و لبيد 12%، و نفتالي بينيت 6%.

يشار إلى أن غباي كان قد صرح في مؤتمر صحفي، عقده اليوم في تل أبيب، أن الحملة الانتخابية لاستبدال نتنياهو قد بدأت اليوم، وأن "إسرائيل بالنسبة لحزب العمل قد اعلنت عن الانتخابات، وأنه سيحصل على 30 مقعدا ويستبدل نتنياهو".

من هو غباي

كان وزيرا للبيئة خلال عامي 2015 و2016 في حكومة نتانياهو. لكنه استقال في ايار/مايو 2016 احتجاجا على تعيين افيغدور ليبرمان زعيم حزب اسرائيل بيتنا القومي المتطرف وزيرا للحرب. وأثناء توليه الوزارة كان غباي قياديا في حزب كلنا (يمين وسط) لكنه استقال من هذا الحزب وانضم الى حزب العمل، وكتب على صفحته على فيسبوك انه سيجلب "الأمل والتغيير" وسيعمل على ضخ دم جديد في الحزب. كما أكد على أن "تشكيل حكومة وحدة وطنية مع نتنياهو مهمة مستحيلة تماما". ونقلت عنه قوله إنه " قد استقال من حكومة نتنياهو، ليس من أجل أن يعود إليها".

على المستوى السياسي"، أشارت الصحيفة إلى أنه، وعلى الرغم من عدم الكشف حتى الآن عن برنامجه السياسي بصورة نهائية، ولكن في تصريحات له خلال الحملة الانتخابية على رئاسة الحزب، أوضح أنه في حال نجح في تشكيل حكومة وحدة وطنية والوصول إلى سدة الحكم "إنه يؤمن بفكرة حل الدولتين ويعتبر الرئيس محمود عباس شريكاً وبالإمكان إبرام الاتفاقيات معه. وفي إطار الحل النهائي مع الفلسطينيين، "يمكن نقل صلاحية إدارة الأحياء العربية في القدس الشرقية إلى السلطة الفلسطينية". وأن "مبدأ الأرض واضح في حل الصراع. دولتان لشعبين، على أن تبقى الكتل الاستيطانية الكبيرة تحت السيادة الإسرائيلية، وما تبقى من الأراضي في الضفة والقطاع تشكل الدولة الفلسطينية، على أن تكون منزوعة السلاح".

ما الجديد إسرائيليا وما العمل فلسطينيا؟

أولا: ليس من السهل الإجابة على الشق الأول من هذا السؤال، ولكن ليس من الصعب ذلك أيضا. من الهام فلسطينيا عدم الإغراق في الوهم ورؤية كل تغيير داخل المجتمع والحكم في إسرائيل في حجمه الطبيعي، بعيدا عن المبالغات والآمال الزائفة، وفي نفس الوقت بعيدا عن النظرة العدمية التي ترى في المجتمع الإسرائيلي مجتمعا متجانسا، بل ومتطابق ومتطرف بالفطرة، ومن الصعب بل من المستحيل العمل عل تغيير اتجاهات الرأي داخله. انه من الهام معرفة أن أي تغيير في المجتمع الإسرائيلي سيواجه مقاومة شديدة جدا، من قوى متناقضة، ولكنها ستتحالف في وجه هذا التغيير وسيكون على رأس هذه القوى التي لن تتورع عن استخدام السلاح إن شعرت ان مصالحها ستتضرر هو "دولة المستوطنين" في الضفة والقدس والجولان. ان قوى كثيرة وفئات مجتمعية عديدة من المجتمع الإسرائيلي ستجد نفسها في تناقض مع دولة المستوطنين المدعومة من اليمين التوراتي والعلماني عندما تنقض هذه القوى على مصالح الفئات الضعيفة والمهمشة وعلى قيم الحرية والديمقراطية والعلمانية

ثانيا: إن المجتمع الاسرائيلي يعج بالتناقضات الموضوعية لذلك من الهام مراقبة ذلك والاستفادة منه، من خلال تنشيط عمل لجان التواصل مع المجتمع الاسرائيلي والتنسيق والاستفادة من تجربة شعبنا داخل اسرائيل وقواه السياسية وأطره المجتمعية وعلى رأسها الجبهة التقدمية للسلام والمساواة.

ثالثا: ان التمسك بنهج السلام القائم على أسس حل دولتين لشعبين وحق شعبنا في العودة وتقرير المصير والقدس عاصمة لدولتنا الفلسطينية ومواصلة نضالنا ومقاومتنا السلمية الجماهيرية الواسعة والالتفاف حول م ت ف والسلطة الوطنية بقيادة الرئيس ابو مازن هو الطريق الواضح لتحقيق أهدافنا بعيدا عن نهج المغامرة والكذب وبيع الناس الأوهام وتقديس الوسائل واستخدام الشعارات الرنانة بعيدا عن إمكانية تحقيق أي انجازات على الأرض بل زيادة معاناة الناس والمتاجرة في هذه المعاناة.

رابعا: ان النضال لتوحيد الموقف الفلسطيني والتخلص من الآثار السلبية لما حدث في 2007، والوقوف في وجه مؤامرة دولة غزة والاستجابة الفورية لمبادرة الرئيس أبو مازن سيعزز هذا الاتجاه.

خامسا: من الهام التعامل عربيا وفلسطينيا مع كل مبادرات السلام الدولية والتمسك بمبادرة السلام العربية والتعاطي بايجابية مع ما يطرحه الرئيس ترامب على قاعدة حل الدولتين ورفض أي تطبيع عربي مع إسرائيل قبل الوصول الى الحقوق الفلسطينية الثابتة.