غزة تعاقب بالعطش حينا وبالسراب أحيانا.. صالح عوض

الثلاثاء 11 يوليو 2017 10:14 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة تعاقب بالعطش حينا وبالسراب أحيانا.. صالح عوض



ما تناقلته بعض وسائل الاعلام عن تصريحات للسيد محمد شتيه والسيد عزام الاحمد اشاع مناخا من الاحباط والياس لدى اهل قطاع غزة الذين لم يتصوروا ابدا ولو لدقيقة واحدة ان تقف قيادات فتحاوية ضد حياة مواطنين فلسطينيين وان تسهو هذه القيادات عن اهمية وحساسية الحسابات الجهوية والشخصية والفئوية والمناطقية فلقد كانت فتح دوما هي القاطرة الوطنية للكل الفلسطيني ولقد سبغت جميع التوجهات بروحها وفلسفتها ونمطية سلوكها الوطني بل اسهمت بقوة في صياغة مشاعر الكل الفلسطيني تجاه المنطقة بانظمتها وتياراتها السياسية والاجتماعية.

وقبل ان نذهب عميقا في تعقب الكلمات لابد من التنبيه انه ينبغي ان لا ننجر في لعبة الكلمات المتقطعة والصياغات الاعلامية الموجهة فنقع في مغبة التعمية والتضليل فنقوم بذلك بدور رديء في تسميم الاجواء وافقاد الفلسطينيين في الثقة فيما بينهم وهذا غاية ما يريده العدو الصهيوني.

ولكن تلك المقتطعات من كلام الدكتور شتيه او السيد عزام ما كان لها ان تجد صدى لولا المناخ العام الذي يتردد بين الفلسطينيين اليوم.. فواقع الحال ان هناك رواتب لموظفي غزة يتم الخصم منها بنسب متفاوتة تصل الى النصف وان هناك كهرباء معدومة او شبه في غزة وان هناك اغلاق وحصار يزداد سوءا بحرمان مرضى السرطان والامراض الخطيرة من العلاج في الخارج وان هناك عشر سنوات او اكثر لم يتم توظيف اي فلسطيني من ابناء غزة وان الموظفين لم يتمتعوا بترقياتهم وحوافزهم الوظيفية على مدار الاعوام الاحدى عشر.. وصحيح ان هناك تجاوزات تطال طبيعة المؤسسة الوطنية الى درجة تدق فيها اجراس الخطر فيما تمثله من توجهات احادية اقصائية تحدث الخلل في التركيب الوطني للمنظمة والسلطة وفتح.

اننا ازاء قضية حياتية غاية في التعقيد يبرز البعد الانساني فيها اكثر من البعد السياسي.. لهذا تصبح مبررات المواقف الاجرائية لمعالجة الخلل والخطأ غير مقنعة وغير متفهمة.. وحتى نقترب من صياغة الجملة المناسبة نبدأ بالقول ان ما قامت به حماس قبل احد عشر عاما انما هو سابقة سياسية خطيرة تحرم حماس من المصداقية والالتزام الوطني نحو الاخر وتجعلها في وضع الريبة دوما مهما كان لها من دور مشرف في مقاومة العدو.. وهذا في حد ذاته يستوجب تصرفا واجراء حاسما من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة كما يستوجب موقفا سياسيا من قبل كل التنظيمات الفلسطينية لوضع حد لاي محاولة قادمة على هذا المنوال لاسيما وهناك محاولة حقيقية لتكريس مبدا التداول السلمي على السلطة وان يكون صندوق الانتخابات هو الفيصل لدى شعب يكتنز تجارب العالم وخبراته ويتحلى بدرجة عالية من الفهم والحرية والكرامة.. هذا كله صحيح.

وايضا لابد من العروج الى الموقف من ازمة دحلان مع اللجنة المركزية وفتح ورئيسها عموما.. وبعيدا عن الوصف الاخلاقي للموقف والقرار الذي اتخذ بحقه فان هناك قرارا من اللجنة المركزية لحركة فتح بابعاده عنها و هنا لا نريد الخوض في مسالة الانصاف والدقة او غيرها.. نريد الاتجاه الى تشخيص الحالة دون الحديث عن معيارية القرارات التي اتخذت لاننا لا نريد اضافة عواممل توتر او النبش عليها..

ما كان لحماس ان تتوقع ان يهديها ابومازن وقادة السلطة باقة ورد على ما فعلت من انقلاب وتعسف في فرض الامر الواقع الامر الذي يهدد وحدة الكيانية السياسية الفلسطينية.. ولهذا اصبحت المعاناة حالة في سلسلة تعقيدات متواصلة دفع الشعب في قطاع غزة ثمنها من حصار وحروب وبطالة وجوع وماسي.. ولم تجد الوعود بالانفراجات فلم تقم تركيا ولا قطر بما ظنته حماس لانقاذ الوضع في غزة حيث تزداد لاحتياجات ويشتد الخناق

وما كان لدحلان ان يتوقع ان السلطة وفتح بالذات ستقبل له نشاطا في ساحات رئيسية لها فيما هو لا وصف تنظيمي ولا تكليف تنظيمي له.. فلقد عرف عن فتح عصبيتها التنظيمية الديكتاتورية عندما يخرج عنها شخص او مجموعة حيث يكون غير مهم لدى فتح حجم الخارجين ولا فعاليتهم ويكفي الاشارة الى اصحاب خيار فتح الانتفاضة الذين كانت الساحة السورية واللبنانية بين ايدهم وكانت تدعمهم سورية وليبيا بقوة المال والسلاح ولكن فتح الشرعية تجاهلتهم وتركتهم للسنين تقضي عليهم وتهمشهم.. وهذه ليست المرة الوحيدة التي واجهتها فتح.. وهذا سر من اسرار فتح يدركه كل من فهمها واقترب منها.. و لدي فتح حساسية بالغة من الاستقواء بالنظام العربي ولعل تجربتها الاولى كانت بتصفية من حاول الاستئناس والاستقواء بالدولة السورية في المرحلة الاولى من الثورة..

من الصعب جدا ان يتم الصلح بين مجموعات دحلان او ما يسميه البعض التيار الاصلاحي وبين فتح الرسمية بل ان اقتراب اي منهما بحماس ايسر من اقتراب احدهما بالاخر.. هي قوانين الانشقاق والتباغض والتنافر كل يوم تحدث تراكمات وقصص ووقائع ونفور اضافي وما كان لدحلان ان يتوقع من حركة فتح التي اصبح قائدا فيها الا القسوة بقوة على كل من يستقوي عليها بقوى من خارجها.. لايهم هنا صلاحية شعارات دحلان او عدمها المهم هنا تأمل قوانين فتح الداخلية التي تفهم ولا تكتب ولا تقال فحركة فتح "قبيلة" شديد ة التماسك والعصبية مهما بدا للبعض من تردي في احوالها او ارتباك في ادارتها او انتقادات من عناصرها فان كلمة واحدة تجمعها يكفي ان يهتف احد الجالسين في القاعة "غلابة يافتح" حتى يهتف الجميع وينسون لبعضهم اختلافاتهم المهم عندهم ان لا يتم الاستقواء بمن هم خارج القبيلة.. ان ما حصل مع دحلان من قبل اللجنة المركزية وقرارها هو ابعاد له لاسباب لا مجال لذكرها ولكنه بنشاه السياسي في اماكن تواجد الفلسطينيين وهجومه المستمر على راس السلطة وهنا لايهم ان يكون كلامه دقيقا او غير دقيق.. ان كل هذا جعله في صف المنشقين على فتح وهنا تتحرك فتح بحساسيتها التنظيمية نحو الاقليم ونحو الشعب بخطاب حاسم واضح ان اولئك النفر لا يمثلونا.

غزة وقعت تحت ظلال السيوف في هاتين المعركتين الاولى انقلاب حماس على المؤسسات الشرعية ومواجهة السلطة لتداعيات الذي حصل باجراءات جعلت الحياة في القطاع امرا لا يطاق والثانية ظاهرة دحلان ومحاولاته التحرك في دوائر خاصة بالسلطة متجاوزا صلاحياتها وتجلى ذلك بصورة واضحة في محاورة حماس والتوصل معها الى اتفاقيات الامر الذي جعل العديد من اتباع مجموعة دحلان تتعرض للفصل وحرمانهم من حقوقهم الوظيفية.. ومن مفارقات الاقدار ان خصومة دحلان وحماس هي السبب في تحرك حماس للحسم في تلك المؤسسات الامنية حيث كان تشطيب وضع دحلان هو الهدف المعلن لحماس..

الان هناك امال عريضة تقدم من خلال تصريحات متتالية من قبل حماس وجماعة دحلان بان الضغط سيزول وتفتح المعابر وتاتي الكهرباء وتخفف البطالة بمعنى ان الذي يحدث الان من تقارب بين جماعة دحلان وحركة حماس انما هو بوابة لفعل حقيقي بالانفراج.

لكن يبدو ان الامور لن تسير وفق ما يروج له من سيناريو حيث لازال الامر عالقا في ثنايا التفصيلات ولن يقبل عباس بما يمثله من راس الهرم السياسي الفلسطيني اي تجاوز لصلاحياته في التوقيع مع اي دولة عربية على اي امر له علاقة بالسلطة والمنظمة والشعب الفلسطينية.

حتى نتحرر من السراب ونتقي العطش لابد من اختصار الطرق والابتعاد عما ينفر ويزيد في افساد ذات البين... فلتتوجه حماس لتنفيذ ما يتفق عليه بشفافية ويتجه دحلان الى الاقتراب من الشرعية بكل الوسائل او ليصبر على ما يلحقه من اذى حتى ينصلح الامر بفعل سبب من الاساب..

غزة تدرك ان كل الوعود سراب وان السكين تقترب من رقبتها وان الموت الانتحار الجماعي يكمن في التشبث بحلول جزئية كما ان على السلطة رغم الشرعية التي تتحلى بها التحرك بشكل اكثر استجابة لحاجة الناس وعدم الانزلاق لمعاقبات جماعية لناس ابرياء ليسوا ضمن الحسبات النزاعية على السلطة التحرك لاختراق التشتت الفلسطيني ولملمة التفرقة في صف واحد لان الشرعية وحدها لا تكفي ولا تحمي ان لم تكن مزودة بخطة حكيمة حاسمة..