إسرائيل تستثمر في ظل صراع الفلسطينيين على السلطة والوجود .. سليم ماضي

الأحد 09 يوليو 2017 10:51 ص / بتوقيت القدس +2GMT
إسرائيل تستثمر في ظل صراع الفلسطينيين على السلطة والوجود .. سليم ماضي



يبدو أن مستوى الخلاف والاختلاف بين أبو مازن- حماس من جهة، وأبو مازن- دحلان من جهة أخرى وصل لدرجة عالية من الكراهية، جعلت ألد الأخصام حماس– دحلان يجدوا فيما بينهم متسعاً من الود رغم كل الاختلاف في الرؤى السياسية وفي الاستراتيجية الوطنية.

حماس من جهتها تريد من دحلان أن يفك الحصار الخانق المفروض عليها ويفتح لها آفاق اقتصادية وسياسية وأمنية مع دول الرباعية العربية وخاصة مصر التي تقف على البوابة الجنوبية لقطاع غزة وتعادي حركة حماس كونها تتبع لحركة الإخوان المسلمين. من جهة أخرى تجد حماس في الاتفاق استمراريتها في الحكم فدحلان لا يطالب حماس بانتخابات قد تخسر فيها شرعيتها المزعومة ولا يطالبها بإعادة غزة إلى حضن السلطة الوطنية، فعلى الصعيد الفلسطيني هذه التفاهمات أو الاتفاق تعطي حماس مكاسب بدون مقابل، كما وتراهن حماس أيضاً على عامل الوقت فقد تحاول اختراق الساحة الدولية أو اقناع الآخرين بوثيقتها الجديدة لتكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، أو ربما يحدث تغيرات ربانية في الساحة الدولية تعيد لحماس مكانتها.

أما دحلان فيريد أن ينتقم لنفسه من عدوه اللدود أبو مازن الذي فصله من حركة فتح وطرده من الضفة الغربية، ويعيد لنفسه اعتباره وهيبته ومكانته وسط جماهيره وأهله بعد أن فقد ملعبه الأساسي ومصدر قوته قطاع غزة.

لقد توصل الطرفان لاتفاق بينهما بعد قناعة كليهما (حماس- دحلان) بأنه لا يمكن استغناء كلاً منهم عن الآخر، وأن مواجهة عدوهم المشترك أبو مازن والانتقام منه وتحقيق مصالحهم وغاياتهم لا تكون إلا بالاتفاق  بينهما. كما توصل الطرفان إلى قناعة على الأقل في الوقت الحالي بأنه لا يمكن اقصاء كلاً منهما الآخر. خلال العشر سنوات الماضية اخترق دحلان ملعب غزة عبر حماس من أجل التواصل وتعزيز تياره وقاعدته الجماهيرية، ولا ضير لحماس بتنامي قاعدة دحلان الجماهيرية في غزة طالما ذلك يزيد شرذمة خصمها السياسي المتمثل في حركة فتح، كما ويعود عليها بمكاسب اقتصادية، حماس في السابق لم تعول كثيرا على ما يقدمه دحلان لها من فتات بسبب وجود قطر وإيران آنذاك لكن في نفس الوقت لم ترمي ورقته بل حافظت عليها لحين اللجوء لها.

 ثمة متغيرات بالإضافة لحكم الجغرافيا جعلت حماس تسارع تجاه مصر ودحلان، على المستوى الدولي مجيء ترامب وسياسته بتقويض حركة الإخوان المسلمين وإصراره على معاداة إيران ويشاركه في ذلك السعودية والحلف التي تسعى تشكليه لهذا الغرض، وعلى المستوى الإقليمي أزمة الخليج وحصار قطر التي كانت تحتضن حركة حماس، وأيضاً وصول مصر لقناعة بأنه لابد من احتواء حماس من أجل تأمين حدودها الشمالية الشرقية، وعلى المستوى الداخلي لحركة حماس تولي هنية "ابن الداخل" رئاسة المكتب السياسي، كل هذه المتغيرات أدت الى تغيير حماس قبلتها الى مصر ودحلان، بالإضافة لعامل مهم جداً وهو عدم قبول حماس رؤية وشروط الرئيس أبو مازن لإنهاء الانقسام ورغبتها الاستفراد بحكم غزة.

إن الاتفاق قد يحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في قطاع غزة، ويخدم مصالح وأهداف وتطلعات كل طرف من الأطراف حماس- دحلان، على المستوى التكتيكي لكنه لن يخدم مصالحها ولا المصالح الوطنية على المستوى الاستراتيجي، حيث يساهم الاتفاق في تعزيز الانقسام السياسي والانفصال الجغرافي بين شطري الوطن، ويعمل على ضرب وتقوض المشروع الوطني الفلسطيني، كما أن الاتفاق يعفي إسرائيل عن مسؤولياتها القانونية كقوة احتلال في قطاع غزة.  

وبكل تأكيد تعتبر إسرائيل التي وضعت العديد من المخططات والمشاريع الصهيونية التي تنادي بفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وإلحاقه بمصر تدريجياً هي الرابح الأكبر من وراء هذا الاتفاق، بل أن هذا الاتفاق أعطى فرصة سانحة وكبيرة لنتنياهو لتمرير مشروعه الذي طرحه على ترامب مؤخراً والذي يقوم على حل الدولة الواحدة كبديل لحل الدولتين، بإعطاء الضفة الغربية حكم ذاتي تحت السيادة الإسرائيلية بعد ضم مناطق (سي) لإسرائيل، وضم قطاع غزة لمصر، وهو ما دفع الحكومة الإسرائيلية بأن تغتنم مطلب أبو مازن بتقليص كمية الكهرباء عن قطاع غزة، ففي بداية الأمر بدت الحكومة الإسرائيلية بأنها ترفض ذلك لربما تكتيك أو خشيتها من انفجار غزة في وجهها، وبعد التمعن اغتنمت الفرصة وروجت للمطلب اعلامياً ودولياً قبل أن تتخذ القرار بتقليص كمية الكهرباء باعتباره مطلب يمس ويفاقم الوضع الإنساني في غزة؛ ونسبت تنفيذ مطلب الرئيس أبو مازن على أنه خلاف فلسطيني داخلي ولا شأن لها بذلك.

لقد وجد وزراء اليمين الإسرائيلي ضالتهم في تنفيذ هذه الخطوة التي من شأنها أن تعزز مخططاتهم أو مخطط غزة الكبرى، المكان الوحيد الذي يمكن أن تقام عليه الدولة الفلسطينية حسب رؤيتهم، كما عملت الحكومة الإسرائيلية على تسريع وتيرة بناء المستوطنات وتهويد القدس لصنع واقع يصعب التراجع عنه ومما يجعل مشروع حل الدولتين غير قابل للتطبيق.

لقد وصل المشهد السياسي الفلسطيني إلى حالة من التعقيد والتشبيك والتشرذم والتخبط لم يسبق له مثيل، وعملت وتعمل كل الأطراف السياسية لمصالحها الخاصة والحزبية الضيقة، وبهدف انتقام كل طرف من الآخر، وساهمت هذه الأطراف بطريقة مباشرة وغير مباشرة في تعزيز المخططات والمشاريع الصهيونية. لذلك مطلوب من الجميع العودة إلى رشدهم السياسي قبل فوات الأوان وتغليب الحكمة والمصالح والوطنية على المصالح الحزبية والخاصة وفق ما يلي:

أولاً: المصالحة الفتحاوية الداخلية وإعادة اللحمة الفتحاوية باعتبار حركة فتح حامية المشروع الوطني الفلسطيني وصمام الأمان للقضية الفلسطينية، فمن وحدتها تنطلق الوحدة الفلسطينية.

ثانياً: حل جميع الخلافات الفلسطينية وإنهاء الانقسام السياسي وإعادة الوحدة الوطنية على قاعدة النظرية الصفرية لا غالب ولا مغلوب.

ثالثاً: بعد إعلان حماس عن وثيقتها السياسية الجديدة كحركة تحرر وطني، وقبولها بحل الدولتين، لا بد من وضع استراتيجية وطنية، تقوم على أرضية المشاركة السياسية وتحمل المسؤوليات الوطنية، وفصل البرامج الحزبية عن برنامج المنظمة والسلطة.

رابعاً: العمل تحت مظلة منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

خامساً: إعلان جميع الأطراف بشكل صريح فعلاً لا قولاً ضمن وثيقة رسمية بعدم القبول بدولة فلسطينية في غزة وعدم التنازل عن الثوابت الوطنية وعن حل الدولتين.

سادساً: العودة إلى طاولة الحوار وإنهاء كل الإجراءات الأخيرة التي فاقمت الأزمة سواء لجنة إدارة غزة، أو القرارات بتقليص الكهرباء والرواتب وغيرها.

سابعاً: تحديد موعد لا يتجاوز الستة أشهر لانتخابات رئاسية وبرلمانية ومجلس وطني، والعمل على انجازه وتعهد كل طرف بالالتزام بالنتيجة على قاعدة الشراكة السياسية وليس التعايش والاستسلام للوضع الراهن.

ثامناً: عدم التدخل في شؤون الدول العربية، وعدم السماح بتدخلها في شؤوننا إلا بما يخدم مصالحنا الوطنية، والدفع باتجاه حل الخلافات العربية لخدمة المشروع الوطني.

وأخيراً: عدم تجاوز المحرمات الوطنية مهما كانت الظروف، واعتبار الأمن القومي الفلسطيني والثوابت الوطنية على رأس هذه المحرمات.