في الأسابيع الأولى من أداء دونالد ترامب اليمين الدستورية رئيسا للولايات المتحدة، أجرى مبعوثه الخاص إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، سلسلة لقاءات مع شخصيات كانت انشغلت في السابق في قضية الترتيبات الأمنية في الضفة الغربية، وبينهم مسؤولون سابقون في إدارة الرئيس السابق، باراك أوباما.
وفي أحد اللقاءات حصل غرينبلات على عرض شامل للخطة الأمنية التي وضعتها الإدارة السابقة في واشنطن بشأن الترتيبات الأمنية بعد إقامة الدولة الفلسطينية، والتي أطلق عليها 'خطة إيلان'، والتي وضعها الجنرال جون إيلان، بناء على طلب أوباما.
ولم يعلن عن الخطة، التي عمل عليها عشرات الضباط والخبراء الأميركيين لعدة شهور، وظلت غالبية مضامينها سرية.
وطلب المسؤول الأميركي السابق من غرينبلات أن يتعمق في تفاصيل الخطة، لأنه في حال تحولت المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية إلى جدية، فإن الإدارة الأميركية ستكون بحاحة إلى خطة شاملة تستجيب لاحتياجات الأمن الإسرائيلية.
وتتضمن 'خطة إيلان' جوانب كثيرة، تبدأ بإقامة مطار فلسطيني مدني في الضفة الغربية، مرورا بتعزيز السياج الحدودي مع الأردن، وانتهاء بالتعاون الاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وكانت الخطة قد عرضت على رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وعلى وزير الأمن السابق موشي يعالون. وحظيت الخطة بدعم المستوى العسكري، إلا أن يعالون رفضها في النهاية، كما انتقدها نتنياهو.
وكانت المرة الأخيرة التي عرضت فيها الخطة السرية على طاولة محادثات في العام 2014. وتبدي الإدارة الأميركية الجديدة، في الأسابيع الأخيرة، اهتماما متصاعدا بالخطة. وفي هذا الإطار قام المستشار للأمن القومي، هربرت مكماستر، بتعيين كريس باومان مسؤولا عن المجال الإسرائيلي الفلسطيني في مجلس الأمن القومي، علما أنه كان ضمن الطاقم الذي عمل على وضع 'خطة إيلان' في السنوات 2013 – 2014.
ونقلت صحيفة 'هآرتس' عن ضباط كبار شاركوا في الاتصالات مع واشنطن إنه يمكن رؤية الخطة كوثيقة مشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وثمرة عمل مشترك للبنتاغون والجيش الإسرائيلي، شارك فيه عشرات الضباط الإسرائيليين في عدة طواقم على مستويات مختلفة.
ووصفت عدة جهات إسرائيلية المحادثات بين الطرفين على أنها كانت عميقة جدا، وأديرت على مستويات عالية من الانفتاح، بحيث أتاحت لكل طرف إدراك مخاوف وتحفظات الطرف الثاني.
وبحسب مشاركين في المحادثات، فإن ضباط الجيش الإسرائيلي عرضوا على الأميركييين وثيقة تتضمن 26 نقطة تحدد المصالح الأمنية لإسرائيل في الضفة الغربية. وطلب من الطاقم الأميركي أن يوفر الرد على كل نقطة من هذه النقاط. وبحسب عدد من الضباط فإنه كان هناك رد أميركي على كل نقطة من هذه النقاط.
وقال رئيس دائرة التخطيط في هيئة أركان الجيش، في حينه، نمرود شيفر، الذي كان يركز الاتصالات من الجانب الإسرائيلي، إن الخطة تتيح الحفاظ على مستوى أمن مقبول من ناحية إسرائيل بعد انسحاب واسع من الضفة الغربية. وأيد هذا الموقف رئيس أركان الجيش في حينه، بيني غنتس.
وكان رد المستوى السياسي مختلفا، حيث كان يعتقد نتنياهو ويعالون أن الردود الأميركية على النقاط الإسرائيلية غير كافية.
وخلال المحادثات مع الأميركيين عرضت فكرة إقامة مطار فلسطيني في الضفة الغربية، يتيح الملاحة الجوية المباشرة من الضفة إلى خارج البلاد، دون أن تكون عن طريق إسرائيل. وعارضت إسرائيل الفكرة رغم أن إيلان وطاقمه عرضوا حلولا استخبارية وتكنولوجية لمخاطر أمنية محتملة.
كما عارضت إسرائيل الفكرة الأميركية بالسماح للفلسطينيين بتشكيل سرب طيران مروحي غير مسلح، يتيح لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية الوصول بسرعة إلى مواقع تجري فيها مظاهرات عنيفة أو يخطط لتنفيذ عمليات. وفي حينه عرض إيلان إقامة 'قناة جوية' محدودة تكون حركة المروحيات الفلسطينية فقط في مجالها، وتكون تحت الرقابة الإسرائيلية الكاملة، ويكون لدى إسرائيل القدرة عل الرد الفور على أي انحراف عن هذه القناة.
وشدد الأميركيون على أن الدولة الفلسطينية ستكون منزوعة السلاح في إطار أي اتفاق مستقبلي، ولذلك فإن المروحيات ستكون من النوع الذي تستخدمه الشرطة في كافة أنحاء العالم، وليس مروحيات ذات قدرات هجومية. كم عرض الأميركيون أن تنتقل السيطرة على المجال الجوي، في حالات الطوارئ، بشكل تلقائي إلى إسرائيل، و'كل من ينحرف بطائرته سوف يتم إسقاطها'. كما اقترح الأميركيون إجراء اختبارات أمنية سنوية للطيارين الفلسطينيين، بمشاركة إسرائيلية.
يذكر أنه خلال المحادثات التي جرت في حينه، فإن يعالون صرح في أحد اللقاءات أنه لا يتفق مع نتنياهو حول بقاء الجيش الإسرائيلي في الأغوار مدة 40 عاما بعد التوقيع على اتفاق سلام. وبحسبه فإن الجيش يجب أن يبقى 80 عاما في الأغوار، في حين عرض إيلان فترة أقل بكثير، واعتقد أن الفلسطينيين سيوافقون على مدة لا تزيد عن 10 سنوات.
وبشكل عام، عمل طاقم إيلان على إيجاد حلول أمنية لمنطقة الأغوار بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي. وتضمنت الخطة غرفة عمليات أميركية، ومنظومة مجسات، وتفعيل طائرات مسيرة (بدون طيار)، واستخدام صور الأقمار الاصطناعية، وتعزيز السياج الحدودي القائم على طول نهر الأردن. كما اقترح الأميركيون إقامة سياج حدودي آخر مواز في الجانب الأردني من الحدود.
وأشار التقرير الذي نشرته صحيفة 'هآرتس'، اليوم الجمعة، إلى أن مستوى التعاون الاستخباري بين إسرائيل والولايات المتحدة ظل بدون حل، حيث لم يتمكن الطرفان من الوصول إلى اتفاق مفصل في هذه المسألة، بسبب توقف المحادثات في أواسط العام 2014، وشن إسرائيل للحرب العدوانية على قطاع غزة في صيف العام نفسه.
ولاحقا أصدر يعالون تعليمات للجيش بوقف المحادثات مع الأميركييين، وكان ذلك أسابيع معدودة قبل أن يكون بالإمكان عرض الخطة كمسودة شاملة لوثيقة مشتركة تعرض على المستوي السياسي في إسرائيل وفي الولايات المتحدة.
وكانت قد عرضت الخطة في مطلع العام 2014 على مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية، بمشاركة نتنياهو ويعالون والسكرتير العسكري لنتنياهو، أيال زمير، ووزير الخارجية الأميركية جون كيري، والجنرال إيلان. وعرض نتنياهو ويعالون أسئلة نقدية كثيرة، قام كيري بتسجيلها وتعهد بالإجابة عليها، إلا أن الاتصالات توقفت بعد وقت قصير.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أميركي قوله إن الجيش الإسرائيلي تعامل مع الوثيقة بشكل مهني، وفحص كل اقتراح فيها من الجانب الأمني، في حين عمل نتنياهو ويعالون على إفشال الاتصالات الجارية بهذا الشأن.
وادعى يعالون في حينه أن الخطة لا تمنع إطلاق قذائف هاون باتجاه مطار اللد، ولا تضمن استمرار حرية العمل العسكري للجيش الإسرائيلي، بما في ذلك لمنع استخدام معرفة عملانية في نابلس لإنتاج صواريخ مثل تلك التي تنتج في قطاع غزة، ولا تقدم حلا للسؤال حول ماذا سيحصل إذا لم تقم السلطة الفلسطينية بواجبها بموجب الاتفاق، ولا تعتقل 'مطلوبين' في جنين، وما إذا كان بالإمكان أن تقوم إسرائيل بذلك.