في الذكرى الخمسين لعدوان حزيران (يونيو) من العام 1967، نشر مركز بيغن-السادات الإسرائيليّ دراسة تناول فيها حقبة الرئيس المصريّ في ذلك الوقت، جمال عبد الناصر، وجاء فيها أنّ مصر شكّلت في عهد عبد الناصر قائدةً للعالم العربيّ، فقد صنعت الرأي العّام في الوطن العربيّ وقادته أيضًا في نفس الوقت.
وشدّدّت على أنّ كانت القاهرة كانت عاصمة الشرق الأوسط، كما شكّلت أيديولوجية عبد الناصر العلمانية العربية تحدٍّ للغرب ولإسرائيل ولعددٍ من الدول العربيّة الأخرى، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ مصر عبد الناصر أكّدت لكلّ مَنْ في رأسه عينان كيف يمكن للبلد النامي الذي لديه عدد كبير من السكان المثابرة على الرغم من التحديات الاقتصادية والسياسية والعسكرية الهائلة، ومع اقتراب الذكرى السنوية الخمسين لحرب عام 1967، قد يتجلى المصريون والعرب من هذا الجيل مع الحنين إلى عهد مضى عندما هيمنت القاهرة على الشرق الأوسط، على حدّ قول الدراسة الإستراتيجيّة الإسرائيليّة.
وبرأيها، كانت القاهرة العاصمة السياسيّة للشرق الأوسط في الخمسينات والستينات، وكان الرئيس ناصر الحاكم الأكثر تميزًا في المنطقة، وحاول أنْ يصبح الزعيم بلا منازع في العالم العربي، وأشارت إلى أنّه في مذكراته لعام 1954 “فلسفة الثورة”، كشف ناصر عن رؤيته لمصر باعتبارها نفوذا جيو-إستراتيجيًا فريدًا في العالم الأفريقي والعرب والإسلامي، وأعرب عن اعتقاده بأنّ مصر كانت متجهةً إلى لعب دورٍ محوريٍّ في شؤون الوطن العربيّ.
وأوضحت أنّ ناصر دافع عن العروبة كتكتيكٍ استراتيجيٍّ لتوحيد العالم العربي تحت قيادته، وكانت العروبة إيديولوجية علمانية تنادي بالوحدة العربية، والتحرر من السيطرة الأجنبية، وتحرير فلسطين، تعبير عن دولة فلسطينية مبنية على أطلال إسرائيل، على حدّ وصفها.
وتابعت: ارتفع نجم الناصر السياسيّ بعد تأميم قناة السويس عام 1956، وبعد ذلك نجا من هجومٍ مباشرٍ من المملكة المتحدة وفرنسا وإسرائيل، وضمّ أماكن دولية كبطل لحركة عدم الانحياز، وفرك الكتفين مع قادة معادية للإمبريالية أنشئت مثل تيتو من يوغوسلافيا، نهرو من الهند، نكروما من غانا، وسوكارنو من اندونيسيا، مُشدّدّةً على أنّه لا يُمكن لأيّ زعيمٍ عالميٍّ كبيرٍ أنْ يطعن في شعبية عبد الناصر المتزايدة وشرعيته.
وأشارت الدراسة إلى أنّه في عهد التنافس في الحرب الباردة، لعب ناصر ببطولةٍ بين القوتين العظميتين المتنافستين لتعظيم مكانته الاقتصادية والسياسية والعسكرية في حين قدّم تنازلاتٍ ضئيلةٍ.
وشدّدّت على أنّ مصر فقدت سيناء وقطاع غزة بعد حرب 1967، ولكنّ ناصر تمكّن من تحويل هذه الهزيمة العسكرية المذهلة إلى انتصارٍ سياسيٍّ، حيث استخدم دبلوماسية ماهرة في الأمم المتحدة لاسترضاء موسكو والغرب من أجل إعادة بناء الجيش المصريّ والحفاظ على مكانته القياديّة الفريدة في الوطن العربيّ.
وبقي ناصر متحديًا. وتحملت مصر، على الرغم من فقدان الأراضي ومعاناة من الاقتصاد المكتئب بسبب انهيار السياحة وإغلاق قناة السويس حتى العام 1975. وبعد وفاة ناصر في وقتٍ مبكرٍ في عام 1970، حاول زعماء عرب آخرون مثل القذافي والأسد وصدام تكرار نجاحاته، ولكن لم يكن لدى أيّ شخص الكاريزما أو القوّة لتشكيل الرأي العام واستخراج تنازلات من واشنطن وموسكو. والحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين، التي قمعت طويلاً تحت حكم عبد الناصر، عادت تدريجيًا إلى الظهور، واستفادت من الفراغ السياسيّ والإيديولوجيّ، أكّدت الدراسة الإسرائيليّة.
وكان حل العلمانيّة العربيّة، من وجهة نظر الحركات الإسلاميّة، هو الإسلام، فكانوا يُروجون للإسلام كإيديولوجيّةٍ واحدةٍ قادرةٍ على تلبية تطلعات المسلمين، وشدّدّوا على أنّ العلمانيّة والقوميّة والليبراليّة والاشتراكيّة والشيوعيّة هي مفاهيم أجنبية تتنافى مع الدين الإسلاميّ.
ووسّعت جماعة الإخوان المسلمين من نفوذها من خلال الخدمات الاجتماعيّة وضاعفت تفانيها في بناء دولةٍ إسلاميّةٍ محكومةٍ بالشريعة، ولا تزال الحركات الإسلامية المتطرفة مثل تنظيم القاعدة وداعش تسعى إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال الانخراط في الإرهاب ضدّ الغرب وارتكاب الإبادة الجماعية ضدّ المسلمين غير المتطرفين والأقليات الإثنية والدينية، بحسب تعبيرها.
ورأت الدراسة أنّ إسقاط صدّام حسين وعدم الاستقرار في حرب العراق عام 2003، وانتفاضات عام 2011 في العالم العربيّ، وخطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015، عجلت بتوسيع هذه الجهات الإسلامية غير الحكوميّة، فضلاً عن إيران. في هذه المنطقة “الجديدة” في الشرق الأوسط، يتنافس هؤلاء اللاعبين على النفوذ بينما يتصدى القادة المصريون والعرب لعدم الاستقرار والتمرد والحرب الأهلية والدول الفاشلة، بحسب تأكيدها.
في عام 2017، لا يوجد أيّ زعيمٍ عربيٍّ يشبه عن بعد ناصر من حيث هيبته، وشدّدّت على أنّ الدرس النهائيّ لحرب 1967 هو التحول الكلّي للسلطة والنفوذ من مصر إلى الجهات الفاعلة الإسلاميّة غير الحكوميّة وإيران. ولا تستطيع مصر بالكاد أنْ تتصدّى للعديد من التحديات المحلية التي تُواجهها، ناهيك عن تأثير المشروع خارج حدودها. وتُحارب القاهرة لاحتواء التمرد الإسلاميّ في سيناء، وحماية سكانها المسيحيين، والحفاظ على اقتصادها، وتوفير مهارات وفرص عمل هادفة في القرن الـ21 لشبابها لمنع هجرة الأدمغة والتطرف، قالت الدراسة.
"رأي اليوم