لم تزدد نار الغرام التي أذكاها الشاب الموريتاني عبد الله المصطفى الذي اشتهر بـ «ولد الروسية» (نسبة لأمه)، في قلوب فتيات وصبايا موريتانيا، إلا التهابا.
«ولد الروسية» اعتقل مؤخرا مع عصابة اقتحمت مصرفا محليا فظهرت صورته في قناة تلفزيونية محلية، لتلهب الصورة قلوب فتيات موريتانيا اللائي انشغلن به عن كل شيء، وخصصن صفحات التواصل للتغزل عليه، ووجهت مجموعات «الواتساب» النسائية له بعد أن كانت مخصصة لمواد التجميل ولأمور أخرى.
أحدثت صورة هذا الشاب قنبلة في المجتمع الموريتاني فطلقت نساء بسبب غيرة أزواجهن من التغزل عليه، ووقعت خلافات بين أسر كثيرة بسببه.
بينما كانت الشرطة تستجوب «ولد الروسية» كان الشعر النسائي المعروف بـ « التبراع» يتدفق منسابا من قلوب فتيات عشقن هذا الشاب وودن لو أنهن مكانه في السجن ولو أنهن حللن محله في استجواب القضاة والمحققين!
وإذا كانت النساء في المجتمعات العربية الأخرى محرومات من التعبير عن وجدانهن بالأشعار، فإن للموريتانيات شعرهن اللهجي المقفى المسمى بـ «التبراع» والذي يتشكل من رباعيات تحمل شحنة وجدانية كبيرة.
ومع أن «التبريعة» لا تتعدى سطرين فإنها تحمل من المعاني مالا تحمله قصيدة كاملة من الفصيح.
بادرت الفتيات الموريتانيات المغرمات ب «ولد الروسيه» إلى «التبراع» فأبدعن في نسجه تغزلا بهذا الفتى الوسيم الذي رمته أقداره إلى واجهة الأحداث ليملأهن شوقا ووجدا وغراما في قصص شبيهة بألف ليلة وليلة.
ومن النماذج الشعرية التي تدوولت في صفحات التواصل قول إحداهن:
«ول الروسيه ـــ ظحكتكم تسو الحرية» (يا ابن الروسية ابتسامتك تساوي الحرية)
وتقول أخرى: «ول الروسيه ـــ شوفني لُ مارك ذي القضيه» (رب اجعلني أشهد يوم يتخلص ابن الروسية من هذه الورطة).
وتغنت مغرمة أخرى قائلة: «ذا اللص المذكور ــــ حايص قلبي بشور» (هذا اللص المذكور احتوى قلبي بلطف).
وأنشدت أخرى: كوم يروس ـــ أولدكم ذا هو محبوس (قوموا أيها الروس هذا ابنكم محبوس).
وأقسمت مفتونة أخرى به تقول: اعلي اب لحرام ــــ أل غليت انت الإجرامْ (أقسم بالبيت الحرام أنك جعلتني أحب الإجرام).
وظهرت على صفحات التواصل نساء ينتقدن عشق ابن الروسية المعتقل في قضية إجرامية، فكتبت سكينة آبواه منتقدة التغزل على ابن الروسية:
تِبْراعِى مُحالْ…الحد إخالفْ قولْ الجلال (شعري محرم على من يخالف أحكام الله).
بعد أيام من تداول هذه الأشعار، وبعد تضامن سيدات وآنسات «الفيسبوك» و«الواتس آب» مع «اللص الوسيم» المعروف لديهن بـ «ولد الروسية» قام المعني أو شخص آخر ينتحل اسمه بفتح صفحة على»الفيسبوك» أودعها تدوينة برّر فيها انضمامه للعصابة التي اقتحمت البنك، قائلا «لست لصا وما قمت به كان من أجل الفقراء والمحتاجين».
وقد أثارت هذه القضية والإبداعات الشعرية لفتيات موريتانيا في مجال «التبراع»، اهتمام الكثيرين ببوح الفتاة الموريتانية بالشعر عن عذاباتها الغرامية. وتحت عنوان «التبراع حين تبوح حواء» دونت الكاتبة حنان محمد سيدي تقول « في مثل هذه الصحاري كان مجتمعنا يطرب لسماع الشعر والغناء ولم تمنعه قساوة الطبيعة أحيانا ولا شظف العيش تارة من أن يخلد مشاعره ويرسم مشاعره في لوحــات شعــرية أخاذة تسلب الألباب». وأضافت «طبيعة المجتمع لم تكن تمنح للمرأة الحرية في التعبير عن خوالجها، فكان عليها أن تكتم لواعج الحب وتباريح العشق أو تبحث عن خيار مناسب يسمح المجتمع ببروزه وقبوله فكان فن «التبراع» الوسيلة التي لجأت إليها المرأة الموريتانية لتعبر عن مشاعرها في حدود ما يسمح به مجتمع ذكوري لا يقبل أن يسمع صوت المرأة عاليا سيما في ميادين العشق والهيام».
وزادت «والمتأمل في فن «التبراع» يلحظ مجموعة من الأمور التي ميزته عن غيره من أساليب الإبداع الأخرى، فهو يتسم بالتكثيف في التعبير بمعنى اعتماده على التعابير القصيرة فلا تجد « تبريعة» طويلة وهو ما ساعد على سهولة حفظه وانتشاره».
«زيادة على اختياره لغة بسيطة يفهمها الجميع، تضيف الكاتبة حنان، ظل فن «التبراع» محتفظا بطابع السرية، فلا تكاد تجد «تبريعة» منسوبة لامرأة محددة اللهم إلا في الفترات الأخيرة، كما أنه في معظمه يتحاشى التصريح بالأسماء والاكتفاء بالتعبير عن المشاعر والعواطف والاشتياق للقاء المحبوب والتغني بمحاسنه بطريقة خاصة، وقد ظل «التبراع» عفيفا لم يهبط للمجون أو الإسفاف في التعبير».
وتابعت «ظل التبراع الوسيلة الوحيدة التي تلجأ إليها المرأة العاشقة لتبث أشواقها في مجتمع لا يسمح لها أن تركن للأقانيم العادية كالشعر بشقيه الفصيح والشعبي.. لذلك لم يخلد الأدب في هذه الرقعة أي قصيدة حب أو « طلعة» لامرأة تبوح فيها بحبها أو تصرح فيها بما يملأ وجدانها من عشق وغرام فكان «التبراع» حقا إبداعا بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. ولعله الأكثر انسجاما مع أنوثة المرأة وطبيعتها الخاصة».
المصدر :" القدس العربي