كتب تسفي برئيل الخبير الاسرائيلي في الشئون الفلسطينية في صحيفة "هآرتس" العبرية : -
ان مليونين مواطن يعيشون في الظلام في غزة. وهذا ليس كتعبير مجازي لغياب افق سياسي، وانما كواقع مرير يضاف الى الحصار الاقتصادي المفروض على القطاع. رواتب عشرات الاف الموظفين الفلسطينيين في القطاع، الذين يعملون لصالح السلطة الفلسطينية في غزة، ستقلص بنسبة 30% على الأقل، والكثيرين منهم سيجدون انفسهم يخرجون الى التقاعد المبكر. المساعدات التي حولتها السلطة لخدمات التعليم والرفاه يمكن ان تتقلص بشكل دراماتيكي، واذا لم يتم العثور على حل للشرخ بين فتح وحماس في الوقت القريب، يمكن للرئيس الفلسطيني محمود عباس الاعلان عن سلطة غزة كدولة متمردة، وربما يحدد، ايضا، بأن حماس هي تنظيم ارهابي. هذا كله يحدث في الوقت الذي يتوقع فيه ان يعلن خالد مشعل يوم الاثنين القادم في قطر، ميثاق حماس الجديد، وبعد ذلك بيومين، يلتقي عباس بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
الضغط على غزة لم يتولد صدفة، وهو ليس منفصلا عن السياسة الاقليمية والدولية. في 11 نيسان، بشر عباس خلال مؤتمر سفراء فلسطين في العالم، والذي عقد في المنامة عاصمة البحرين، بأنه ينوي انتهاج خطوات حاسمة خلال الأيام القريبة لمواجهة الوضع الخطير الذي خلفته حماس في القطاع. وبالفعل، خلال عدة ايام بعد ذلك، امر بتقليص رواتب الموظفين، استمرارا لبيان الاتحاد الاوروبي الصادر في بداية السنة، والذي طالبه بوقف تمويل رواتب مستخدمي السلطة الفلسطينية في غزة.
في بداية شهر نيسان، اعلنت قطر بأن المساعدات الطارئة المعدة لتمويل شراء الكهرباء من اسرائيل ستنتهي بعد ثلاثة اشهر من يوم المصادقة عليها، وهو قرار كان متوقعا، لكن قيادة حماس في غزة كانت لا تزال تؤمن بأن قطر ستواصل تمويل الكهرباء.
وفي الوقت نفسه اعلن عباس بأنه سيواصل تمويل ثمن الكهرباء شريطة ان تدفع حماس الضرائب عن الكهرباء، وهو شرط لا تستطيع حماس عمله لأنه يزيد من سعر الكهرباء بثلاثة اضعاف. ويوم الاربعاء الماضي، ابلغت السلطة اسرائيل بأنها ليست مستعدة لبيع الكهرباء لغزة من دون ان تدفع الضريبة، ولذلك فإنها تطالب اسرائيل بعدم خصم ثمن الكهرباء من اموال الضرائب التي تحولها للسلطة.
هذه الخطوات التي ترافقت بتفسيرات بيروقراطية في جوهرها طموح السلطة لتقليص مصروفاتها والنقص المزمن في المال، حظيت بتفسير واسع يقول ان عباس ينوي تحقيق احد هدفين، او كلاهما معا. الاول، التسبب بانهيار سلطة حماس بواسطة الحصار الاقتصادي الذي سينضم الى الحصار الذي تفرضه اسرائيل ومصر، او جعل حماس تستسلم لمطالب السلطة الفلسطينية، أي لحركة فتح. السبب السياسي المعلن للعقاب يتطرق الى قرار قيادة حماس تشكيل دائرة عليا، تعمل كحكومة تراقب وتدير الخدمات العامة في غزة. هذه الخطوة تعتبر التفافا على قرار تشكيل حكومة توافق وطني فلسطيني في حزيران 2014، كحكومة مؤقتة حتى موعد اجراء انتخابات للسلطة والرئاسة الفلسطينية.
ردا على هذا الادعاء قال عضو قيادة حماس في غزة، صلاح البردويل، هذا الأسبوع، ان الحركة مستعدة لتفريق الدائرة العليا وتسليم الشؤون الادارية للقطاع الى لجنة التوافق الوطني، بما في ذلك المعابر الحدودية، في اللحظة التي ستأخذ على عاتقها ادارة شؤون القطاع بشكل متساوي مع الضفة. ويدعي ممثلو فتح في الحكومة ان حماس لا تسمح لحكومة الوفاق الوطني بإدارة شؤون غزة بشكل ملائم، بينما تدعي حماس ان هذه الحكومة تميز بشكل منهجي ضد غزة، مقابل الضفة، ولذلك الح الأمر تشكيل اللجنة الادارية.
لكن حتى هذه التفسيرات لا تلبي تفسيرا لسلوك السلطة الفلسطينية خلال ثلاث سنوات مضت منذ تشكيل حكومة الوفاق. احد التفسيرات التي تعرضها جهات فلسطينية يتعلق بالأجواء العامة في المنطقة والعالم، وخاصة في الولايات المتحدة ضد حماس. حسب هذا الشرح، فان عباس يعد المهر الذي سيحضره في الاسبوع المقبل للرئيس ترامب، الذي حدد الحرب ضد الارهاب كمبدأ اساسي في سياسته الخارجية، المبدأ التي تشاره فيه مصر والاردن والسعودية ودول الخليج، التي ترى في محمود عباس الشريك الوحيد حاليا الذي يمكن اجراء مفاوضات سياسية معه.
اذا كان عباس قد حدد فعلا، معاقبة حماس كجزء من عملية سياسية وليس كخطوة داخلية، فان من شأن ذلك مساعدته على اقناع ترامب بأنه يحارب الارهاب فعلا، حسب الشروط التي حددها نتنياهو، وان نتنياهو يضلل ترامب والعالم حين يدعي عدم وجود شريك فلسطيني لإجراء مفاوضات سلام. كما يمكن للخطوات التي قام بها عباس ان تشكل ردا ملائما على ادعاءات اسرائيل بأن عباس لا يمثل غزة، ولذلك لا يمكن التفاوض معه. ويمكن لعباس الادعاء بأن الصراع الذي يقوده ضد حماس يهدف الى جعلها توافق على شروط المصالحة الفلسطينية، وتبني حكومة الوفاق الوطني، وبالتالي منح عباس مكانة ممثل لكل الشعب الفلسطيني.
اذا رفضت حماس الموافقة على هذه الشروط، رغم الضغط الثقيل، سيتمكن عباس من ضمان زيادة الضغط الى حد الاعلان عن حماس كتنظيم ارهابي، وهو وعد لا يبدو واقعيا، لأن معناه فرض المقاطعة المطلقة والدولية على غزة، والتي ستطالب تركيا وقطر ايضا، بالمشاركة فيها.