قبل وصول وفد السلطة الفلسطينية القادم من رام الله إلى غزة لمناقشة المصالحة المحتملة بين فتح وحماس، شرع الطرفان في بث التهديدات لبعضهما.
وبحسب مقال للكاتب والصحفي الإسرائيلي شلومي الدار، كان التصميم الرئيسي أن يخرج الوفد الفتحاوي للمحادثات في غزة بعد أن تفتح إسرائيل معبر بيت حانون، الذي أغلق أمام حركة الفلسطينيين خلال عيد الفصح.
ووفق المقال، فإن رئيس السلطة وعن قصد ألقى قنبلة باهتت قادة حماس، ففي الخطاب الذي ألقاه خلال قمة السفراء الفلسطينيين في البحرين (13 ابريل) قال أبو مازن أنه على وشك اتخاذ خطوات غير مسبوقة. كما أشار إلى أن حماس أقامت في غزة لجنة مدنية لإدارة غزة ألغت صلاحيات الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله، وأبدت بالتالي حكم حماس في القطاع.
وينقل الكاتب عن مصدر فلسطيني رفيع محسوب على حركة فتح في غزة ان الرئيس عباس استخدم اللجنة المدنية التي أسسها قائد حماس الجديد يحيى السنوار لكي يبرر خطوات خطط لها منذ زمن بعيد.
وحسب قوله، فإن عباس اتخذ قرارًا بالانفصال عن غزة قبل أكثر من عام، بعد أن وصل إلى الاستنتاج بأن حماس لن تتنازل عن حكم غزة. أبو مازن قرر أنه غير مستعد بعد الآن لأن يمول مَن طرد نظام حكمه بانقلاب قبل حوالي عقد بأموال السلطة.
ويضيف المصدر "علامات انفصال أبي مازن عن غزة شوهدت على الأرض قبل وقت ليس بالقصير، الأعمى فقط هو من لم يرَ ما رأيناه نحن مسؤولو فتح بكل وضوح"، مشيرًا إلى أن الدلالة الاولى على ذلك هي تنصل السلطة من الدفع مقابل تزويد محطة الطاقة في غزة بالوقود واندلاع أزمة الكهرباء، ولكن الدلالة الأكبر - بحسب للمصدر - هي تقليص رواتب موظفي السلطة في القطاع.
ويذكر المقال أنه منذ العام 2007 تواصل السلطة الفلسطينية دفع رواتب موظفيها في غزة، وهذه الأموال في الحقيقة تمول حكم حماس في القطاع وتساعدها في التغلب على الضائقة الاقتصادية هناك. لولا دفع الرواتب لعشرات آلاف موظفي السلطة لكانت الأزمة الاقتصادية في غزة أشد بكثير، ولكان هناك شك في أن حماس كان بإمكانها البقاء.
ويوضح أن ترتيب دفع مرتبات موظفي السلطة خطط لأن يكون مؤقتًا، ولكن بعد عقد من الزمن يبدو أن المصالحة بين فتح وحماس لن تحدث. من جهة السلطة فلا معنى في مواصلة دفع رواتب لمن لن يعملوا على الإطلاق كموظفين للسلطة الفلسطينية أو بكلمات أخرى: لا معنى لأن تجعل حياة حماس سهلة وتساعدها في تعزيز حكمها.
ويشير الكاتب إلى "عصا التهديد" التي يلوح بها أبو مازن في وجه حماس، منذ بداية ابريل قلصت السلطة حوالي 30% من رواتب موظفي السلطة، وحسب أقوال مسؤولي فتح في غزة المشرفين على متلقي الرواتب فإن رواتبهم ستقلص بالتدريج إلى ان تتوقف تمامًا. كما يقولون، أبو توصل إلى الاستنتاج بأن استمرار تمويل عشرات آلاف العاطلين في القطاع، والذين تنفض حماس يدها منهم، يهدد بقاء السلطة الفلسطينية؛ لذلك فعليه ان يوجه جميع الموارد التي بحوزته إلى الضفة.
ويبين المصدر "إنها طريقته لإسقاط حماس، أن يمارس الضغط عليهم ليفهموا أنه ليس بالإمكان الإمساك بالعصا من كلا الطرفين، أن يحكموا وأن يتلقوا الأموال التي ترفع عن عاتقهم المسؤولية عن مؤسسات الصحة والتعليم والرفاه. إذا أرادت حماس أن تحكم غزة إلى الأبد فلتتفضل وتتحمل المسؤولية".
وفيما يتعلق بالسؤال "لماذا أعلن أبو مازن هذه الخطوات غير المسبوقة عشية خروج وفد المصالحة بالذات؟" يزعم قادة فتح بغزة انه كان قرارًا تكتيكيًا ليبدو بأنه معني بالمصالحة، لكن فقط في حال قبلت حماس بشروطه لإعادة السيطرة على القطاع. قادة فتح في غزة لا يعتقدون بأن تهديدات أبي مازن ستحقق النتيجة المرجوة من جهته، وحسب تقديرهم حماس لن تتنازل عن حكمها في غزة ولن توافق على نزع سلاح جيشها، وأبو مازن لن يكون مستعدًا لأن يقبل بوجود جيش آخر إلى جانب الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة؛ ولذلك فالاستنتاج الذي توصل إليه هو الانفصال عن غزة، وليكن الثمن السياسي ما يكون.
الثمن لن يكون بسيطًا، موظفو السلطة في غزة، المحسوبون كمؤيدين لفتح، غاضبون من قرار رئيس السلطة. منذ عقد يزعمون بأنه لم يبذل جهدًا حقيقيًا لإعادة غزة إلى أحضانه، وأنه أهمل مواطني قطاع غزة، والآن - حسب قولهم - يتخذ خطوات أولية للانفصال التام عن القطاع، ممّا سيؤدي إلى إدامة كيانيْن فلسطينييْن منفصليْن لا علاقة بينهما: غزة لحماس، ورام الله لفتح.
ويواصل الكاتب "أبو مازن يأمل بأنه في أعقاب الضغط الاقتصادي ستفهم حماس حقيقة أنها لا تستطيع تحمل المسؤولية المدنية عن مواطني القطاع. لكن تجربة الماضي تقول شيئًا مختلفًا، فقد اعتقد أبو مازن ومثله بقية قادة السلطة أن الحصار والضغط الاقتصادي من قبل إسرائيل على غزة سيجعلان حماس تفهم بأنها لا تستطيع أن تحكم وأن تتوسل أبا مازن ليعود، ولكن هذا لم يحدث وأشك ان ذلك سيحدث الآن".
ويخلص إلى أن "حماس فرضت حقائق على الأرض، بينما أبو مازن استغرق عشر سنوات ليفهم هذا الواقع. كل ما بقي أن نقول: مساكين سكان قطاع غزة ومأسورين لدى القادة".
"المونيتور"