عادت معركة الموصل إلى المشهد الإسرائيليّ بعد أنْ سجلّ الجيش العراقيّ أخيرًا عدّة انتصارات ضدّ تنظيم “داعش” الإرهابيّ، وتمكّن من تحرير عددٍ من الأحياء التي كانت تقع تحت سيطرة التنظيم.
وبحسب المصادر الأمنيّة في تل أبيب، فإنّ التركيز الإسرائيليّ على تبعات هذه المعركة يتمحور في عنصرين أساسيين: الأوّل، مُواكبة طرق حرب العصابات التي ينتهجها التنظيم، للاستفادة منها، لأنّ حزب الله اللبنانيّ وحماس الفلسطينيّة، سيتعمدان اللجوء إلى نفس الأساليب في المُواجهة القادمة ضدّ جيش الاحتلال، الثاني، أنّ الدولة العبريّة تخشى، كما أوردت صحيفة (هآرتس) اليوم الأربعاء، من أنّ طرد “داعش” من الموصل، ولاحقًا من مدينة الرقّة السوريّة، سيدفع كوادر التنظيم إلى التموضع في كلٍّ من الجولان وسيناء، الأمر الذي يُشكّل خطرًا على الأمن القوميّ الإسرائيليّ، بحسب المصادر عينها.
وفي هذا السياق رأى عاموس هارئيل، محلل الشؤون العسكرية في الصحيفة أنّه حتى الانتهاء من طرد “داعش” من الموصل، سيكون هناك المزيد من الدمار والقتلى في صفوف المدنيين، إضافةً إلى الخسائر العسكريّة في الطرفين، فضلًا عن آلاف اللاجئين والمشردين.
وذكّر المُحلل ما حدث في مدينة أصغر، الرمادي، واستعان بكلماتٍ أطلقها ضابط أمريكي خلال حرب بلاده ضدّ فيتنام: من أجل إنقاذ الموصل، هناك حاجة لتدميرها، فالمعركة تدور في منطقةٍ مدنيّةٍ مليئةٍ بالأنفاق والمباني المفخخة والانتحاريين.
وتابع قائلاً: هكذا إلى درجةٍ كبيرةٍ ستبدو معارك المستقبل في الشرق الأوسط: احتكاكٌ شديدٌ في المناطق المأهولة، حيث أنّ السكان المدنيين سيعلقون بين الأطراف المتحاربة، ويتحوّلون رغم إرادتهم إلى دروعٍ بشريّةٍ.
ولفت المُحلل إلى أنّ دروس الموصل لها علاقة بإسرائيل، التي ستتّم حروبها القادمة، إذا نشبت، في المناطق المكتظّة في غزّة وفي جنوب لبنان. وأنّه يتحتّم على وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الذي طلب من الجيش الإسرائيليّ تعديل الخطط التنفيذيّة من أجل احتلال غزة، عليه متابعة ما يحدث في العراق، بحسب قوله.
إلى ذلك، قال مُحلل الشؤون العسكريّة في صحيفة (يديعوت أحرونوت)، اليكس فيشمان، نأمل في أنْ تكون عيون رجال الاستخبارات والعمليات الإسرائيليين مُركّزةً على المعارك حول الموصل في العراق، إذ أنّ الموصل هي مثال لمدينة غزة: ميدان تجربة للتكنولوجيات، التكتيكات والسلاح الغربيّ حيال مقاومة تنظيم متزمت من مقاتلي العصابات، ممّن يقاتلون في سبيل حياتهم في منطقةٍ مدنيّة كبيرةٍ ومكتظةٍ، فكيف يُمكن لقوة ما أنْ تُلحق بهم هزيمةً، دون أنْ تبقى عالقةً في الوحل لسنوات طويلة؟.
وأردف: صحيحٌ أنّ الجيش الإسرائيليّ احتلّ من جديد مدنًا فلسطينية بالضفة الغربيّة عام 2002 في حملة “السور الواقي”، وراكم تجربةً في القتال حيّال منظمات شبه عسكريّة وجهاديّة، ولكنّه لم يُواجه احتلال مدينة بحجم غزة، والتي يُرابط فيها الآلاف من حملة السلاح المشحونين بالأيديولوجية الجهاديّة، مع منظوماتٍ دفاعيّةٍ تمّ إعدادها خلال أعوامٍ بموجب مفاهيم المقاومة القتالية التي يستخدمها “داعش” في الموصل، على حدّ تعبيره.
على خطٍ موازٍ كشف مُحلل الشؤون الأمنيّة في صحيفة (معاريف)، يوسي ميلمان، النقاب عن تغلغل مشاعر إحباط عميق، خصوصًا على المستوى العسكريّ ــ السياسيّ، في كل ما يتصّل بما أسمته المصادر التي اعتمد عليها، بـ”دور تل أبيب الهامشيّ في المكافحة الدوليّة للجماعات الجهاديّة”، في إشارةٍ إلى المنظمات التكفيريّة والإرهابيّة.
وفي محاولة لتفسير الانطباع والتقويم السائد داخل المؤسسة الإسرائيليّة، أشار ميلمان إلى أنّ أيّ جيش أوْ جهاز استخباري يشعر بأنّه ذو صلة عندما يحظى بتقدير نظرائه نتيجة خبرة وقدرة معينة.
وتابع: هذا مهم بوجهٍ خاص لأنّ علاقات التعاون بين الأجهزة تحددها معادلة خذ وأعطِ. كذلك ذكر أنّها تهدف من وراء ذلك إلى “الاتجّار” بالمعلومات عن الجماعات الجهاديّة مقابل معلومات، أوْ ما هو أغلى ثمنًا من المعلومات.
وبرأيه فإنّ هذا هو السبب المركزيّ لقيام أجهزة الاستخبارات الإسرائيليّة بجمع المعلومات عن المنظمات الجهاديّة، لكي تبقى الدولة العبريّة ذات صلة وتُواصل اللعب في ملعب الكبار، على حدّ وصفه.
على صلةٍ بما سلف، تناول معلق الشؤون العسكرية في موقع (YNET) الإسرائيليّ، التابع لصحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، تناول ما رأى أنّها العبر التي يمكن أنْ يستخلصها الجيش الإسرائيليّ من معركة الموصل، في محاولة استشراف وتوظيف لها في أيّ معركةٍ لاحقةٍ بين الجيش الإسرائيلي وكلٍّ من حزب الله أوْ حركة “حماس″.
ورغم أنّ بن يشاي أسهب في شرح الجانب التكتيكيّ على قاعدة وجود أوجه تشابه، لكنه عاد وختم بما رأى أنّه يُميّز حزب الله و”حماس″، فيما يتعلّق بكميات الصواريخ المضادّة للدروع التي يُمكن أنْ تعرقل تقديم سلاح المدرعات، في مقابل امتلاك تنظيم “داعش” كمياتٍ قليلةٍ من هذه الصواريخ، التي يُمكن أنْ تمسّ سلاح المدرعات.
بالإضافة إلى ما ذُكر أعلاه، لفت بن يشاي، إلى أنّ هناك وجه اختلاف أكثر أهميةً يتمثل بأنّ الحزب و”حماس″، يستندون إلى قدرةٍ صاروخيّةٍ تسمح لهم باستنزاف الجبهة الداخليّة الإسرائيليّة، على حدّ قول المصادر الأمنيّة في تل أبيب، والتي استند إليها المُحلل الإسرائيليّ.
وفي السياق عينه، نقل مُحلل الشؤون العربيّة في صحيفة (هآرتس)، تسفي بارئيل، عن جنرالٍ غربيٍّ، وصفه بأنّه رفيع المُستوى، ويُشارك في عملية تحرير الموصل، نقل عنه قوله إنّه مع الانتهاء من تحرير الموصل، ستبدأ مباشرةً المعركة لتحرير الرقّة السوريّة، “عاصمة دولة الخلافة الإسلاميّة”، حيث أكّد الجنرال على أنّه حتى الصيف القادم ستكون المهمّة قد أُنجزت.