كتب الصحفي الاسرائيلي يون بن مناحيم في موقع نيوز 1 العبري :
للمرة الأولى منذ انتخاب محمود عباس لمنصب رئيس السلطة الفلسطينية، حدث أمر في الساحة السياسية الفلسطينية الداخلية، فقد تجرأ سياسي فلسطيني رفيع المستوى من داخل صفوف منظمة التحرير الفلسطينية وطالب عباس بوضع المفاتيح والذهاب للبيت.
الحديث هنا عن شخصية في المعارضة الفلسطينية، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية رباح مهنا. عباس انتخب في منصبه كرئيس للسلطة الفلسطينية في 15 فبراير 2005، فترة ولايته الأولى انتهت في 2009، لكن بسبب الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وحقيقة انه لا يمكن إجراء انتخابات رئاسية في المناطق؛ بقي في منصبه حتى يومنا هذا.
جميع الفصائل الفلسطينية، بما فيها الفصائل التي خارج منظمة التحرير الفلسطينية مثل حماس والجهاد الاسلامي، لم ينقلبوا على مدار 12 عامًا على أمر شرعية عباس كرئيس منتخب وكرئيس للسلطة الفلسطينية، رغم الانتقاد الحاد من قبلهم تجاه سياساته؛ لكنهم ما زالوا يقبلونه كرئيس للسلطة الفلسطينية، منتخب وشرعي، ورغم أن فترته انتهت، وفي ضوء حقيقة أنه لا يمكن إجراء انتخابات عامة في الضفة.
ما أغضب مهنا كان مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، حيث يرمز - حسب وجهة نظره - لفشل سياسات عباس بالمفاوضات مع إسرائيل وفشل اتفاق أوسلو. لذلك، نشر في 19 فبراير بيانًا طالب فيه عباس و"فريق أوسلو" بالذهاب للبيت بعد أن فشل مشروعهم بالمفاوضات مع إسرائيل، وتمهيد الطريق لمنظمة التحرير الفلسطينية لتقود خطة مصاغة بشكل ديمقراطي لتحرير الشعب الفلسطيني.
رجل معارضة آخر، البرفسور عبد الستار القاسم من جامعة النجاح في نابلس، الذي اعتقل عدة مرات سابقًا على يد أجهزة الأمن الفلسطينية بسبب معارضته لسياسات السلطة الفلسطينية، قال في 20 فبراير أن عباس يفقد شرعيته ولا يمثل أبناء شعبه، وطالب بمحاكمته على الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وخارجها.
المطالبة من داخل منظمة التحرير الفلسطينية باستقالة عباس فورًا من منصبه، رغم أنها جاءت من قبل منظمة معارضة، هي "تجاوز للخط الأحمر"، وظاهرة من شأنها أن تقود لتصعيد طالما أن رئيس السلطة الفلسطينية غير قادر على تحقيق أهداف سياسية واقتصادية لشعبه.
ما من شك بأن ما ساعد في ذلك هي التطورات الأخيرة، وخصوصًا انتخاب حكومة أمريكية جديدة داعمة لإسرائيل ولا تصر على خيار "حل الدولتين" وتحاول صياغة تفاهمات مع إسرائيل حول استمرار سياسات الاستيطان بالضفة الغربية.
في صفوف الفلسطينيين، هناك قلق حقيقي من أن احتمال إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة والقطاع قد ينتهي قريبًا، في ظل الأنباء التي نفتها مصر وإسرائيل حول احتمال إقامة دولة فلسطينية في شبه جزيرة سيناء. لذلك، في قطاعات محددة هناك اعتراف بأنه ليس هناك مفر من عزل رئيس السلطة الفلسطينية، وصياغة خطة بديلة تقودها منظمة التحرير الفلسطينية.
حتى لو كانت فرص عزل عباس ضعيفة، فإن تلك التطورات تشكل خطرًا، من ناحية سياسية ومن ناحية الرأي العام الفلسطيني، على رئيس السلطة الفلسطينية، وتمس بشرعية حكمه.
الوضع داخل حركة فتح
خلال الأشهر الأخيرة قام عباس بسلسلة إجراءات ترسخ موقفه داخل حركة فتح كزعيم، لقد عقد مؤتمر فتح السابع في رام الله، أجرى انتخابات لمؤسسات الحركة (اللجنة المركزية والمجلس الثوري) الموالية له وتشكل "ختمًا مطاطيًا" لرغباته، أبعد خصمه اللدود محمد دحلان ومناصريه من الحركة، حيّد السلطة السياسية لمروان البرغوثي، واختار نائبًا لمنصب رئاسة فتح بشكل لا يشكل تهديدًا عليه.
تقوية موقفه في فتح أدى لموجة سخط من قبل الجمهور الفلسطيني في أعقاب إبعاد دحلان ومروان البرغوثي من جميع أماكن النفوذ؛ الأمر لم يحل أيضًا مسألة معركة الخلافة على منصب رئيس السلطة الفلسطينية، وفي الوقت نفسه منح عباس هدوء مؤقت فقط.
الانقسام بين الضفة وغزة
عباس يسيطر على مناطق الضفة منذ 12 عامًا، لكن خلال فترته حدث الفشل التاريخي الأكبر بالنسبة للشعب الفلسطيني، فقد انقطعت أي علاقة كانت تجمع بين قطاع غزة والضفة الغربية بسبب سيطرة حماس العسكرية عليها وطرد الحكم الفلسطيني المنتخب منها بالقوة. عباس فشل منذ ذاك الحين وحتى اليوم بكل محاولات التصالح مع حماس، الانطباع في صفوف الجمهور الفلسطيني هو أن عباس غير معني حقًا بتحقيق مصالحة وطنية، ولذلك يقوم بعرقلتها من أجل الفوز ببقائه بالحكم وبسبب قلقه من انتخابات تؤدي لاستبداله.
حركة حماس، من جانبها، تدرك أمر ضعف عباس وتحاول تصعيب الأمر عليه، فقد أعلنت هذا الأسبوع أنها لن تسمح بإجراء انتخابات بلدية في قطاع غزة، الانتخابات المفترض أن تعقد في الضفة والقطاع في 13 مايو، لكن حماس تضع بعض الشروط ومطالب من السلطة الفلسطينية كشرط للموافقة على إجراء الانتخابات.
مشاكل سياسية واقتصادية صعبة
تغير الحكم في الولايات المتحدة محت في لحظة كل إنجازات عباس السياسية، وعلى رأسها إنجازه المتعلق بقرار 2334 لمجلس الأمن حول عدم شرعية المستوطنات.
الإدارة الجديدة أوضحت لرئيس السلطة الفلسطينية أنها ستعرقل الجهود المبذولة لتدويل الصراع في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية في لاهاي؛ الأمر الذي سيسحب من يديه ورق مساومة مهمة في صراعه السياسي ضد إسرائيل.
الوضع الاقتصادي للسلطة الفلسطينية أيضًا صعب جدًا، رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله أعلن في 22 فبراير أن المساعدات الخارجية انخفضت بنسبة 70%، وأن حكومته تمر بظروف قاسية. المفاوضات السياسية مع إسرائيل عالقة، الاستيطان مستمر، وعباس يعتمد اعتمادًا كليًا من ناحية سياسية، اقتصادية، وأمنية على إسرائيل وبالإدارة الأمريكية الجديدة.
يبدو أنه سيصعب على محمود عباس بالفترة المقبلة الإشارة لإنجازات مهمة حققها حكمه، مما سيشدد الانتقاد ضده في الوقت الذي تستمر به معركة الخلافة وخصومه الذي يسعون لخلافته سيخرجون عن طورهم.