نهى، أمس، وفد رفيع من حركة «حماس » زيارة مهمة لمصر، استغرقت عدة أيام، التقى خلالها قيادات الحركة مع رئيس جهاز المخابرات العامة وعدد من قيادات الجهاز، وتباحث الجانبان فى عدة ملفات مهمة تخص العلاقات الثنائية وملف المصالحة الفلسطينية وأوضاع قطاع غزة، بحسب بيان للحركة وصف الزيارة بالناجحة.
خبر كان يبدو عادياً طوال سنوات اضطلع فيها جهاز المخابرات المصرى بدور كبير جداً فى التعامل مع الشأن الفلسطينى، وبذل جهداً كبيراً فى دعم الحوار الفلسطينى المشترك وإنجاز المصالحات، لكن خبر اليوم ليس عادياً، على الأقل بالنسبة لى شخصياً، بدافع تغييرات كثيرة، سواء فى النظرة العامة لـ«حماس» التى تحولت من حركة مقاومة صرفة إلى طرف متنازع على سلطة داخل الأراضى الفلسطينية، وانحازت سياسياً، على الأقل فى مرحلة من المراحل، لطرف مصرى فى أزمة سياسية مصرية داخلية، ولم تستطع فى زهو انتصار الإخوان السياسى أن تنفى أنها جزء من الجماعة، وأن تضع فاصلاً يحميها من الزج باسمها فى أتون صراع داخلى.
لكن الأهم الذى يستدعيه خبر الزيارة الحمساوية أن زميلاً صحفياً يقضى الآن عقوبة مع آخرين بتهمة «التخابر مع حماس»!
■ ■ ■
كان إبراهيم الدراوى مثلى ومثل كثير من شباب مصر الذى نما وعيه على مشهد الحركة كجناح مقاومة متفرغ لقضيته الكبرى فى الصراع مع إسرائيل والدفاع عن الأرض.
وبذهنية المقاومة، وككثير من المصريين، عرف إبراهيم «حماس» وتعلق بها، قبل أن يتخصص كصحفى فى شؤونها، ويبدو وكأنه مصدر أخبارها فى القاهرة، يمارس عمله تحت عين وبصر الأجهزة المعنية وبرضاها قبل الثورة على مبارك وبعدها.
وبعد يناير جرفته مزايدات الإخوان فى نشوة انتصارهم الانتخابى، فصار كأى متعاطف متحمس يدافع بالرأى عما تراه الجماعة صحيحا.
لكن أخطاء الحسابات السياسية بين الجماعة وحركة حماس، وغياب الفاصل الذى حدثتك عنه، لم يؤذ الجماعة فقط ولا حماس فقط، لكنه تعرض بأذاه للقضية الفلسطينية برمتها، حيث أفسد ظهيرا شعبيا مصريا مساندا، وحوّل حركة المقاومة إلى طرف فى صراع داخلى مستمر، وجعل من الزميل الصحفى المتخصص فى شؤون الحركات الفلسطينية متهماً بالتخابر.
لا أناقش هنا القضية، ولا أعترض على الحكم الذى صدر، بقدر ما وجدت خبر الزيارة يحفز على التفكير، أولاً فى استقبال وفد من حركة المفترض أنها مدانة بحكم قضائى بالتجسس على مصر، وتلك مسألة تبدو سياسية بحتة، وثانياً بالنظر إلى أن أحد المتهمين صحفى، وبين المتهمين أيضاً رئيس الجمهورية الأسبق محمد مرسى، هنا يمكن طرح هذا السؤال من جديد:
هل قضية الدراوى يمكن اعتبارها جنائية بحتة؟
كان صحفيا متخصصا فى شؤون حركات المقاومة، مثله مثل الصحفيين الذين يغطون أخبار المؤسسات المختلفة داخل مصر أو خارجها، إذن فقد انخرط فى علاقة صحفية مع حركة حماس، ومارس هذا العمل طوال سنوات من عهد مبارك، ثم سنوات ما بعد الثورة حتى الثلاثين من يونيو حين اتخذ موقفا معارضا لعزل مرسى.
وتستطيع أن تستوعب أكثر حين تسأل، بينما موجود فى ذات القضية «التخابر» محمد مرسى وعدد من قيادات الجماعة والدولة خلال حكم الجماعة، ما الذى كان من الممكن أن تحصل عليه حماس من صحفى، بينما معها رئيس الدولة ووزراء مهمون فى الحكومة وأركان الجماعة الحاكمة، والتفاهمات والعلاقات بين حماس والدولة المصرية وقتها، وبين حماس والجماعة الحاكمة فى مصر فى أزهى عصورها؟!
هى إذن قضية ذات طابع مهنى أيضاً، تتعلق بتفسير العلاقة بين الصحفى ومصدره وتستحق النقاش، لأن وجودها بهذا المنطق يجعل كل صحفى يتعامل مع مصادر عربية، أو يغطى أخبار السفارات الأجنبية، أو يراسل صحيفة أجنبية، مهددا فى أى وقت بتهمة التخابر، خصوصاً إذا وقعت واقعة سياسية بين الدولة والطرف الأجنبى.
حماس «تتباحث» فى نشرات الأخبار و«تتخابر» فى المحاكم، والدراوى يدفع فاتورة صراع سياسى وُجد فى قلبه من غير حول أو قوة.
عن المصري اليوم