هل هي مصالحة بين مصر وحماس، أم تطور في العلاقات قد يقود للمصالحة؟.. السؤال مشروع في الفترة الحالية مع تحركات سياسية من الجانبين تعكس ملامح تحوّل في العلاقة بين القاهرة ومنظمة حماس التي كانت لفترة طويلة محل اتهام في العاصمة المصرية على مدى ثلاث سنوات بدعم الإرهاب
"هافينغتون بوست عربي" ترصد في هذا التقرير ملامح"السياسة الجديدة" التي تنتهجها مصر تجاه غزة خلال الشهرين الأخيرين.
فقد شهدت العلاقة بين القاهرة وحماس، توتراً شديداً عقب الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق، محمد مرسي، وتوجيه بعض قنوات الإعلام في مصر أصابع الاتهام إلى أفراد من قطاع غزة بالعبث في الأمن المصري، وإصدار محاكم مصرية أحكاماً تتهم حماس وكتائب القسام بـ "الإرهاب"، قبل إلغائها لاحقاً.
اتصالات رسمية مباشرة
قبل يومين كشف مصدر دبلوماسي مصري لـ"هافينغتون بوست عربي"، أن اتصالات مهمة تجري منذ شهرين بين القاهرة وحركة حماس، بعد فترة فتور، قد ينتج عنها تعامل مصري جديد مع غزة وحماس التي تحكم القطاع.
المصدر المصري، الذي رفض الإفصاح عن اسمه، تحدث عما أسماه "سياسة جديدة"، في التعامل مع شعب غزة والسلطة التي تحكمه بعد طول مقاطعة، بعدما استجابت حماس لمطالب أمنية مصرية، على حد قوله.
وأشار المصدر إلى زيادة في فترات فتح معبر رفح، و عقد مؤتمرين في مدينة العين السخنة، حضرهما فلسطينيون من غزة، ولقاءات قريبة متوقعة للجانب المصري مع قيادات حمساوية.
ومن جهته قال عضو المكتب السياسي في حركة المقاومة الإسلامية حماس، سامي خاطر إن "اتصالات رسمية مباشرة تجري بالفعل بين حماس والقيادة المصرية لإعادة ترتيب العلاقات بينهما".
وشدد خاطر على أن "حماس كانت ولا تزال حريصة على أن تكون علاقاتها مع مصر مستقرة وسليمة تضمن مصلحة الشعبين الفلسطيني والمصري".
وأوضح أن "العقبة دوماً كانت من الجانب المصري، ونحن اليوم حريصون على بناء هذه العلاقات وتطويرها من حيث المواقف والإجراءات على الأرض لطمأنة الجانب المصري".
وسبق تصريحات خاطر ما قاله عضو المكتب السياسي لحركة حماس، عزت الرشق، الذي وصف مصر بأنها «الشقيقة الكبرى، ولها دور تاريخي كبير في دعم القضية الفلسطينية».
وقال الرشق في حوار نشرته صحيفة «الرسالة» نصف الأسبوعية التابعة للحركة في 19 ديسمبر/كانون الأول، "نرحّب بأي دور جديد للقاهرة لتحقيق المصالحة الفلسطينية".
ماذا قال موسى أبو مرزوق؟
القيادي في حركة حماس، وأحد المرشحين لتولي رئاسة المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق، قال لـ"هافينغتون بوست عربي" أنه عقد لقاءات مع مسؤولين مصريين في القاهرة يوم أمس الجمعة، وأن "اللقاءات بين الجانبين لم تنقطع".
أبو مرزوق شدد على أن "اللقاءات شهدت نوايا وإجراءات طيبة على طريق تطوير العلاقات"، مضيفاً: "سأعود لعقد لقاءات وزيارات أوسع عقب أجازات عيد الميلاد".
وحول القضايا التي بحثها مع المسئولين المصريين، قال إنه ناقش ملف معبر رفح وتطويره وفتحه بشكل متطور كمعبر للأفراد والتجارة، "لربط اقتصاد غزة بمصر"، وأيضاً ملف أمن الحدود.
كما جرى بحث مستقبل القضية الفلسطينية بعد التطورات الدولية ومجيء دونالد ترامب للرئاسة الأميركية.
وعن المصالحة الفلسطينية وعودة الدور المصري فيها، قال أبو مرزوق، إنه بحث مع المسؤولين المصريين، تفاصيل لقاءات المصالحة الأخيرة في الدوحة وسويسرا، ولقاء برلمان رام الله الذي ترفضه حماس تحت راية الاحتلال.
وأكد على أهمية تفعيل "اتفاقية القاهرة" الموقعة في مارس 2005 بشأن تجديد مؤسسات وهيئات منظمة التحرير الفلسطينية ودخول كل الفصائل فيها.
وقد أبلغ مصدر فلسطيني مطلع "هافينغتون بوست عربي"، أن وفداً من قادة حماس يضم أبو مرزوق وإسماعيل هنية، ربما يزور مصر عقب إجازة العام الميلادي الجديد، خلال عودة هنية من قطر إلى غزة، عبر القاهرة، لمباحثات أخرى.
وردَّ أبو مرزوق على سؤال حول موعد عودة إسماعيل هنية لغزة، واحتمالات لقائه مسؤولين مصريين خلال عودته، قائلاً "هنية كان من المرتب عودته الآن لغزة، ولكن القاهرة طلبت تأجيل العودة أيام بسبب رفع درجة الاستعدادات الأمنية في سيناء، التي سيمر منها إلى غزة، خلال فترة أعياد الميلاد"، وهو ما يشير لقرب عودته أوائل يناير المقبل.
ونفى القيادي في حماس أن تكون هناك أي مشاكل في عودة هنية للقاهرة، مؤكداً أن "أبوابها ليست مغلقة بوجه حماس، ونائب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، سيعود لغزة الشهر المقبل".
مؤتمر تعزيز العلاقات بغزة
ما يعزز فرص تحسن العلاقات بين القاهرة وغزة عقد مؤتمرات تبادلية في مصر (العين السخنة) وغزة، شارك فيها مقربون من حماس ومقربون من النظام في مصر، ناقشوا ملفات سياسية واقتصادية مختلفة.
ففي أعقاب مؤتمرين عقدا مؤخراً في مدينة "العين السخنة شرق مصر، وشارك فيهما عدد من المفكرين وأعضاء المجلس التشريعي وقيادات الفصائل الفلسطينية ورجال أعمال من غزة، تم فتح معبر رفح لعدة أيام متواصلة وتم كسر حالة الجمود في العلاقات بين البلدين.
لم تكن السياسة فقط عنوان العمل المشترك في المؤتمرين حيث ناقش رجال أعمال من غزة، تنفيذ مشاريع جديدة وآليات للاستثمار بين غزة ومصر بدلًا من الاعتماد على المنتجات الإسرائيلية وتحكم الجانب الإسرائيلي في إدخال البضائع ومنع عدد كبير من الأصناف الأساسية التي يمنع دخولها إلى غزة بحجج وذرائع واهية.
الجديد، هو عقد مؤتمر عن "تعزيز العلاقات المصرية الفلسطينية وانعكاسها على قطاع غزة"، يومي 4 و5 يناير/كانون الثاني 2017 بمقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة، الذي دعا له د. محمد ابراهيم المدهون، وهو قيادي في حركة حماس، ويتولى رئاسة أكاديمية الإدارة والسياسة للدراسات العليا.
"المؤتمر كما يقول المدهون سيناقش أربعة محاور في العلاقات المصرية الفلسطينية على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني والإعلامي، ويشارك فيه متحدثون من أصحاب القرار في القاهرة وغزة"،
وأوضح المدهون أن"المؤتمر سيشارك فيه مصريون، منهم طارق فهمي رئيس الوحدة الإسرائيلية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، وهو نفس المركز شبه الحكومي الذي دعا لمؤتمر "العين السخنة"، إضافة إلى الخبيرين السياسيين د. حسن نافعة الأستاذ بجامعة القاهرة ود. حسن أبو طالب الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية ، وتشارك فيها حركة فتح وحركات فلسطينية ووزارات.
وعلمت "هافينغتون بوست عربي" أن مناقشات المحور الأمني ستتضمن قضيتين: إغلاق معبر رفح، والذرائع الأمنية لإغلاقه، وسوف يتحدث في المؤتمر رئيس هيئة المعابر والحدود في فلسطين عن حركة المرور عبر المعبر والمتغيرات فيها، والأمر الثاني هو ضبط الحدود بين مصر غزة باعتبارها أحد أسباب أزمة العلاقات بين القاهرة وحماس.
أما المحور الإعلامي: فسيناقش ضبط الخطاب الإعلامي خصوصاً الموجه من مصر لغزة.
سر التحسن المفاجئ
"مصر تتجه لإعادة تقييم العلاقات مع غزة بشكل عام، وترى أنه بعد إغلاق الأنفاق وحصار غزة لفترة طويلة، وتعاون حماس مع مطالب مصر الأمنية، من المهم الانفتاح على شعب غزة والتعامل بشكل مختلف مع قيادة القطاع، للتخفيف عن الناس هناك والقبول بالأمر الواقع، هكذا يرى الصحفي المتخصص في الشئون الفلسطينية، أشرف أبو الهول.
ويضيف أبو الهول لـ "هافينغتون بوست عربي" أن "مصر كانت تطلب إحكام السيطرة على الأنفاق وهذا حدث، وكانت تطلب تحجيم سلفيين يرجح تعاونهم مع مسلحين في سيناء، وهذا حدث أيضاً. وحماس تعاونت فيما يخص الأنفاق ومنعت المتشددين في غزة من التحرك باتجاه الأراضي المصرية، وهو نوع من التعاون مع مصر في حفظ أمن سيناء".
ويتابع: "مصر شعرت أنها هي التي تخسر من عدم حدوث المصالحة الفلسطينية لأنه أصبح بينها وبين أهل غزة خصام متزايد وأصبح بالتالي التشدد في العلاقات تجاه غزة وحماس يحتاج لإعادة نظر، وإن كان الوقت لا يزال مبكراً لعلاقات كاملة وتحسن كامل"، بحسب تعبيره.
ويشير الخبير المصري في شئون قطاع غزة إلى أن "حماس كثفت وجودها الأمني في رفح والأنفاق واعتقلت 35 من المتشددين (من أنصار داعش والسلفيين وحركة صابرين)، ما أدى لتخفيف التوتر في العلاقة بينها وبين القاهرة".
مصالح مشتركة وظروف الواقع
المحلل السياسي الفلسطيني "شرحبيل الغريب"، يرجع بدوره هذا التحسن بين القاهرة وحماس إلى "مصالح مشتركة وظروف الواقع"، التي يرى أنها "فرضت على الطرفين التقارب".
"الخلافات العقدية والأيديولوجية بين الجانبين كبيرة، ولا يمكن حلها بهذه الطريقة، ولكن المصالح المشتركة بين الطرفين هي اللاعب الأساسي في هذا التقارب وفتح صفحة جديدة من العلاقات بينهما"، هكذا يؤكد "الغريب، مضيفا أن "حماس يعنيها بالدرجة الأولى تخفيف الحصار وفتح معبر رفح، وتنظر لمصر كدولة محورية كبيرة بغض النظر عمن يحكمها، ويجب أن يستأنف دورها وواجباتها تجاه دعم القضية الفلسطينية، بعد 3 أعوام من التوتر والقطيعة".
ويشير المحلل الفلسطيني إلى أن "مصر لها مصالح لدى حركة حماس التي تحكم قطاع غزة وتسيطر على الحدود الجنوبية مع مصر، أهمها حفظ الأمن والحدود وأمن منطقة سيناء التي بها جماعات سلفية مسلحة لم تنجح مصر في القضاء عليها تماماً.. ثم الوضع الاقتصادي الصعب الذي وصلت إليه مصر، واقتناعها أن قطاع غزة يشكل منفذاً للخروج من الأزمة الاقتصادية عبر تسهيلات فتح معبر رفح وإدخال كميات كبيرة من البضائع تمنعها دولة الاحتلال في ظل الحصار الخانق على قطاع غزة.. هذا أدى إلى تخلي القاهرة عن عنادها المعهود طيلة السنوات الثلاث الأخيرة تجاه حركة حماس، مبدية بعض المرونة في علاقتها بالحركة.