اصطَّفت العشرات من الوحدات العسكرية الخاصة من ذوي القبعات الحمراء في الشمس، في انتظار الطائرة التي ستقلُّهم إلى ما يشيرون إليه بتلطُّفٍ "شاما"، والتي تعني بلغتهم الشيشانية الأم "الأرض المقدَّسة في سوريا".
بدت وجوههم متجهِّمةً بفعل الطقس بعد سنواتٍ قضوها في رياح الجبال. بعضهم كانت لديه أسنانٌ مفقودة. وبعضهم كانت لديه عيونٌ مفقودةٌ رأت الموت قريباً للغاية. ويقول أحد الجنود الذين ظهروا في فيديو نُشِر مؤخراً، وأذاعته قناة "Top Donbass News" في الجزء الذي يسيطر عليه المتمردون الموالون لروسيا في شرق أوكرانيا، إنَّه ذاهبٌ إلى سوريا "لمساعدة أناسٍ يمرُّون بلحظةٍ عصيبةٍ".
الشيشان، جمهوريةٌ بمنطقة شمال القوقاز حاربت وخسرت حربين انفصاليتين ضد روسيا فترتي 1994-1996 و1999-2006، وهي الآن ترسل المئات من أبنائها إلى الشرق الأوسط لقتال الجماعات الإسلامية المتطرفة، بما في ذلك ما يُسمَّى الدولة الإسلامية "داعش"، الذي يضم هو الآخر الكثير من الجنود وبعض القادة الشيشانيين، بحسب تقرير لموقع The Daily Beast الأميركي.
صورة بوتين أمام العالم
وذكرت تقارير روسيةٌ عدّة أنَّ ما بين 3500 و5000 شيشاني منخرِطٌ في صفوف الجماعات المتطرِّفة في سوريا والعراق.
كانت تلك إحدى الخطوات التي تُظهِر للعالم أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرسى السلام في حلب بسوريا، ووسيلةٌ جديدةٌ تماماً لإحكام السيطرة على المناطق الموالية لروسيا على الأرض. كان الكرملين يُعزِّز قواعده الجوية والبرية في اللاذقية. فالجيش الروسي رأى في تفوِّقه في سوريا فرصةً لمشاركة الضبَّاط في العمليات القتالية لتنمية خبراتهم.
تلك هي الأجواء التي خلقها الصراع إلى درجة أنَّه يوم الأحد، 25 ديسمبر/كانون الأول، حين تحطَّمت طائرة نقلٍ عسكريةٍ في البحر الأسود، ما أدّى إلى مقتل 92 شخصاً، من بينهم أعضاء كُثُر في أوركسترا الجيش الأحمر، آثارت الحادثة تكهُّناتٍ فوريةٍ حول وجود شبهاتٍ إرهابيةٍ، وهو الأمر الذي استبعده المحقِّقون الحكوميون لاحقاً.
ومع ذلك، الأمر الذي لا يمكن التشكيك به هو أنَّ حرب روسيا في سوريا، والتي هي بشعةٌ بالفعل، على وشك أن تصبح أكثر بشاعةً كلياً.
الصحيفة الروسية المستقلّة "نوفايا غازيتا Novaya Gazeta" أفادت بأنَّ القادة الشيشانيين كانوا يحشدون الجنود في وحدات "سوريا" الخاصة على مدار أشهرٍ عدّة.
وقال سيرغي ماركوف، مسؤولٌ روسي ومستشارٌ للحكومة، لموقع "ذا دايلي بيست" إنَّ "هذا العام ينتهي كأحسن ما يكون بالنسبة لروسيا، محقِّقةً أكثر مما كانت تأمل".
وأضاف ماركوف: "الرئيس بوتين فاز بمعاركه في العديد من الساحات، بما في ذلك حلب في سوريا، وأميركا، والاتحاد الأوروبي. ويتَّفِق المزيد والمزيد من الناس على أنه محقَّاً بأنَّ قوة روسيا وشرعيتها في تزايدٍ". مضيفاً: "أجندة عمل الشيشانيين (في سوريا) سرية، لكن على الأرجح سيشاركون في قتال داعش بالرقة شمالي سوريا".
وبذل الزعيم الشيشاني "رمضان قديروف" جهوداً كبيرةً في بناء وحداتٍ خاصةٍ، تُعرف باسم فِرَق الموت، من رجالٍ لا يعرفون الخوف، عديمي الرحمة، خبيرين بحرب الشوارع والجبال (حرب العصابات).
وقالت هيدا ساراتوفا، ناشطةٌ داعمةٌ للحكومة، لـ"ذا دايلي بيست" إنَّ "نجل ابن عمي عمِل لصالح بعض أجهزة إنفاذ القانون في الشيشان". وأضافت: "تطوَّع للذهاب إلى سوريا. وتجمَّعت أسرتنا بأكملها لتودِّعه".