يتطلع مهندسان غزيان لإحداث "ثورة" في مجال البناء عبر استخدام طوب بلاستيكي خفيف الوزن، بدلا من الطوب الحجري المتعارف عليه، ولا سيما في أعمال إنشاء الأسقف كمرحلة أولى.
واستطاع الفلسطينيان أيمن عاشور وأحمد الجدبة إنتاج أول طوب مصنوع من البلاستيك المعاد تدويره ومواد كيميائية، بعد تسعة أشهر قضياها في أعمال تصميم القالب وصناعته بالشراكة مع صاحب إحدى الورشات.
وكان من المفترض أن يكون إنتاج هذا الطوب مشروع تخرج الشابين من قسم الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية بغزة، لكن تكلفته التي تجاوزت عشرة آلاف دولار منعتهما من إتمامه حينها.
انطلقت الفكرة من بحث الشابين عن حلول لمشكلات يواجهها سكان غزة، فركّزا على مشكلتي ارتفاع تكاليف البناء، وازدياد الملوثات البلاستيكية التي تبلغ نحو 16 طنا في اليوم.
حلُّ المشكلتين معا كان بمثابة التحدي الأبرز لهما في ظل الظروف المعقدة التي يعيشها القطاع المحاصر منذ عشر سنوات، لكن عزمهما على القيام بشيء مختلف دفعهما لاستكمال المشروع بعد تخرجهما.
حصل الشابان على تمويل بأربعة آلاف دولار من مشروع "مبادرون" الذي يدعم الأفكار الريادية ماديا وتدريبيا، ويقولان إنه لولا ذلك لما تمكنا من تحقيق حلمهما برؤية مشروعهما -الذي أطلقا عليه اسم "أيسر"- أمام ناظريهما.
عاشور يتوقع أن يصل سعر طوب البلاستيك إلى سعر مماثل للحجر التقليدي إذا ما صُنعت منه كميات كبيرة (الجزيرة)
تجاوز التحديات
وتقوم الفكرة على استبدال الطوب الحجري المستخدم في بناء الأسقف بالطوب البلاستيكي الأقل منها وزنا بنسبة 90%، انطلاقا من أن مهمة الطوب ملء الفراغات فقط، وفق ما يقول عاشور للجزيرة نت.
التحدي الأكبر كان صناعة القالب الحديدي للطوب البلاستيكي، والذي بلغت تكلفته نحو سبعة آلاف دولار، فبفضله تمكنا من الحصول على "حجر" وفق المواصفات المطلوبة بوزن نحو كليوغرامين اثنين.
ونظرا لارتفاع ثمن البلاستيك المعاد تدويره بسبب رفض الاحتلال الإسرائيلي إدخال البلاستيك الجديد إلى غزة، فإن تكلفة الطوب بلغت ستة شيكلات (1.5 دولار)، في وقت يبلغ فيه سعر الحجر العادي أربعة شيكلات (دولار واحد)، وهو ما يفرض تحديا في تسويقه.
لكن عاشور يتوقع أن يصل سعر حجره إلى سعر مماثل للحجر التقليدي إذا ما صُنعت منه كميات كبيرة، فضلا عن أنه سيكون بثمن أقل في حال توفر البلاستيك الجديد.
ويستهلك السوق المحلي بغزة نحو سبعة ملايين ومئتي ألف حجر سنويا، بحسب مسح ميداني، ويمكن للطوب الجديد أن يستحوذ على 16% من السوق، وفق استبانة وُزعت على شركات مقاولات ومكاتب هندسية.
ميزات فريدة
وثمة مزايا للطوب البلاستيكي تؤهله للفت أنظار الزبائن، فهو يوفر تكلفة البناء بنحو 15%، إذ يكون السقف أخف وزنا، وبالتالي يحتاج إلى كميات أقل من الخرسانة في القواعد والأعمدة، كما يقول الجدبة للجزيرة نت.
ويفتح الاختراع بابا واسعا أمام تشكيل ديكورات داخلية فريدة، لكونه يزيد المسافة بين الأعمدة لخفة وزن السقف، عدا عن أنه مقاوم للزلازل، وسهل النقل، ولا يوجد فيه تالف.
وتُظهر فحوصات أُجريت على هذا الطوب تفوقه على التقليدي من حيث الانحناء واللي، فقوته بلغت 720 نيوتن، مقابل 480 للحجري، في وقت حصل فيه على 2.1 نيوتن/ملم2 بفحص الضغط، وهو ما لا يقاس عادة لمنافسه.
ووفق الدراسة التي أجراها المهندسان، فإن مشروعهما يحتاج إلى نحو ثلاثمئة ألف دولار ليصبح تجاريا منافسا، وهو ما يستحيل تنفيذه دون تبني المشروع أو دعمه من جهات خارجية.
وأجرى الشابان (24 عاما) تجربة ناجحة لاستخدام الطوب في إنشاء سقف على مساحة ثلاثين مترا، بعد أن صنعوا نحو مئة منه، كما نجح اختبار مبدئي لفحص تماسك الطوب مع القصارة.
تسويق وتطوير
وعلى اعتبار أن الطوب البلاستيكي منتج جديد، فإن ذلك يفرض على أصحابه تحديات في إنتاجه بتكلفة مناسبة، وتسويقه، وإقناع الزبائن باستخدامه، كما يرى الأستاذ المشارك في الهندسة المدنية بالجامعة الإسلامية يحيى السراج.
ويؤكد السراج -المُطّلع على سير المشروع- إمكانية استخدام الطوب البلاستيكي بديلا عن الحجري، فضلا عن أهمية ذلك في الاستفادة من البلاستيك المتوفر في النفايات الصلبة، والذي يشكل عبئا على البيئة.
وبالرغم من أن البلاستيك قد يبعث روائح كريهة في ظروف معينة، فإن الخبير السراج يستبعد -في حديثه للجزيرة نت- حدوث ذلك في المنتج الجديد، لأن البلاستيك منظف قبل إعادة تدويره، فضلا عن أنه مغطى بالخرسانة من الأعلى والقصارة من الأسفل.
لكن الخبير يدعو لتطوير هذا الطوب وجعله مقاوما للحرائق، فهو بحاجة لحماية أكثر جدوى من طبقة القصارة، لضمان تحمله حرارة أعلى من 170 درجة يتحملها حاليا.