دبي -سعيد أبو معلا - التمثيل المتقن، والنقد السياسي والاجتماعي الجريء، والكوميديا خفيفة الظل، ثالوث فني ظلل وحمل عمل المخرج الأردني- الفلسطيني محمود مساد «إن شاء الله استفدت». الفيلم روائي طويل يعرض لأول مرة عربيا في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته الثالثة عشر ضمن مسابقة الأفلام العربية الطويلة «المهر العربي»، حيث سبق وان عرض في مهرجان «تورنتو».
يمكن القول ان الفيلم يسجل تقدما على السينما القادمة من الأردن، فجل من ظهر فيه من ممثلين يقفون خلف الكاميرا لأول مرة، لكن المخرج تمكن من تقديم أفضل ما لديهم من اداء وتقديم لحكايا واقعية ما جعله فيلما يستحق التقدير والاشادة.
فهذه الدراما الجديدة تغرق في الواقع الأردني وتنشب اظافرها بلمسة كوميدية غاية في الروعة من خلال تناولها قصة أحمد؛ عامل البناء الذي يتورّط في صفقة أعمال غير موفقة، تودي به خلف القضبان، ومن هناك يمعن الفيلم في رصد تحولات الدولة السياسية والاجتماعية، «لم يكن هذا حال البلد قبل 10 سنوات» بحسب المخرج.
وطوال دقائق الفيلم ينتقل الشريط من قصة إلى اخرى ومن موقع إلى أخر راصدا مظاهر التراجع والفساد السياسي والاجتماعي في عمان، من سطح منزل أحمد الذي كان يرغب في سرقة الكهرباء إلى علاقته مع زوجته وصولا إلى عمله، ومن ثم اعتقاله وعلاقاته مع رجال الشرطة والنائب العام، والقاضي ولاحقا المحامي الأعمى الذي اوكل للدفاع عنه، ومن ثم ينقل لنا الحياة داخل السجن والصراعات القائمة على الزعامة وتحصيل الحقوق وليس نهاية بإطلاق سراحة.
يزودنا الفيلم عبر رحلته بتشريح بصري رأسي يصف واقع البلد المتداعي من وجهة نظر المخرج، ليكون -وفق ما نرى- الأكثر جرأة ونقدا. ويبدو المجتمع والنظام السياسي يتكئان على بعضهما في استمرار حالة البلد على ما هي عليه، حالة تتغذى أطرافها على علاقات فساد مركب ومبنى على حل المشاكل اليومية للمواطنين، فيما الفساد السياسي وعلاقته برأس المال يستمر ناخرا جسد المجتمع ومحولا إياه إلى كتلة من الانحرافات والاخطاء.
في السجن تبدو لاحمد الحياة أكثر رحمة أمام مطالب الحياة المستعرة، ويكون موعد الافراج عنه كابوسا لا يعني إلا مزيدا من الانخراط في الفساد والتجاوزات، ولا يعين على تقبل ما في الفيلم إلا كم المفارقات التي يحولها الفيلم إلى كوميديا سوداء تنزع الابتسامة جبرا.
ورغم أن المخرج لم يغص عميقا في منطلقات وأسباب هذا السقوط السياسي والمجتمعي، إلى أنه تمكن برمزية عالية من توقع المستقبل، ينهي المخرج فيلمه في مشهد سيارة الترحيلات التي تنقل المقاول أحمد إلى المخفر كي يطلق سراحة، فيما الشرطي سالم الذي أغرته التكنولوجيا والرغبة باكتشاف العالم يسرق جهاز «لاب توب» من عهدته في المركز الأمني متلقيا مكالمة هاتفية من زوجته تخبره أن بيته قد سرق، وأخيرا مجموعة من المعتقلين الخطرين (يرتدون الزي البرتقالي/ معتقلين على قضية أمن دولة) يحلون قيودهم من أجل الترويح عن أنفسهم داخل عربة الترحيلات (في إجراء اعتيادي بفعل التهاون في كل مفاصل الدولة).
هنا يذعر أحمد من هول المشهد، ولا تبدو تطمينات المعتقلين ولا الشرطي سالم مجدية أمام إحساسة بأنهم في طريقهم للهرب، ليضع أعيينا على نهاية متوقعه لما سيؤول إليه حال البلد المتهاوية، سيارة فيها أطراف ثلاثة: رجل الأمن، والمواطن الايجابي البسيط، ورجال خطرون على امن الدولة، وشارع عام طويل وممتد، ولا نعرف ما ستؤول إليه الأحداث، في نهاية مفتوحة تعتبر الأكثر رمزية.
نقطة اخرى تتمثل في ان المخرج تمكن باقتدار من تشريج الجسد الأردني الذي بدا مثخنا بالجراح غارقا بالكد والتعب، طوال الفيلم تفرست الكاميرا اجساد الممثلين، بدءا من ملامح وجه وأسنان أحمد، إلى زملاء السجن الذين تسطحوا على منصة في السجن ملقين أجسادهم المتعبة للشمش. مشاهد متقنة صنع منها المخرج رؤية فاضحة لما آلت إليه الأوضاع.
بقي أن نقول أن طموحات المخرج قليلة، ورسائله في فيلمه أيضا، إنه يؤمن بالسينما التي تقدم للناس واقعهم، من خلالهم، بكل ما يحفل به من قسوة وبؤس ومفارقات صادمة ومضحكة، ويعتبر ذلك هدفا لفيلمه الذي ينقل وقائع مستمدة من دول عربية كثيرة تعيش نفس الحال، وثانيا يطمح أن ترى الحكومات والانظمة العربية النتيجة التي وصلنا إليها، فهل تستفيد من عمل «المساد» أم انها ستغرق في اجتزاء بعض مشاهده وتجاهل رسالة الفيلم الحقة؟ هذا ما ستكشفه الأيام.
شارك المساد، الذي تُدرّس أعماله في المناهج السينمائية في أوروبا، في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، مخرجاً وممثلاً ومنتجاً. يُذكر أن فيلمه غير الروائي «هذه صورتي وأنا ميت» (2010) فاز بجائزة أفضل فيلم في «مسابقة المهر العربي في فئة الأفلام الوثائقية»، في «مهرجان دبي السينمائي الدولي». كما فاز «إعادة خلق» (2007) بجائزة السينما العالمية في مهرجان صندانس. اختير المساد في 2002 سفيراً عربياً للثقافة.
الايام