الصدمة هي ردة الفعل التي رافقت الكثير من الأدباء والفنانين والمثقفين الفلسطينيين والعرب، إزاء نبأ رحيل الكاتب والمترجم العراقي حسين الموازني، مساء أمس، في ألمانيا، حيث يقيم، فالروائية السورية مها حسن، اكتفت بالتعقيب على النبأ بكلمة واحدة "صدمة"، وهو ما شدد عليه الروائي الفلسطيني المقيم في بريطانيا ربعي المدهون بالقول "ما زلت مصدوماً .. حسين الجميل ودعاً"، قبل أن يضيف "كان مدهشاً في حياته .. ترك لنا إرثاً من الإبداع والمحبة والحزن المباغت الذي يرفض الرحيل".
أما الروائي الجزائري سمير قسيمي فعلق "وداعاً .. خبر مفجع"، فيما كتب الشاعر الفلسطيني غسان زقطان على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": حزين على رحيل العراقي الجميل حسين موازني.
وكان الروائي العراقي أحمد سعداوي من أوائل من نشر النبأ على صفحته "فيسبوك"، فكتب: خبر مؤسف جدا وفاة الروائي والكاتب العراقي حسين الموازني في برلين اليوم بشكل مفاجئ .. لروحه الرحمة، ولعائلته وأصدقائه أحر التعازي، بينما نشر الكاتبة العراقية سناء الطالقاني صورة لحوار عبر الهاتف النقال، قبل أيام، بينها وبين الراحل الموازني كتب فيه لها: توفي في الفترة الماضية عدد من العراقيين في برلين، ومنهم صالح كاظم، ومؤيد الراوي، وصبري هاشم، ثم صبيح الحمداني، ومنذ أيام توفي صديق عراقي أعرفه منذ أربعين عاماً .. أصبح الموت شأنا عادياً للأسف الشديد.
واكتفى الشاعر خالد معالي، صاحب دار الجمل للنشر، حيث نشر الموازني روايته "اعترافات تاجر اللحوم"، وعدد كبير من ترجماته، بنشر صورة قديمة تجمعهما سوياً، وكتب "اليوم تخونني الكلمات"، بينما كتب الكاتب العراقي صمويل شمعون "منذ قليل تكلمت مع الصديقة هايكا، فأكدت لي خبر وفاة حبيبنا حسين الموازني .. كارثة".
أرى موتي فيه
وتوالت ردود الفعل من شعراء وروائيين وكتاب من جميع الدول العربية، فالروائي السوداني أمير تاج السر، كتب على صفحته في "فيسبوك": الرحيل المبكر والمباغت للأخ حسين الموازني خلف حزناً كبيراً، وأنعش تلك التساؤلات الغافية عن الهجرة والمنفى والموت، رحمك الله يا حسين".
وكتب الشاعر والتشكيلي العراقي شاكر لعيبي: ليس إنسانياً أبداً أن تنتهي حياة كاتب متوقد بكلمة (الله يرحمه) التي لا رحمة فيها .. لا أريد قبول فكرة موت حسين الموزاني .. أرى موتي فيه، بصدق مطلق، والكلمة الباردة نفسها في هذا الزمن البارد.
الروائي اليمني علي المقري، كتب في "فيسبوك" أيضا: سأبقى أفتقدك وأتذكّرك كلما جاء حديث عن حرّية الكتابة والكتّاب، وعن تجاوز الناس لقهرهم بعيداً عن السلطات المستبدة والتنظيمات المتخاذلة..عزاؤنا أنك عشت حياتك حرّاً ولم تخضع لقوانين الثقافة المتكلسة، قدّمت لنا أجمل ما فيك كتابة وترجمة وحياة.. لتنم روحك بسلام صديقي الجميل.
ضد إسرائيل
الكاتب المصري هشام أصلان كشف بدوره عما جاء في محادثة مع الراحل الموازني، كاتباً: في صندوق الرسائل بيني وبينه، لم أجد سوى دعوة منه للتوقيع على بيان يدين اعتبار إسرائيل ضيف شرف معرض الكتاب المكسيكي في 2013.
وأضاف أصلان: قال أحدهم مرة، إن الثقافة، الآداب والفنون، جمهورية مستقلة بذاتها، يعيش مواطنوها مع بعضهم البعض بغض النظر عن المسافات .. وقال آخر: المثقفون العرب لهم خصائص الأقليات في العالم، يستسهلون بعضهم البعض.
وتابع: نعم.. طوال الوقت يجد العاملون في حقول الثقافة في العالم، العربي على الأقل، طريقة للتواصل فيما بينهم. قد يقف هذا التواصل، في أحيان كثيرة، عند مجرد القراءة لبعضهم البعض. اللقاءات أو عدمها ليست معيارا للونس. منذ سنوات قليلة، جاء الفيسبوك ليسهل بشكل ما العيش في هذه الجمهورية.. من هنا، تشعر أحيانا بأن أحدهم قريبا بمجرد وجوده على حائطك بأفكاره وصوره، ولو لم تتحدثا. ومن هنا أيضا، يحدث أن يكون رحيله مؤثرا.. وخبر الرحيل المفاجئ للكاتب العراقي، المقيم في ألمانيا، حسين الموزاني، خبر صادم ومحزن.
أنتظر كلمة
وخاطب الشاعر العراقي عواد نصر المقيم في بريطانيا الراحل، فقال: صديقي حسين الموزاني لا مزاح في الموت.. أنتظر أن تنشر تكذيباً لخبر موتك حتى لو متّ فعلاً.. أنتظر التكذيب على مدار الساعة.
وأضاف: لن أكتف بخبر مكتوب. كلمني هاتفياً رجاء .. سكينة ابنتك ماذا تفعل الآن؟ إذا كنت لا تستطيع الكلام خذ ورقة صغيرة واكتب لسكينة "هاتفي عمك عواد. فهو قلق جدا، أو غير مصدق" .. بانتظار كلمة منك يا صديقي، كلمة واحدة بصوتك.. حتى لو متّ فعلاً.
الصحفي والكاتب اليمني جمال جبران، كتب بدوره: أتى الخبر من ألمانيا. الروائي والمُترجم العراقي المُبهج حسين الموزاني. ذهبت ابنته لإيقاظه من نومه فرفض قلبه الخروج إلى حياة يوم جديد.
وأضاف جبران: في مقاله الأخير في "الأخبار" كتب الموزاني عن كتابه الأول: "كان هناك أمر آخر شغلني تماماً وهو الشعور بأنّ العمل الأدبيّ من أشدّ الأعمال البشرية قرباً من الاحتضار والموت، وكلّ يوم يمكن أن يكون يومه الأخير مثلما كتب الشاعر الألماني هانس ماغنوس إنسنتسبيرغر ذات مرّة. فكان من الصعب عليّ أن أتحمل فكرة أن يموت عملي الأدبي، بينما أبقى أنا كاتبه حيّاً. وأصبحت الكتابة معادلاً موضوعياً لحياتي نفسها، وربّما استحالت حياتي الحقيقية إلى نصّ لا ينتهي" .. وداعاً.
لا تعاتبوا
ونشر القاص العراقي حسن بلاسم صورة، وعلق عليها: في الصورة حسين الموزاني قبل اسابيع يدير الحوار معي في مهرجان برلين للادب.. "ما مصدق موت حسين .. بس مصدق عبث الحياة والموت" .. قال لي حسين في اخر لقاء انه متعب وحزين ووحيد .. مات حسين وماتت معه ايام الحزن والوحدة والتعب .. مات حسين وماتت معه اوهام الحياة !
وكتب الشاعر اليمني فتحي أبو النصر: لا تعاتبوا الجميل حسين الموزاني على رحيله المباغت، فهو لم يستطع تحمل العالم أكثر، ولذا فلنحاول تجاهل موته فقط ..فأحيانا يحدث أن يأتي الموت، ويكون مصدر سعادة للضجران الغريب المحظوظ الذي يناله.
ونشر الشاعر العراقي زهير كريم ما وصفها بتلويحة إلى حسين الموازني، جاء فيها: "غريب آخر يمر ...فأفسحوا له الطريق من فضلكم كي يتوارى، كما يتوارى نيزك، أو كما يسقط طير خلف التلال .. لوحوا له بقلوبكم، وعطروا اسمه بالكلمات اللطيفة، والشموع. فالغرباء يحتاجون أشياء كهذه لدرء الوحشة وتزجية الوقت، ثم اذهبوا الى حبيباتكم .. اذهبوا بسرعة وتكوروا بين أحضانهن، واحلموا بأشياء كثيرة قبل أن ينادي عليكم حارس العدم".
سيرة ذاتية
وحسين الموزاني، المولود في "العمارة" بالعراق العام 1954، روائي ومترجم عراقي مقيم في ألمانيا منذ أكثر من ثلاثة عقود (1980)، حيث ترك العراق بسبب نشاطه السياسي إلى بيروت صحفياً، قبل أن ينتقل إلى ألمانيا ويعيش فيها حتى وفاته.
ودرس الموزاني الأدب الألماني واللغة العربية والعلوم الإسلامية في جامعة مونستر، وأنجز رسالة ماجستير حول أعمال الاديب نجيب محفوظ، كما فاز بجائزة شاميسو التي تُمنح للكتاب ذوي الأصول الأجنبية في ألمانيا اللذين اختاروا لغة غوته للكتابة الأدبية.
وله عدة روايات بالألمانية وبالعربية أشهرها "اعترافات تاجر اللحوم" (2007)، و"منصور" أو "عطر بلاد الغرب" (2002(، ومجموعتين قصصيتين، وصدر له كتاباً بعنوان "أعوام الجمر والرماد: تأملات نقدية حول المنفى والثقافة والهوية الوطنية"، عن دار الجمل، وترجم العديد من الروايات والكتب عن الألمانية عن ذات الدار، أشهرها لغونتر غراس، كـ"طبل الصفيح"، و"الحياة"، وغيرها الكثير.
عراق مصغّر
وكان قال في حوار مع موقع المدن قبل عامين: أعمالي كلّها تدور حول العراق في الواقع، ولم أتناول موضوعاً آخر سوى العراق.. صرت أنظر إلى هذا البلد باعتباره ماضياً وذكريات وصوراً قديمة. وبهذا المعنى فإن الكتابة كانت محاولة لتحييد الذكرى وتسكين الألم قدر المستطاع، لأنّ فقدان الوطن كان أمراً مؤلماً وقاسياً على نحو لا يطاق. ثمّ إنّ العراق منجم لا ينضب للأحزان والمآسي والدمار والإبادة الجماعية وما زال إلى يومنا هذا. فالصدمة النفسية واقعة في كلا الحالتين سواء زرت العراق أو لم أزره. وأنا لا سبيل لي ولا وسيلة في معالجة نفسي المصدومة سوى الكتابة والتذكّر.. تخيّل مثلاً أنّك تنتمي إلى بلد نُفذت فيه 67 ألف عملية انتحارية خلال 11 عاماً، أي منذ سقوط نظام البعث إلى الآن. وغالباً ما ينتابني هاجس بأنّ عمليات القتل اليومي هذه تحدث في أعماق نفسي، وكأنني عراق مصغّر أو "مشخصن"، فأسير كما لو أنّ الدماء تقطر من جسدي أينما حللت. ومع ذلك فأنا منفيّ حقيقيّ، على الرغم من الشروط المخففة التي نعيش في ظلّها. والمنفى نفسه تحوّل إلى خامة، أو آلة حادة شطرتني نصفين. فأنا لم أكن مرتاحاً ومطمئناً في وطني ولا في غربتي ومنفاي، ليقول في حوار آخر مع "السفير" البيروتية في العام 2009: أجمل الأشياء هي التي لا تكلف شيئاً كالحب والصدق والجمال.