محاولات إماراتية لإخراج العلاقات المصرية-السعودية من أزمتها "الصامتة"

الجمعة 02 ديسمبر 2016 04:02 م / بتوقيت القدس +2GMT
محاولات إماراتية لإخراج العلاقات المصرية-السعودية من أزمتها "الصامتة"



ابو ظبي \ وكالات \

تواترت الأنباء والمعلومات على مدى الساعات الماضية حول قمة مصرية-سعودية-إماراتية ستعقد في أبو ظبي على هامش احتفال دولة الإمارات بالعيد الوطني الخامس والأربعين.

وستجمع هذه القمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك السعودي سلمان بن عبد العزيز والشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الذي يرعاها.

وما يعزز من احتمالات عقد القمة، وصول الرئيس المصري إلى أبو ظبي الخميس 01/12/2016 للمشاركة في العيد الوطني، وهو ما لم يحدث في العام الماضي، فيما بات من المؤكد وصول الملك سلمان إلى العاصمة الإماراتية، عصر الجمعة 02/12/2016، وذلك في تطور يعد الأبرز في علاقات القاهرة والرياض، والتي تأزمت منذ تصويت مصر لمصلحة المشروع الروسي بشأن سوريا في مجلس الأمن في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 القمة المرتقبة في غضون الساعات المقبلة تتوج سلسلة من جهود الوساطة، التي بذلت في الفترة الماضية للخروج من الأزمة "الصامتة" في علاقات البلدين، بحسب تعبير أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية، والذي أوضح، خلال محاضرة له في الجمعية المصرية للقانون الدولي مساء السبت الماضي 27/11/2016 بالقاهرة، أن الأزمة بين البلدين ظلت "صامتة" وكتابية، من دون أن تبرز إلى العلن، وهو ما رآه أبو الغيط سبباً مرجحاً لاحتمال تجاوز تداعياتها على مسار علاقات البلدين.

 أبو الغيط كان بدوره قد تلامس مع مجهودات كويتية وإماراتية راحت تدفع بشدة نحو السعي لاحتواء الأزمة بين القاهرة والرياض، وقام بصحبة السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان بزيارة إلى المملكة قبل بضعة أسابيع، التقى خلالها الملك السعودي، باحثا محاولات رأب الصدع في علاقات البلدين وإعادة الدفء إليها، وهو ما عبر عنه وقتها محمود عفيفي المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للجامعة العربية، والذي أكد أن مباحثات أبو الغيط مع الملك سلمان، تناولت الوضع العربي العام، ودور الجامعة العربية في لم الشمل العربي، والتحديات التي تواجهها الدول العربية في المرحلة الحالية.

 غير أن الدور الأبرز في مجهودات الوساطة تمثل فيما قام به الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، والذي قام بزيارة إلى القاهرة في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، التقى خلالها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وأكد خلالها أهمية مواصلة العمل على توحيد الصف العربي وتضامنه، والتيقظ من محاولات شق الصف بين الدول العربية الشقيقة، سعياً لزعزعة الاستقرار.

 وبعد زيارته إلى القاهرة، والتي حصل خلالها على تعهدات مصرية من الرئيس عبد الفتاح السيسي، بلقاء الملك السعودي في أبو ظبي، وقبول دعوة المشاركة في العيد الوطني الخامس والأربعين لدولة الإمارات - بحسب مصادر مصرية -، توجه الشيخ محمد بن زايد إلى العاصمة السعودية الرياض لمقابلة المسؤولين السعوديين، حيث أوضحت مصادر واسعة الاطلاع آنذاك أن الإمارات ساهمت في تقريب وجهات النظر المصرية-السعودية.

 وتطوي القمة المصرية-السعودية، في حال انعقادها خلال الساعات المقبلة، صفحة من الخلاف بين البلدين، ظهرت بعد التصويت المصري على القرار الروسي في مجلس الأمن، حيث انتقد السفير السعودي لدى الأمم المتحدة السلوك المصري انتقاداً علنياً، فيما أعربت الحكومة السعودية عن استيائها باستدعاء السفير السعودي في القاهرة أحمد قطان، بعد يومين فقط من التصويت المصري على القرار الروسي، وذلك قبل أن يعود إلى عمله بالقاهرة بعد أيام معدودة، وهو الذي حاول بدوره تلطيف الأجواء في علاقات البلدين، نافياً أن يكون الاستدعاء قد تم على خلفية الأزمة بين القاهرة والرياض.

 منذ ذلك الحين، أخذت الأزمة في التصاعد، خاصة بعد إعلان شركة أرامكو السعودية عن وقف إرسال شحنات وقود، كان من المفترض توريدها لمصر، في إطار حزم المساعدات التي تقدمها الرياض إلى القاهرة. كما تم تأخير إرسال وديعة مالية، ضمن برنامج لتوفير حزمة جديدة من المساعدات الاقتصادية السعودية لمصر، كان قد أعلن عنه خلال توقيع الطرفين اتفاقا حول نقل السيادة على جزيرتي تيران وصنافير من مصر إلى السعودية، وهو الاتفاق الذي تم توقيعه خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز الرسمية إلى مصر في أبريل/نيسان الماضي.

 وكانت الأزمة الجديدة في علاقات البلدين، "أزمة كاشفة" للتباين الواسع في العلاقات، والمواقف المختلفة بينهما، وهي خلافات ارتكزت على عنصرين مهمين:

أولهما: الصراع الذي بدا واضحا حول أدوار كل منهما في المنطقة، وكذلك طموحات كل من القاهرة والرياض للقيادة الإقليمية للمنطقة.

وثانيهما: الخلاف بين البلدين حول قراءة كل منهما لطبيعة التهديدات التي تواجه كل منهما، وكذلك مواقفهما من جملة القضايا الإقليمية والدولية.

 لقد تصاعدت الأزمة بين البلدين من جراء التلاسن الذي تحول إلى سيل جارف من البذاءات على مواقع التواصل الاجتماعي، وراح بعضٌ يستغل الأزمة لإحداث وقيعة، لم تقتصر على علاقات القاهرة والرياض فحسب، بل امتدت إلى العلاقة المصرية-الخليجية.

 وكان واضحا أن الأزمة الصامتة بين البلدين تعلن عن نفسها، بين حين وآخر عبر إعلام الدولتين، والذي عكس الخلافات حول أهم الأزمات والقضايا في المنطقة، وذلك بالرغم من محاولات الدولتين، على الدوام نفي وجود خلافات بينهما.

 لقد تعددت الأزمات التي أدت لتعميق الهوة بين البلدين، حيث حلت الأزمة السورية وتداعياتها في صدارة الأسباب التي خيمت بخلافاتها الجوهرية على سماء العلاقات السعودية-المصرية، وشكلت تلك الأزمة، والتدخل العسكري الروسي محور التباينات في علاقات البلدين، حيث تعارض السعودية السياسات الروسية في سوريا، وتتوجس من تطور العلاقات الروسية-الإيرانية، في ظل دعم الدولتين لحكومة بشار الأسد والدولة السورية، فيما تتقارب الدبلوماسية المصرية، ومنذ ثورة الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 مع الموقف الروسي في تركيز رؤيتها على موضوع مواجهة الإرهاب، والحفاظ على وحدة الدولة السورية.

 وفي حين ركزت الرؤية السعودية على ضرورة رحيل بشار الأسد، تجاهلت القاهرة الخوض في موضوع مصير الأسد، بل رأت مصر أن الحفاظ على النظام السياسي في الدولة السورية، ينسجم مع ضرورات الحفاظ على الأمن القومي العربي، وفي هذا استقبلت القاهرة وفوداً سورية معلنة، وأخرى غير معلنة، كان آخرها زيارة اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري إلى القاهرة.

 وفي ملف اليمن، كانت القاهرة قد أيدت الحملة العسكرية السعودية في مواجهة الحوثيين وأنصار الرئيس السابق علي عبد الله صالح لدى انطلاق الحملة في بدايات العام الماضي، لكن الخطوات الفعلية، التي اتخذتها المؤسسة العسكرية المصرية، كانت أقل مما توقعته السعودية، وكانت المشاركة المصرية محدودة للغاية، ودفعت بأطراف سعودية لتحميل مصر سبب طول أمد الحرب في اليمن، وعدم تحقيق الأهداف التي أعلنت عشية إطلاق عملية "عاصفة الحزم".

 وفي الملف الإيراني، كانت الرياض تراهن على دور أساسي لحكومة الرئيس السيسي في استراتيجيتها الاقليمية لمواجهة إيران، بخاصة بعد تنامي الدور الايراني في دعم الحوثيين في اليمن، حيث باتت السعودية تتعامل بحساسية مع أي خلاف مع مواقفها في قضية تمس أمنها مباشرة، إذ توقعت السعودية دورا مصريا مؤثراً لمحاصرة النفوذ الإيراني، والذي شكل ملمحا رئيسيا لاستراتيجية المملكة الأمنية والدفاعية؛ لكنها رأت أن لمصر مشتركات كثيرة مع الدورين الايراني والروسي في الصراعات الدائرة في المنطقة.

 هذا التباين بدا واضحا أيضا في الموقف مما تشهده ليبيا من تطورات، حيث تسعى مصر لتعزيز دورها لاستعادة الاستقرار على حدودها الغربية في ليبيا، فيما تميل السعودية لاتخاذ مواقف بعيدة عن التدخلات المصرية والدعم الواسع الذي تقدمه القاهرة إلى قوات خليفة حفتر.

 بيد أن التباين في المواقف بين القاهرة والرياض، لم يحل دون إدراك كلا الطرفين حاجة كل منهما إلى الآخر، ولعل هذا الإدراك هو الذي منح الفرص للوساطات المختلفة على صعيد عودة العلاقات بين البلدين إلى مسارها الطبيعي.