باتت الاستثمارات السعودية في مصر في مهب الريح بعد أن قامت الحكومة المصرية بتحرير عملتها الجنيه، بهدف القضاء على السوق السوداء، وإعطاء حرية أكبر في تحديد أسعار الشراء والبيع، لحين توافق السوق على سعر حقيقي للعملة، إلا أن تلك الخطوات الاقتصادية أسهمت سلباً على الاستثمارات السعودية، حيث لجأ العديد منهم إلى تجميد نشاطه، ولو بصفة مؤقتة.
ناصر الطيار عضو مجلس السعودي-المصري للأعمال أشار إلى أن آثار تعويم سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية انعكس على جميع المستثمرين السعوديين، مشيراً إلى أنه قد تم اتخاذ قرار إيقاف بيع الوحدات السكنية للمستثمرين السعوديين حتى تستقر الأسعار.
وأضاف الطيار في حديثه لـ"هافينغتون بوست عربي" توجد "لدي استثمارات في قطاع الطيران في السوق المصرية، وها أنا أواجه ذات المشكلة، حيث تتم عملية البيع بالجنيه، بينما يتم دفع التكاليف التشغيلية بالدولار، وذلك في الوقت الذي أجريت فيه مفاوضات مع الجانب المصري لتنظيم آلية الدفع بالجنية المصري، وبالفعل سمحوا لنا بدفع البترول بالجنيه لمدة 6 شهور كوقود للطيران، الذي يعتبر أكثر المواد التشغيلية لنشاطنا، إلا أن المفاوضات ما زالت مستمرة للحصول على خدمات الأخرى".
إلا أن الطيار عبّر عن مخاوفه من أن يصل سعر الدولار إلى 30 جنيهاً، معتبراً أن حدوث ذلك سيؤثر على الاستثمارات السعودية التي تقوم بالدولار وليس الجنيه.
وبحسب الأرقام الاقتصادية فإن حجم الاستثمارات السعودية تقدر بنحو 200 مليار ريال سعودي، وفقاً لما أعلن عنه مسؤولو كلا البلدين على إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها العاهل السعودي، الملك سلمان لمصر في شهر أبريل/نيسان من العام الجاري، حيث تم حينها توقيع العديد من الاتفاقيات التي تعزز حجم الاستثمارات السعودية في مصر.
يعاني المستثمرون السعوديون في المجال الصناعي الأمرين، بسبب ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه، فبات من الصعب شراء المواد الخام لتشغيل المصانع التي يملتكونها في مصر، إضافة إلى تدهور القوة الشرائية لدى العديد من المستهلكين، وصغار التجار في السوق المصرية، ذلك التطور دفع العديد من المستثمرين السعوديين إلى إغلاق مصانعهم مؤقتاً.
وكان البنك المركزي المصري قد قرر مطلع هذا الشهر، نوفمبر/تشرين الأول، تحرير سعر الجنيه أمام العملات الأجنبية، على أن يتم شراء الدولار الأميركي من العملاء في البنوك بسعر استرشادي 13.1 جنيهاً وبيعه بسعر 13.50 مع منح البنوك حرية ومرونة التعامل في حدود 10% خفضاً أو زيادة عن السعر المحدد من البنك المركزي، وذلك بعد أن تخطى الدولار حاجز الـ 18 جنيهاً في السوق السوداء.
هروب أم بقاء المستثمرين السعوديين؟
"الهروب بصمت" بتلك الإجابة المختصرة يصف الدكتور فاروق الخطيب لـ"هافينغتون بوست عربي" طريقة هروب المستثمرين السعوديين من مصر، حيث أكد أن التذمر العلني، في وسائل الإعلام، للمستثمرين السعوديين في مصر، قد يسهم بتعكير صفو العلاقات بين السعودية ومصر، ولذلك يلجأ العديد من المستثمرين السعوديين إلى تجميد أنشطتهم التجارية في السوق المصرية دون الإعلان عن ذلك.
وبحسب الفاروق فإن على المستثمرين السعوديين عدم مجاملة الحكومة المصرية بالتهاون في المسائل المتعلقة حول التسهيلات الخاصة والتي يفترض أن تمنحها الحكومة المصرية لهم، مشيراً في ذات الوقت أن العديد من المستثمرين السعوديين لايستطيعون تحويل أموالهم بالدولار إلى خارج مصر، وبالتالي فلا فائدة من الاستثمار في مصر.
عمر حبيب سعودي الجنسية يمتلك شققاً سكنية للتأجير لدى بعض السياح العرب في مدينة السادس من أكتوبر، هو الآخر يسعى إلى الاستفادة المربحة من تأجير تلك الوحدات السكنية، ولكن عبثاً، حيث مازال يتلقى الضربات الموجعة جراء تراجع قيمة العملة المحلية وانخفاض أعداد السياح، فقد اضطر مؤخراً إلى تخفيض قيمة الإيجار، لتأجير تلك الشقق بين المواطنين المصريين كخيار آخر في ظل انخفاض أعداد السياح.
يقول حبيب، الذي يعمل مستثمراً في العقار بالسعودية، لـ"هافينغتون بوست عربي": "أعتقد أن الأرباح المتأتية من تلك الشقق، باتت في الحدود الدنيا، فتراجع قيمة العملة المحلية أمام الدولار، كان له الأثر السلبي عند شرائي للدولار، الذي يصعد بشكل مستمر منذ أشهر، وباتت مشكلتي في كيفية شراء الدولار، إضافة إلى قلة أعداد السياح، وهي العقدة المزمنة التي أصابت مصر في مقتل".
خسارة تقدّر بـ70 مليون ريال
الدكتور فاروق الخطيب أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز بجدة أوضح أن المستثمرين السعوديين في المجال الصناعي تعرضوا إلى ضربة اقتصادية من العيار الثقيل، على إثر قرار تحرير صرف العملة المحلية، وهو الأمر الذي ضاعف حجم التحديات التي تعتري أعمالهم التجارية في مصر.
وأضاف الخطيب، الذي يعمل مستشاراً لبعض المستثمرين السعوديين، لـ"هافينغتون بوست عربي" أن "أحد المستثمرين السعوديين، ممن لديهم مصنعاً للألمنيوم، خسر مايقارب سبعين مليون ريال، جراء المصاعب الاقتصادية التي تتعرض لها البلاد، حيث بات من العسير شراء المواد الخام لتشغيل تلك المصانع، إضافة إلى انهيار القوة الشرائية في السوق المصري"