قال السير جون جينكينز، سفير بريطانيا السابق لدى عدد من الدول العربية، الاحتجاجات التي شهدتها بعض الولايات الأمريكية عقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا ، بمثابة حلقة جديدة في سلسلة الاحتجاجات الشعبية التي بدأت من تونس أواخر عام 2010.
ورصد جينكينز – في مقال نشرته مجلة (نيوستيتسمان)- ذهولا أصاب ساسة أمريكيين كانوا يستبعدون حدوث أية احتجاجات شعبوية في بلادهم في ظل ليبراليتهم الدولية؛ هؤلاء هم أنفسهم مَن أساؤوا من قبل قراءة احتجاجات الشعوب العربية في 2011.
ورجح جينكينز أن هذا الذهول قد أصاب فيمن أصاب أيضا القادة والشعوب في الشرق الأوسط، حتى وإن كانت صدمة هؤلاء أقل بكثير من صدمة المراقبين في الولايات المتحدة وأوروبا.
وأكد الكاتب أن منطقة الشرق الأوسط تتسم بالضبابية في الأعمال والسياسة، والعصبية للهوية، والغموض بشأن تحديد أين ينتهي الخير العام وأين تبدأ الاستفادة الشخصية؟ الأهم من ذلك أن العلاقات بين الدول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي تبادلية؛ وأهم التدفقات التجارية هي في السلع؛ والنزاعات داخل وبين الدول هي صراعات مزمنة.
ونبه جينكينز إلى أن " خطاب دونالد ترامب الذي يشبه حديث تُجّار السلع يجعله محل ترحيب لدى معظم القادة في منطقة الشرق الأوسط أكثر من باراك أوباما الذي حاول الظهور بمظهر المثالي، وقد عادت عليه بلاغته الخطابية بالسلب، لا سيما بعد خطابه في القاهرة عام 2009 والذي شكل وهمًا قاسيا ظنه البعض إعلانا عن نظام أخلاقي جديد غير أنه لم يكن مشفوعا بسياسات عملية – فكان ما حدث هو على العكس: اضطراب وانهيار لأنظمة بالمنطقة" .
ورأى صاحب المقال أن اتفاق إيران النووي قد لا يثبت أهميته كإنجاز على نحو ما يزعم مؤيدوه؛ ولقد ساهمت محاولة ترويج الاتفاق في دول الخليج عبر مزيج من اللوم والتحذير – ساهمت في نفور تلك الدول من (إدارة) الولايات المتحدة.
وقال جينكينز ، إن المعيار الذي سيحكم به قادة دول منطقة الشرق الأوسط على الإدارة الأمريكية الجديدة هو معيار مغاير تماما لذلك الذي سيستخدمه الأمريكيون الليبراليون والمثاليون وكذلك الأوروبيين في الحكم على نفس الإدارة؛ إن قادة الشرق الأوسط لا يعبأون كثيرا بالتجارة الحرة، إنهم يفضلون الاتفاقيات الثنائية الجانب على عكس الاتفاقيات متعددة الأطراف التي تصيبهم بالصداع، وهو ما يفسر مثلا تفضيل الإيرانيين للتعاطي المباشر مع الولايات المتحدة بشأن برنامجهم النووي.
ورأى صاحب المقال أن كافة دول منطقة الشرق الأوسط ترغب (من الإدارة الأمريكية الجديدة) في أن يتم تناول مشكلاتها بشكل أكثر جدية من غيرها، ولتحقيق تلك الرغبة يتعين تكوين آراء بشأن النزاعات القائمة بين تلك الدول – وأحيانا اتخاذ مواقف مع أو ضد... وقد يعني ذلك اتخاذ موقف أكثر وضوحا مع إسرائيل عما كانت عليه إدارة أوباما.
ولفت جينكينز في هذا الصدد إلى إعلان ترامب إبان حملته الانتخابية عن استعداده الميل لصالح إسرائيل أكثر مما كان عليه أوباما، ليس فقط على صعيد قضايا تتعلق بالمستوطنات ووضع القدس وإنما على صعيد حلول أمنية صعبة في تحدٍ للقومية الفلسطينية وللتهديد القادم من إيران وتوابعها.
ونوه الكاتب عن إظهار ترامب نزعة واضحة إبان حملته الانتخابية صوب الانعزالية عن الانخراط في النزاعات الدولية بما في ذلك العراق حيث تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية فعالة في الوقت الراهن تضمنت التزامات سياسية وعسكرية هامة؛ وكذلك سوريا وغيرها حيث لا تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية مماثلة... ورأى الكاتب في هذا الصدد أن الاختبار الحقيقي في العراق سيتمثل في استئناف استراتيجية سياسية فعالة بعد استرداد الموصل وهو ما سيحدث في عهد ترامب وليس أوباما.
وخلص جينكينز إلى أن مكمن الصعوبة في الأمر يتمثل في القدرة على إدارة التعقيد السياسي، وهو أمر لا يشتهر به الرئيس المنتخب ولم يتجلى باعتباره سمة مميزة لـترامب خلال مناظراته التي تخللت الحملة الانتخابية، وربما ينعكس إدراكه لمدى خطورة الوضع في اختياراته لوزير الخارجية ومستشار الأمن القومي ومدير الاستخبارات المركزية ووزراء الطاقة والخزانة.
وفي هذا الصدد أكد جينكينز على أهمية الدور المحوري الذي يلعبه رئيس الولايات المتحدة في سبيل دعم النظام الدولي الحُر الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية ومهد السبيل إلى الهيمنة الأمريكية وعززها... وإذا ما انهار هذا النظام، فلن يكون ذلك بسبب تصويت الناخب الأمريكي لصالح دونالد ترامب، وإنما بسبب التغييرات الديموغرافية والاقتصادية والاجتماعية حول العالم.
وعاد الكاتب أدراجه متحدثا عن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ثمة حشود من القوى المتغيرة الولاءات تتنافس جميعها على السيادة... ورصد جينكينز انعدام التفاهم المشترك والهدف الجماعي عند الغرب على مدى عشر سنوات على الأقل، مؤكدا أن تدخلًا سياسيًا أمريكيا ذكيًا ومصمما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هو ضروري لاستعادة التفاهم المشترك والهدف الجماعي كليهما، وبدون ذلك لن يقوم نظام جديد ومستقر تصنعه دول الإقليم – لن نجد غير مزيد من الاضطراب.