أبوظبي – د. جمال المجايدة : اكد الخبراء المشاركين في "ملتقى أبوظبي الاستراتيجي الثالث 2016" الذي نظمه مركز الإمارات للسياسات بالتعاون مع وزارة الخارجية والتعاون الدولي و"مجلس الأطلسي" خطورة المرحلة المقبلة على امن واستقرار دول منطقة الشرق الاوسط في ظل توسع الامبراطورية الايرانية في دول المنطقة وخطورة انتشار المليشيات الطائفية المدعومة من ايران .
واجمع العديد من صناع القرار السياسي والدبلوماسي والاقتصادي في هذا الملتقى الذي استمر يومين في قصر الإمارات بالعاصمة أبوظبي. ان الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب سوف يعيد المنطقة الى مرحلة اكثر خطورة ايضا نظرا لسياساته القريبة من روسيا .
وقالت الدكتورة ابتسام الكتبي رئيسة مركز الإمارات للسياسات في البيان الختامي للملتقى.. إن الملتقى سعى إلى مقاربة تحولات النظام الدولي والتطورات الجيوسياسية الإقليمية وقضايا منطقة الشرق الأوسط ومنها منطقة الخليج فضلاً عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية بعد انتخاب دونالد ترامب.. ونحن راضون جدا عن سقف النقاشات ومستواها الأكاديمي الرفيع وتوجهها نحو إنتاج توصيات عملية قابلة للتطبيق وللتحول إلى سياسات وخطط عمل.
وأوصى الملتقى دول الخليج بفتح حوار مباشر مع الإدارة الأمريكية الجديدة لاستكشاف أولويات سياستها الخارجية تجاه المنطقة والتحاور معها بشأن أولويات دول المنطقة وهواجسها.. وفي نفس الوقت يتعين على دول الخليج التركيز على عوامل القوة الكامنة الخاصة فيها ومحاولة تعزيز هذه العوامل .
وعن العلاقة مع إيران اعتبر المشاركون أن دول الخليج ترفض محاولات ايران الهيمنة على المنطقة. ولا تمانع هذه الدول الحوار مع إيران لكنها تريد أن تتحقق من أن هذا الحوار سيكون بنّاءً وحقيقياً وأنه سيرتكز على أسس احترام سيادة الدول وحدودها ويلتزم المبادئ والقوانين الدولية.
وركز الملتقى على التحدي الاقتصادي كأحد أهم التحديات التي تواجه منطقة الخليج.. حيث بات هذا التحدي يفرض التأقلم مع "ركود اقتصادي طويل المدى" نتيجة لاستمرار انخفاض أسعار النفط مع ما له من تكلفة سياسية واجتماعية ما يفرض تبني إصلاحات اقتصادية مثل تعديل آليات سوق العمل وربط الأجور بالكفاءة ومساهمة المواطنين في المالية العامة للدولة وتعزيز القطاع الخاص.
وتضمن الملتقى سبع جلسات وبمشاركةِ نحو 300 من صانعي السياسات والسياسيين والخبراء والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم .. وسعى إلى مقاربة تحولات النظام الدولي والتطورات الجيوسياسية الإقليمية وقضايا منطقة الشرق الأوسط ومنها منطقة الخليج فضلاً عن مستقبل السياسة الخارجية الأمريكية.
واشارت الكتبي الى أهم الاستنتاجات من مداخلات المشاركين في جلسات هذا الملتقى التي بلغت 30 مداخلة تقريباً والمناقشات في الجلسة الأولى التي خُصِّصت لتناول الخليج في ظل نظام دولي وإقليمي متغير تم تناول المشهد في منطقة الخليج العربي ضمن السياق الأكبر للنظام الدولي المُتغيّر والانهيار الذي تشهده بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط.
كما دعا المشاركون دول الخليج الى تبني إصلاحات اقتصادية مثل تعديل آليات سوق العمل وربط الأجور بالكفاءة ومساهمة المواطنين في المالية العامة للدولة وتعزيز القطاع الخاص مع اهمية الاهتمام بالشباب
السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الإدارة الجديدة
وشهد الملتقى جلسة مخصصة للسياسة الخارجية الأمريكية في عهد الإدارة الجديدة، حاولت رصد التحولات الممكنة في هذه السياسة وأي تغييرات قد تطرأ على العلاقات الأمريكية مع الشرق الأوسط وبعض القوى الإقليمية والدولية كروسيا والصين وإيران.
افتتح الجلسة.. جون هانتسمان رئيس مجلس إدارة “مجلس الأطلسي” والحاكم الأسبق لولاية يوتاه الأمريكية، الذي أشار إلى أن الانتخابات تشكل “نظام تعديل داخلي” في الولايات المتحدة لكنها “تنتج في بعض الأحيان نتائج غير متوقعة مثلما حدث مع انتخاب دونالد ترامب”.
واعتبر هانتسمان أن هذه النتيجة تعبير عن سقوط ما سماه “السور الأزرق العظيم” في إشارة إلى ولايات أمريكا الصناعية التي لطالما صوتت للديموقراطيين.
ولاحظ أن “الحملة الانتخابية شهدت تداخلا واضحا بين قضايا السياسة الخارجية والقضايا الداخلية المحلية، متوقعا أن يترجم ذلك إلى التركيز على 3 قضايا رئيسة في السياسية الخارجية لواشنطن وهي “الشرق الأوسط والهجرة والتجارة الخارجية”.
واعتبر هانتسمان أن “شعار ترامب بإعادة مجد أمريكا ستدفعه لا محالة للتواجد على الساحة الدولية، لكنه يتبنى فكرة أن أمريكا لن تكون مؤثرة عالميا دون أن تصلح أوضاعها في الداخل من خلال رفع نسبة النمو.
وقال: لذلك علينا أن نراقب عن كثب ال100 يوم الأولى من حكم ترامب والتي ستشهد- برأيهه- تشكيلا سريعا لقوام الكونغرس وتبنيا سلسا للموازنة قبل الانخراط في حركة تشريعية قوية لإنتاج خمسة أو ستة قوانين مهمة.
من جانبه.. أعرب جيمس جونز رئيس مجلس إدارة مركز “برنت سكوكروفت للأمن الدولي” في “مجلس الأطلسي” والمستشار الأسبق لشؤون الأمن القومي الأمريكي عن أسفه لـ”تراجع أمريكا عن انخراطها في المنقطة في عهد الرئيس أوباما، كما حصل في العراق وسوريا وليبيا.
وأضاف: “لو كنت مستشارا للرئيس لدعوته لتجديد الالتزام بقضايا وأمن هذه المنطقة، لأنها الأهم في العالم من الناحية الأمنية، وعلى الولايات المتحدة أن تؤكد انخراطها فيها بل وأن تبرهن عليه من خلال تحركات عملية”.
وأضاف أن المقاربة الأمنية يجب أن تقترن ب”خطة اقتصادية تعطي لسكان المنطقة أملا في المستقبل”، متوقعا أن تكون إدارة ترامب محافظة بشكل كبير وستضع أجندة تعطي الأولوية لمحاربة تنظيم داعش والهجرة وأمن المعلومات والأمن الطاقي.
وأكد الدكتور أندرو باراسيليتي مدير مركز الأمن والمخاطر العالمية في مؤسسة راند بالولايات المتحدة وجود “قدر من الدعم في الولايات المتحدة لفكرة العمل مع روسيا بشأن الوضع السوري”.. حيث يرى أصحاب هذا الرأي أن تعاون القوتين العظميين سيحقق 3 أهداف على الأقل وهي “إطلاق عملية سياسية تهيئ للوصول لاتفاق وإيصال المساعدة الإنسانية والتنسيق بشكل أفضل في الحرب ضد داعش”.
وقال إن أوجه شبه بين ترامب وأوباما هي عدم رضاهما عن نتائج التدخل في العراق وطريقة إدارة الحرب فيه، مضيفا: “ولذلك عند الحديث عن تجديد الانخراط في الشرق الأوسط قد يكون ترامب نسخة مركزة من أوباما وقد يتبنى عقيدته في استخدام القوة والقائمة على الحيطة والحد من الانخراط حول العالم”.
وكان الملف النووي الإيراني حاضرا في مناقشات الحاضرين الذين ذكروا بأنه لم يكن يحظى بشعبية في الولايات المتحدة، لكنهم رأوا مع ذلك صعوبة في إلغائه كما وعد بذلك ترامب ما لم تقدم إيران نفسها على خرق أحد بنوده.
كما تم التطرق للقضية الفلسطينية والفرص الضائعة لحلها في عهد أوباما والمخاطر التي يحتملها اتخاذ تغييرات في الوضع القائم بالنسبة للقدس.
وأجمع المشاركون في الجلسة أن “دولة الإمارات العربية المتحدة تمثل صوتا محترما ومسموعا في العالم وفي الولايات المتحدة” .
وسلطت الجلسة الثانية الضوء على “أمن الفضاء المعلوماتي في إطار بناء القوة والتأثير الجيوستراتيجي”، وأدارها الدكتور زيد عيادات أستاذ العلوم السياسية في جامعتي كونيتيكت وجورج توان ومستشار “مركز الإمارات للسياسات”.
وبدأ باري بافل نائب رئيس ومدير مركز “برنت سكوكروفت للأمن الدولي” التابع ل “مجلس الأطلسي” برسم صورة للتعقيدات التي تكتنف الفضاء المعلوماتي، حيث مليارات الأجهزة متصلة على شبكة الأنترنت بما في ذلك المنازل والسيارات والبنى التحتية مع ما يعنيه ذلك من مخاطر تمثلها القرصنة وغياب الخصوصية واحتمال التأثير على الاستقرار والاقتصاديات في الدول مشيرا إلى ارتفاع وتيرة استغلال أطراف من غير الدول للفضاء الرقمي.
وقال: “دخلنا مرحلة فريدة من تاريخ البشرية بعد أن انتقلنا من التحكم في التكنولوجيا وإخضاعها لإرادتنا ورغباتنا إلى مرحلة أصبحت فيها هذه الإرادة والرغبات تتشكل بفضل التكنولوجيا”.
وعن دور الفضاء المعلوماتي في صناعة القوة.. قال: من حيث المبدأ.. فإن هناك توازنا بين روسيا وأمريكا في القوة الرقمية، لكن بات من الضروري إشراك القطاع الخاص في أي استراتيجيات وسياسات رقمية إذا أردنا أن تميل الكفة لصالحنا”.
من جانبه.. لاحظ جوش كرمان رئيس مبادرة الفضاء المعلوماتي في “مجلس الأطلسي” وجود فجوة في التنسيق بين القطاع الخاص ودوائر صنع القرار وتطوير السياسات في المجال المعلوماتي، مضيفا: “بينما يبدو أن السياسيين مهتمين بتطوير قدرات معلوماتية هجومية ركز القطاع الخاص لحد الآن على تطوير خطط دفاعية لصد نشاطات القرصنة”.
وقال إنه “حان الوقت للعمل سوية لضمان صحة الفضاء المعلوماتي لأن ذلك يعني رفع قدراتنا على مواجهة المخاطر، وعمليا هذا يعطي الحكومات الفرصة لحماية مواطنيها ومؤسساتها وبنيتها التحتية وتجنب خسارة المليارات نتيجة التجسس الصناعي وسرقة الملكية الفكرية”.
وفي تقديره للتوازن القائم حاليا في مجال الأمن المعلوماتي في منطقة الخليج قال جوش: “إن هناك خصوما لديهم قدرات كبيرة بالمقارنة مع دول المنطقة وعلى دول الخليج أن تنتبه لأمنها المعلوماتي بتعزيز شراكتها مع حلفائها الاستراتيجيين كالولايات المتحدة”.
ولخص الدكتور زيد عيادات مناقشات الجلسة.. مشيرا الى أن هناك ارتباطا وثيقا بين تطوير القدرات الإلكترونية وزيادة القوة والتأثير الاستراتيجي في العالم، مؤكدا أن الثورة التنكنولوجية تحمل فرصا غير مسبوقة للبشرية للقيام بقفزات جبارة نحو المستقبل لكنها تحمل معها كذلك مخاطر حقيقية.. معتبرا أن كلمة السر في مواجهة هذا الوضع هو التعامل معه بالتخطيط المسبق ومن خلال رفع الجاهزية.
وخصصت الجلسة الأخيرة للملتقى والتي حملت عنوان “مكافحة الإرهاب: تقييم السياسات واستكششاف السيناريوهات” لتقييم استراتيجيات مكافحة الإرهاب والوقوف على السيناريوهات اللمكنة لتطور الحرب العالمية على هذه الظاهرة وقد طغى على النقاشات الحديث عن أسباب صعود داعش وسبل مواجهتها فضلا عن السياسات الأمريكية والغربية لمواجهة الإرهاب.
وافتتح النقاش شيرتوف مايكل شيرتوف وزير الأمن الداخلي الأمريكي السابق والمدير التنفيذي والمؤسس المشارك لمجموعة بالحديث عن نجاح الولايات المتحدة نسبيا في احتواء ظاهرة الإرهاب داخل أراضيها لأنها استطاعت الحد من خطورة الهجمات بشكل كبير واستبقت عشرات الاعتداءات، لكن لا زال هناك قصور في فهم دوافع الإرهابيين للالتحاق بالتنظيمات الإرهابية وتشخيص أسباب نجاح تلك التنظيمات في تجنيد مئات الشباب بمن فيهم أولئك القادمون من أمريكا وأوروبا.
وشدد الوزير السابق على مركزية القدرات الاستخباراتية في مواجهة الإرهاب، قائلا إنه من المهم هزم تنظيم داعش على الأرض ومنعه من السيطرة على أراض يستعملها كخلفية لإطلاق هجماته ونشر دعايته، لكن يجب أن نجد إجابة سريعة على الخطر الذي يمثله آلاف الإرهابيين بعد عودتهم إلى بلدانهم. علينا تطوير قدراتنا التحليلية لمعرفة كيف يفكر هؤلاء وكيف يتتواصلون ويتحركون.
وقال: لا يقل أهمية عن هذا الأمر فهم الجانب النفسي للإرهابيين وكيف تستغل تنظيمات مثل داعش الميولات الإجرامية لدى الكثيرين وتوظفها في أعمال إرهابية باسم الدين.
واعتبر الوزير الأمريكي أن أحد أوجه التعقيد التي تشكلها الظاهرة الإرهابية هو استعمالها المتزايد للتكنولوجيا الحديثة وللإنترنت وهو ما يضعنا أمام تحد حقيقي هو كيف نمنع استغلالها للتجنيد للإرهاب دون المس بحرية التعبير وتدفق المعلومات”.
واستهل الدكتور مصطفى العاني مدير قسم الدراسات الأمنية والدفاعية في “مركز الخليج للأبحاث” مداخلته بالقول إن “الدول العربية كانت أنجح نسبيا من نظيرتها الأوروبية في مكافحة الإرهاب، لكن هناك فشلا عالميا في محاربة الظاهرة بسبب عدم معالجة أسبابها”.
وقال: إن “الإرهاب ناتج عن البنية السياسية التي أفرزها الاحتلال والاضطهاد في المنطقة وسيستمر المقاتلون في الالتحاق بساحات الجهاد مادامت جذور المشكلة لم تعالج”.
وساق كنماذج على ذلك الاحتلال الروسي لأفغانستان والاحتلال الأمريكي للعراق وطغيان المقاربات الانتقائية في الحرب على الإرهاب وكذا التركيز على استعمال القوة كوسيلة وحيدة لمحاربة الإرهابيين، قائلا: “في معادلة التجنيد وقتل الإرهابيين ستكون الكفة دائما في صالح التجنيد ما لم تعالج جذور المشكلة والقوة لوحدها لن تنفع”.
ودافع كونراد داسن نائب رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الأردن عن سياسات أوروبا لمواجهة الإرهاب، قائلا: إنها تجرعت من كأسه قبل كثيرين في العالم من خلال عنف حركات اليمين واليسار المتطرفين ومن خلال الشظايا التي وصلتها من العشرية السوداء في الجزائر .
وقال داسن إن “المنطقة العربية تغلي وتعيش حالة غير مسبوقة من التوتر وعلينا أن ندعم دول المنطقة في هذه الفترة العصيبة كما علينا أن نشجع الحوار بين مجتمعاتنا لتبديد التنميط السائد”.. مضيفا إن “خطط محاربة الإرهاب في أوروبا تزاوج بين تقوية القدرات الأمنية والاستخبارية وجهود تجفيف منابع التمويل، لكننا كأوروبيين معنيون بتعزيز التعاون مع المنطقة العربية والعالم لإطلاق جهد ديبلوماسي حقيقي ينهي توترات المنطقة سواء تلك الناجمة عن الاحتلال الإسرائيلي أو عن الوضع في سوريا أو غيرها. نحن في حاجة إلى دول خليجية قوية وإلى قيادة عربية قوية” انتهى