بعد انتخاب دونالد ترامب ... مقاربة أولية ..حسين حجازي

السبت 12 نوفمبر 2016 09:08 ص / بتوقيت القدس +2GMT
بعد انتخاب دونالد ترامب ... مقاربة أولية ..حسين حجازي



 

  وسط هذا الفيض الهائل بل الطوفان الجارف الذي اجتاح العالم، الذي لا يزال تحت تأثير الصدمة والذهول من التحليلات والتعليقات والشروح لتأثير شخصية وسياسات هذا الرئيس الجديد للولايات المتحدة، والذي يثير الحيرة، فإن جزئية صغيرة ووحيدة في خضم كل هذا الجدل حول شخصية الرجل، هي ما تهمنا نحن الفلسطينيين في نهاية المطاف، وهذه الجزئية هي السؤال الغامض والكبير الذي يطرحه علينا قدوم هذا الرئيس إلى سدة الحكم في هذه الإمبراطورية. وهذا السؤال يمكن اختصار طرحه على طريقة ربات البيوت أو رجل الشارع، العادي على النحو التالي:   هل مقدار السوء أو الخطر هو بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين أكثر أم للإسرائيليين؟ أي هل هو مصيبة لنا أم لإسرائيل؟. والواقع هو أننا لا نملك الشيء الكثير من المفاتيح أو الإبانات الواضحة التي يمكن أن نستدل من خلالها على الصورة المحتملة لمواقف الرجل في المستقبل، سوى ما صدر أو رشح خلال حملته الانتخابية من مواقف وتحليل شخصية الرجل لنفسه والصفات المزاجية لطباع الرجل، التي بات العالم كله يتفق أو يجمع عليها، باعتباره شخصاً أنانياً وغامضاً عصبي المزاج، ومتقلباً، ومعتداً بنفسه إلى حد كبير، وانفعالياً وسليط اللسان ومتسرعاً في اتخاذ قراراته، ولا يتردد في المواجهة أو إثارة الخلافات، أي باختصار شخصية غير نمطية أو سهلة التعرف على ردود أفعالها مقارنة بالرؤساء الذين حكموا قبل ذلك أميركا، وهي صفات تحيلنا دائماً إلى المجهول والغموض وعدم القدرة على توقع ردود أفعاله، وانتظار المفاجئات في كل مرة.   وبهذا المعنى، فهو سيكون ربما غير مريح في التعامل للجميع، أي لنا وللإسرائيليين على حد سواء. ولكن هيا بناء على هذين المحددين أو العنصرين لمحاولة بناء مقاربة أولية، لما يمكن أن تكون عليه سياسة الرجل تجاه النزاع بيننا وبين إسرائيل، إزاء الإشكالية التي تحيط بشخصية هذا الرئيس الإشكالي ليس لنا وإنما للعالم وللأميركيين أنفسهم، الذين لم ينتظروا وخرجوا في سابقة نادرة تحدث لأول مرة في مظاهرات عاصفة لرفض سياسات وحتى شخصية الرجل، حتى وإن بدا في خطابه الأول بعد انتصاره، صباح يوم الأربعاء، في ميله الواضح إلى الاعتدال وتغليب نزعة تصالحية، كما في تصريحاته بعيد لقائه في البيت الأبيض مع أوباما، كما لو أنه شخص آخر يختلف فيها ترامب الثاني أي الرئيس الفعلي عن ترامب الأول المرشح الطامح أو المحارب للوصول إلى هذا المنصب.   ولقد توقفنا في حينه، أي في ذروة الحملة الانتخابية التمهيدية، والتي كانت لا تزال تدور بين الفرسان الثلاثة داخل كلا الحزبين أي ترامب وهيلاري كلينتون وساندرز، عن التحول المفاجئ في هذه الحملات الذي كان يظهر اهتماماً غير مسبوق بالمسألة الفلسطينية، وأشرنا في حينه إلى موقفين بديا لافتين صدرا عن كل من ترامب وساندرز، حين تحدث ترامب عن ضرورة الحياد من جانب أميركا، لكي تستطيع الإدارة الأميركية القيام بوساطة ناجحة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في التفاوض. وهو بعكس المقاربة أو الموقف الأميركي المنحاز لإسرائيل تقليدياً، وميز مواقف جميع الإدارات السابقة.   وكان هذا الموقف الجديد الذي يقال لأول مرة بمثابة قنبلة أفزعت نتنياهو وزمرته في إسرائيل، ولم يكن موقف ساندرز من الجهة المقابلة، أي على اليسار، يختلف عن موقف ترامب من أقصى اليمين، الأمر الذي دعا نتنياهو واللوبي اليهودي الأميركي إلى الوقوف بقوة لدعم السيدة كلينتون، التي تجاهلت كلياً التطرق إلى المطالب الفلسطينية، وركزت طوال الوقت على الموقف الأميركي التقليدي في دعم إسرائيل، كما صدرت عنها مواقف في وقت لاحق كان من شأنها أن تثير الفزع والرعب بالنسبة لنا نحن الفلسطينيين، من قبيل أقوالها عن تفضيل عملية سلام وهمية على لا شيء، أي إدامة الوهم لدى الفلسطينيين وإعطاء الوقت الكافي لإسرائيل لتغيير الواقع القائم بمزيد من المستوطنات، وإنه لا أهمية أن تقتل إسرائيل الآلاف من الفلسطينيين.   ولم يكن مصطلح الحياد الأميركي هو الإشارة الوحيدة التي أطلقها ترامب، ولكنه تحدث عن المساعدات المجانية الجمعية الخيرية الأميركية، التي تقدمها الإدارات السابقة تجاه الحلفاء ومنهم إسرائيل بالطبع، وقال: إنه لا مساعدات ولا سلاح سوف نقدمه مجاناً من دون دفع ثمنه عداً ونقداً، من قبل هؤلاء الحلفاء إن أصبح هو الرئيس. الأمر الذي دفع نتنياهو إلى الهرولة على عجل للتوصل إلى اتفاق مع أوباما على صفقة المساعدات الأميركية بشروط أوباما.   دعونا إذاً عند هذه اللحظة التي تبدو كأنها حرجة أو فارقة أو مفتوحة على المجهول، ألا نستبق الأحداث ونتريث قليلاً في إصدار أحكام قاطعة على ما يعتبر وكأنه انقلاب أو عهد جديد في الولايات المتحدة، وإن كان هذا الوضع بحد ذاته هو مذكر لنا وللعالم برمته على نحو سيء، ومكدر للنفس بحقيقة أننا ما زلنا تحت رحمة إمبراطورية تملك بتأثير قوتها الكاسحة ولكن الخفية، ورؤسائها سلطة الأباطرة، مثلما كانت روما تماماً، ولكن من دون أن تضطر لإرسال جيوشها لاحتلال كل هذا العالم، وأنه إزاء ذلك وفي ضوء عدم اليقين لا يبقى أمامنا سوى التأمل ببعض هذه الحقائق أو المتغيرات الجارية، لكي نهتدي بها وتساعدنا في التوصل إلى هذا الوعي والإدراك لوجهة السفر المقبلة.   وفيما يلي هذه الحقائق أو المتغيرات التي تشكل البيئة الإستراتيجية اليوم للنزاع:   أولاً: لم تكن السيدة كلينتون هي حصاننا في هذه الانتخابات، لقد كانت الحصان المراهن عليه من قبل نتنياهو وإسرائيل، ولكن مقابل ترامب فربما كنا نفضل أن تفوز هي على أمل وربما وَهِم، بأنها يمكن أن تكون استمراراً لباراك أوباما وزوجها ولا تعكر المسار السياسي الذي بدأه أوباما مع أوروبا وفرنسا، تحديداً في الدعوة إلى إنجاح المؤتمر الدولي للسلام. وبالتالي الضغط على إسرائيل لفرض حل الدولتين. لكن حتى هذا الاحتمال كان مشكوكاً به مع السيدة كلينتون.   ثانياً: إذا كان ما جرى في الولايات المتحدة وفق التحليل الماركسي هنا وهو التحليل الأصوب، إنما هو انقلاب أو صراع أو انفجار داخل النظام الرأسمالي نفسه في أقوى معاقله أو في رأسه على حد سواء، بالتمرد لتغيير المنظومة الفاسدة التي ينطوي عليها هذا النظام، كما وصفها ترامب طوال حملته الانتخابية، وأن هذا الصراع في حقيقته هو بين ممثلي القومية الشوفينية العنصرية وحتى العرقية في مواجهة العولمة الرأسمالية، فربما وجب أن نطرح السؤال على أنفسنا إن كان علينا ذرف الدموع هنا على هذا النظام السابق؟ الذي كنا أحد ضحاياه بانحيازه الأعمى والأبدي لإسرائيل؟ هل تلاحظون هنا أنهم لم يظهروا فرحاً عارماً في إسرائيل احتفاء بترامب على وقع هذا الانقلاب؟   ثالثاً: وهذه حقيقة أخرى يجب أن نأخذها بدلالتها المستقبلية، وهي أن هذا الرئيس الجديد لم يأت بفضل المال اليهودي ولا بفضل اللوبي اليهودي، كما ليس بفضل الحزب الجمهوري، المنظومة القديمة الفاسدة شريكة الحزب الديمقراطي في هذا الفساد، وهذا يعني أن الصفقة التي عقدها أوباما مع إسرائيل ربما يعيد النظر بها هذا الرجل، وهو ما ألمح إليه جو بايدن نائب أوباما.   رابعاً: دعونا نتفق في هذا التحليل على المعادلة التي رددها بعض المحللين لسياسة ترامب، من أن أقصر الطرق في التحالف والالتقاء كان دوماً بين أقصى اليمين وأقصى اليسار، أي بين ترامب هنا وساندرز اللذين يتفقان على تقويض وتحطيم النظام الأميركي القديم. وهل ندعو هنا أنفسنا للصلاة من أجل تحقيق ذلك؟  خامساً: وهل نرى إلى هذا المتغير الذي بدأ في عهد أوباما بانتقال ثقل الجهد السياسي الدولي في التأثير على المسألة الفلسطينية والإسرائيلية في الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي، وأن ورقة «الصولد» اليوم مع النزعة الانعزالية التي يدفع إليها ترامب، وبدأت إلى حد ما على حياء مع أوباما، إنما توجد اليوم في يد أوروبا، وهذا يعني أنه لا تهديد حقيقياً حتى مع مجيء ترامب، لمسار عقد المؤتمر الدولي في باريس الشهر القادم.