كتاب إسرائيلي يعود لمنابع «الربيع العربي» ويتنبأ بمستقبله

السبت 12 نوفمبر 2016 09:02 ص / بتوقيت القدس +2GMT
كتاب إسرائيلي يعود لمنابع «الربيع العربي» ويتنبأ بمستقبله



الناصرة \ القدس العربي\
 
من تأليف السفير لدى مصر ديفيد جوفرين
وديع عواودة

«رحلة في الربيع العربي: الجذور النظرية للهزة الشرق أوسطية في فكر الليبراليين العرب» ، كتاب إسرائيلي جديد مؤلفه سفير إسرائيل في مصر ديفيد جوفرين يعود فيه الى جذور« الربيع العربي» ويتنبأ بمستقبله.

الكتاب الذي ترجمه سعيد عياشي عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية «مدار» يرى بالثورات العربية قصة فشل وإخفاق الحضارة العربية الإسلامية في الخروج من حالة الجمود التي ألمت بها في عهد الحكم العثماني طوال خمسمئة عام. وفي بيان «مدار» حول الكتاب المترجم جاء أن المستشرق الإسرائيلي يزعم أنه إبان القرن العشرين – وحتى الآن – مفكرون عرب شتى بحثوا وجادلوا بلا توقف بشأن الحاجة إلى إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية ودينية بغية إيجاد إطار لحكم ديمقراطي وإخراج العرب من تخلفهم المتراكم لكن دون جدوى، إذ أن الشريعة الإسلامية والقبلية العربية تغلبتا في نهاية المطاف.
ويصف الكاتب الإسرائيلي «الربيع العربي» بـ «الخريف الإسلامي» أو بـ « الهزات»، ويقول إن نتائجها لم تحمل حتى الآن ضمانة إيجابية للمستقبل المنظور. ويتتبع جوفرين في كتابه، وهو عبارة عن إعادة صياغة لرسالة دكتوراة، مسيرة الليبراليين، ويتساءل هل ثمة دور أو مساهمة لتفكير هؤلاء الذين عملوا وما زالوا يعملون في الحيز الإسلامي، في بذر البذور التي أثمرت عن الهزة الحالية في العالم العربي، حتى وإن كانت لم تتكلل في هذه المرحلة بتحقيق النتائج المرجوة؟. ذلك هو السؤال الذي يسعى المؤلف للإجابة عنه الدبلوماسي والمستشرق الإسرائيلي.

الصدام بين الغرب والشرق

يرى جوفرين في احتلال مصر من قبل نابليون في عام 1798 أول لقاء مصيري بين الشرق والغرب، أو تصادم قوي بين ثقافة الغرب المسيحية والثقافة الإسلامية – العربية، الذي أدى في سياق عملية طويلة ومتواصلة، إلى بداية عملية «التمغرب» والتجدد للمنطقة بأسرها.
وبرأيه أدى قيام الدولتين القوميتين العربيتين في سوريا والعراق، بعد الحرب العالمية الأولى، برعاية القوتين العظميين المذكورتين (فرنسا وبريطانيا)، إلى تصعيد المجابهة بين القطبين (الشرق والغرب)، وذلك لأنه جرّ معه تسرب قيم الغرب إلى قلب الإسلام. وإزاء هذه السيرورات المصيرية الجسيمة، وبعدما أُلغي نظام الخلافة من جانب كمال أتاتورك في عام 1923، أنشئت حركة «الإخوان المسلمين» في مصر في عام 1928 وذلك بهدف إعادة المجد التليد، أي كبح تغلغل قيم الغرب في الحيز الإسلامي وتجديد نظام الخلافة على أساس الشريعة الدينية الإسلامية التي هي بمنزلة القانون الإلهي.
غير أنه كانت قد بدأت قبل ذلك، في نهاية القرن التاسع عشر، حركة نهضة فكرية – ثقافية كان روادها الرئيسيون مُلمين بالشريعة الإسلامية، وسعوا إلى العثور على إجابة ملائمة تستند إلى الدين الإسلامي ذاته، للتحدي الثقافي والتكنولوجي الذي وضعه الغرب.
وعلى سبيل المثال سعى جمال الدين الأفغاني إلى تعزيز الشريعة الإسلامية حتى تتمكن من استيعاب علوم وتكنولوجيا الغرب، التي رأى فيها الأفغاني عاملا مركزيا في تفوق دول الغرب علاوة على إشراك الجمهور بالتشريع.
ويرى الكاتب الإسرائيلي في المفكر محمد رضا «الأب الروحي» المولد للحركات الإسلامية المتطرفة الحديثة، التي أقيمت وتطورت على أساس نظرية حركة «الإخوان المسلمين.» ويتابع «صحيح أن ثمة آباء قدماء كثرا لما يسمى حاليا بالإسلام المتطرف أو الراديكالي، إضافة الى أساس ثيولوجي «ديني» راسخ ومتين، يسعى الغرب إلى تجاهله، وذلك ابتداء من حركة «الخوارج» التي أرست في القرن السابع الميلادي مصطلح «التكفير»، مرورا بـالإمام أحمد بن حنبل أب المذهب الأكثر تشددا واب التيار السلفي والوهابية والجهادية استنادا إلى تفسيره تقديس القدس من قبل الإسلام)، وانتهاء بسيد قطب، الثيولوجي المركزي لـ «الإخوان المسلمين» الذي كرس فكره لحل وإنهاء مشكلة إعلان «التكفير» للمجتمع العربي الآثم والضال، واستخدام الجهاد لأجل فرض وتطبيق الإسلام الحقيقي، وفقا لفهمه. غير أن نظرية رضا، الذي عاصر الشيخ حسن البنا، هي برأيه التي شكلت الركيزة الرئيسة لهذا الأخير لدى تأسيسه لحركة «الإخوان المسلمين».

الدين يسيطر على كل شيء

ويرى الكاتب أن ثمة أهمية لاستعراض تاريخ الإصلاحيين المسلمين الأوائل بغية فهم الإشكالية الكامنة في الصراع من أجل تحقيق الديمقراطية ودفع حقوق الفرد في الإسلام، بما في ذلك في الأجيال اللاحقة للإصلاحيين الليبراليين، وهم في جزء منهم من خريجي الجامعات الأوروبية والغرب. ومن أجل فهم نقاش الليبراليين العرب على مر السنوات وجدار الواقع الإسلامي الذي اصطدموا به، يخصص جوفرين مقدمة مسهبة جدا تبين مغزى المصطلحات والمفاهيم المتعلقة بأداء الديمقراطية في السياق الشرق أوسطي، والتوجهات الرئيسة لتفحص الدمقرطة في العالم العربي.
ويتوقف الكتاب عند مفاهيم الإسلام للدولة الحديثة ويقول إنها تظهر بوضوح المصاعب التي واجهها وما زال يواجهها الليبراليون العرب الذين يحاولون ويسعون إلى دفع حرية الفرد والديمقراطية قدما في الإسلام.
وتتطرق غالبية فصول الكتاب إلى الليبراليين العرب وسعيهم إلى بلورة نظرية قادرة على دفع الديمقراطية في العالم العربي قدما، معتبرا أنهم لم يتوصلوا بعد لصيغة توفيقية ملائمة.
ويتابع «من الواضح حاليا للجميع أن هناك حاجة لفصل الدين عن الدولة بغية تطبيق الديمقراطية على اختلاف قيمها، غير أن قلائل فقط هم من يقرون بذلك صراحة، ذلك لأن الأمر يشكل مسا بذات وكينونة الإسلام. إن مهمة الليبراليين العرب وجهودهم تشكل مثالا مأساويا مستمرا على مجهود ليس له سوى أمل ضئيل في الوصول إلى قمة الجبل».
ورغم ذلك يقول المستشرق الإسرائيلي في مقابل أحداث مؤسسة في أنحاء العالم أو الدول العربية، أخذت تظهر مجددا أفواجا من الليبراليين العرب. ويستذكر أنه في أعقاب تحرر الدول القومية العربية، مصر وسورية والعراق، من نير الاستعمار، ظهرت أيضا بوادر ديمقراطية. في تلك السنوات هبت أيضا رياح تغيير طفيفة، غير أن التقاليد العربية والإسلامية سرعان ما تغلبت، إذ نشأت وتطورت حركات قومية عربية متطرفة، وفي الوقت ذاته ظهرت في المقابل حركات إسلامية، كانت تلك الدول ذاتها ضحيتها الأولى». ويعتقد أن نكسة يونيو/ حزيران، وحروب الخليج، وانهيار الاتحاد السوفياتي، والعولمة ووسائل الإعلام الألكترونية. كل هذه الأحداث والتطورات تظهر العالم العربي كحيز متخلف، غير أنها تحفز وتلهم أيضا عددا كبيرا من المثقفين العرب لطرح اقتراحات وأفكار تساهم في دفع العصرنة.
ويتوقف جوفرين في كتابه مطولا أمام الليبراليين المصريين والسوريين والعراقيين الجدد المعاصرين ويقول إنهم لعبوا دورا في صحوة ويقظة الجماهير في دولهم وفهم أوضاعها والمطالبة بإجراء إصلاحات، وحثها على الخروج ضد أنظمة الحكم السائدة. مع ذلك يحذر جوفرين من مغبة تشويه الواقع ويؤكد على أن التغطية الإعلامية خلقت انطباعا خاطئا كما لو أن شباب «ميدان التحرير» (في القاهرة)، الذين يمتلكون وعيا سياسيا متقدما، يمثلون غالبية الجمهور المصري المثقف والمتنور، الذي ينتمي إلى جيل الفيسبوك والتويتر. فمعظم المصريين يقيمون في مدن الهامش في ظروف فقر وضائقة، ولعل ذلك هو ما يفسر فوز أحزاب «الإخوان المسلمين» في الانتخابات الأولى.
من جهة أخرى يقول إن حاجز خوف المواطنين من الحكم والسلطة قد كُسر، ولعل ذلك هو السمة الأبرز لما يسمى بـ «الربيع العربي»، الذي يمكن له أن يتيح فسحة معينة للتفاؤل تجاه المستقبل.
أوروبا في «دائرة الخطـر
ويصل الكاتب الى إن منظومة الشريعة الإسلامية المسيطرة، المكونة من القرآن والسُنة، لن تتغير في المستقبل المنظور، فضلا عن ذلك يبدو أن وجود الإسلام في أوروبا الغربية سيشهد مزيدا من التمدد والاتساع، الأمر الذي سيعزز من قوة ونفوذ المؤمنين به، الذين يتطلعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في وطنهم الجدي.