الأربعاء 26 أكتوبر 2016 12:20 م / بتوقيت القدس +2GMT
غزة / سما /
ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي/ معا انتشار الثعالب في قطاع غزة وخاصةً في الأعوام الأخيرة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2005، ما تسبب في فقدان بعض المواطنين للعديد من الطيور الداجنة والأرانب وبعض القطط، كما أنها أدت إلى تلف بعض المزروعات، وخاصةً في المنطقة الحدودية الزراعية الشرقية في المحافظات الجنوبية وشرق وادي غزة.
استشهد التقرير الذي أعدته الصحفية ابتسام المهدي على شهادات بعض المواطنين، حيث اضطر المواطن “تيسير المقاطعة” (50 عاما) على سبيل المثال إلى البحث عن السبب وراء فقدانه لأكثر من 20 دجاجة من حظيرته وكذلك أربعة أرانب، ومن خلال البحث المتواصل وتقصي آثار الأقدام لعدة أيام اكتشف وجود آثار حيوان جديد، ليصل إلى جحرٍ أسفل تله طينية صغيرة وليكتشف وكراً لأم مع صغارها السبعة من الثعالب.
بعد ذلك، تواصل المواطن مع مختصين من بينهم الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، الأخير الذي انطلق للمكان وسجل أول تواجد حقيقي لهذا الحيوان البري منذ عقود طويلة.
فيما يعتقد المواطن أحمد فرحات من منطقة شرق رفح، أن ظهور هذه الثعالب في منطقته يعود لفرار بعضها من حدائق الحيوان المنتشرة في قطاع غزة، ونجاحها في التعايش مع بيئة القطاع والتكاثر، خاصة مع انتشار فرائسها، مثل القوارض والجرذان، إضافة إلى أن الصيادين غير معنيين بصيدها، لأنها لا تؤكل.
بينما يجد المواطن خالد قديح من منطقة خزاعة شرق مدينة خان يونس أن تواجدها ناتج عن تراجع الجيش الإسرائيلي وخلو المنطقة من التهديدات السابقة، ما يتيح لها التسلل عن طريق السياج الفاصل من الأراضي الداخلية مشيراً إلى أنه وطاقم البحث لم يتمكنوا من إيجاد أي أوكار لها في المنطقة لكنهم شاهدوا الثعالب خلال فترة الليل وفي الصباح الباكر.
وفي زيارة لسلطة جودة البيئة لم يحصل “مركز معا” على أية معلومات حول هذه الظاهرة، رغم تلقي الأخيرين عدة شكاوي من المواطنين وهذا يعود لغياب قسم خاص متخصص بالأحياء البرية أو التنوع الحيوي.
الزراعة تتنصل
وكذلك الأمر مع وزارة الزراعة التي أشارت إلى أن الحياة البرية ليست من اهتمامها، حيث علّل الدكتور حسن عزام نائب مدير عام الخدمات البيطرية في وزارة الزراعة بأن هذا التخصص يتبع لسلطة جودة البيئة وليس لوزارته.
ولكن يجد عزام أن ظهور الثعالب أو اختفائها لا يتسبب في خلل بالتوازن البيئي، وذلك كون قطاع غزة ذي مساحة صغيرة، منوها إلى ضرورة وجود محمية طبيعية تجمع عدداً من الحيوانات البرية المتواجدة في قطاع غزة والتي تعد قليلة نسبياً ومهددة بالانقراض.
المساحة الصغيرة لقطاع غزة كانت أيضا سببا في عدم وجود هذه المحمية وفق عزام، فالتوسع العمراني وقلة الأراضي الفارغة وعدم توفر ميزانية لمثل هذا المشروع جعل من الصعب تطبيقه.
ويؤكد عزام في نفس الوقت أنه لم يتم تسجيل أي حالات من العقر والتي تسبب الإصابة بداء الكلب، لا في الحيوانات ولا لدي الإنسان، وهذا ما تهتم به وزارة الزراعة وتتابعه مع المواطنين فيما يخص ظهور الثعالب.
عنصر هام للتنوع الحيوي
فيما يرى الدكتور عبد الفتاح عبد ربه، أستاذ العلوم البيئية المشارك في قسم الأحياء بالجامعة الإسلامية بغزة أن الثعالب تمثل جزءًا هاما من عناصر التنوع الحيوي الذي تتمتع به فلسطين، بل وتحافظ الثعالب أيضا على التوازن البيئي بتغذيتها على الحشرات والكثير من الكائنات الضارة بالفلسطينيين، على الرغم مما تتسبب به من خسائر عند مهاجمتها للحيوانات المنزلية التي يمتلكها المزارعون، منوهًا أنها لا تشكل خطرًا على الإنسان، وإن كانت هناك مخاوف ضئيلة على الأطفال الصغار كالرضع، أو أطفال المدارس والخوف من مهاجمتهم.
تتبع الثعالب(Foxes)، نقلاً عن الموسوعة الالكترونية “الويكيبيديا”، طائفة الثدييات (Mammalia) ورتبة اللواحم الأرضية أو الضواري (Carnivora)، وهي تنتمي إلى العائلة الكلبية (Canidae) وجنس الثعلب الذي يضم العديد من الأنواع منها الثعلب الأحمر، والثعلب المصري، والثعلب الرملي وغيرها. الثعلب ذكر ويطلق عليه ثعلبان وأبومعاوية وكنية الثعلب أبوالحصين (الحصيني) وأبونجم وأبونوفل وأبوزهرة وأبوالوثاب وأبو الخبص والقعلب والحبتر والرواغ وسمسم والصيدناني والعسلق والهيطل. الأنثى ثعلبة ويطلق عليها أم عويل أو أم رقاش، والجمع ثعالب، ويطلق على الصغار ضغابيس أو جراء.
تعتبر الثعالب سريعة وماهرة في الصيد حيث يستطيع الثعلب الأحمر الإمساك بسهولة بأرنب مراوغ، كما يستطيع أن يتسلل خلسة باتجاه طائر ومن ثم مداهمته قافزا فوقه. كثيرا ما تُصطاد الثعالب من أجل فرائها الثمين، كما يجد الكثير من الصيادين متعة كبيرة في تعقب الثعلب وصيده ولا يقتلونه.
للثعلب سمع حاد وحاسة شم قوية، وهو يعتمد بشكل خاص على هاتين الحاستين من أجل تحديد الفريسة. وتشاهد الثعالب الأشياء المتحركة ولكن ربما لا تستطيع ملاحظة الأشياء الثابتة غير المتحركة.
وبين عبد ربه أن الثعلب الأحمر (Red Fox = Vulpes vulpes) يعتبر هو الأكثر انتشارا بين أنواع فصيلة الكلبيات (Canidae) على مستوى العالم وفي فلسطين أيضا، كما أنه هو الأكبر من جنسه مع أن حجمه يتباين جيدا في مناطق وجوده، ويبلغ وزنه 2-4 كيلوجراما وطول رأسه مع جسمه 52-66 سنتيمترا بينما يبلغ طول ذيله 29-45 سنتيمترا.
وأضاف: “كما يتضح من اسمه فلونه بني محمر من أعلى أما بطنه فلونه أبيض، ويمثل ذيله الكثيف والطويل توازنا للقفزات الكبيرة والحركات المعقدة التي تُميز هذا الحيوان، كما أن سيقانه القوية تزيد من سرعته لتبلغ 45 ميلا في الساعة تمكنه من صيد فرائسه وتجنب أعدائه”.
وأستطرد في الحديث :” كثيراً ما كان الثعلب يُشاهد في فلسطين حول القرى وفي الأراضي الزراعية والمستوطنات البشرّية وفي مناطق الأغوار وصحراء النقب، ومع أنه قد ينشط نهارا أحيانا إلا أن وقت الذروة لديه تكون في ساعات الليل (Nocturnal) خاصة في المناطق ذات التداخل البشري أو الأضواء الصناعية، وذلك ليتغذى على الأرانب والقوارض والسحالي والطيور والحشرات مثل الجراد والحفار والديدان والفواكه والأعشاب، لهذا فهو يعتبر من الحيوانات القارتة (Omnivore) أي متنوعة الغذاء الحيواني والنباتي”.
وذكر أنه كثيراً ما يسطو الثعلب على الحظائر والمزارع لسرقة الدجاج وصغار الحيوانات كما أنه نَبَّاش (Scavenger) قد يقتات على النفايات المنزلية والجيف، ومثله مثل ابن آوى فهو قد يشارك السبع فيما أدركه من الصيد مكتفياً بالقليل منه، وهنا يصدق المثل القائل “كن أسدا تأكل من ورائه الثعالب، لا ثعلبا يأكل من وراء الأسود”.
حياة الثعلب
وعن الفترة التي يعيشها الثعلب، أوضح عبد ربه أنه يعيش ما بين 10 – 12 سنة في الأسر “حدائق الحيوان” بينما يعيش فقط ٣ سنوات في الطبيعة، مشيرا إلى أنه شاع في الفترة الأخيرة صيد العشرات من الثعالب الحمر في المناطق الشرقية لقطاع غزة باستخدام أنواع متعددة من أدوات الصيد مثل مصائد الأرجل والملاطش، حيث غالبا ما تباع الحيوانات المصطادة إلى حدائق الحيوانات المنتشرة في محافظات القطاع، لذلك لاحظنا أن عدداً منهم فاقد الأقدام بسبب ذلك.
ومن متابعة عبد ربه فهناك عودة انتشار لهذا الحيوان في القطاع وتزايد عدده بفعل التكاثر الطبيعي، وهذا ما جعل الجامعة الإسلامية تعقدُ ورشةً متخصصة عن الثعالب وانتشارها في القطاع.
كما يجد المختص أن الثعالب قدمت من منطقة الأحراش الفاصلة بين القطاع والأراضي المحتلة، حيث تتسرب الثعالب عبر الخط الفاصل إلى القطاع، مشيرا إلى أن تواجد الثعالب في المناطق الشرقية يعود إلى أن تلك المناطق قليلة السكان، وبها عدد كبير من مزارع الدواجن، كما أن هناك أشجارًا ونباتات تين شوكي يمكن أن تختبئ الثعالب وسطها، وتحفر أوكارها بأمان، ويعتقد عبد ربه أن هناك ما يقارب من 100 إلى200 ثعلب في القطاع.
وطالب عبد ربه من الجهات المسؤولة الاهتمام بشكل مستدام بالنظم والموائل البيئية، التي تتضمن أنواعاً ذات اهتمام دولي ومحلي وتنظيم صيد الطيور والحيوانات الأخرى، فالحياة البرية جزءٌ أساسي من بيئتنا الفلسطينية، تزيدها جمالاً وبها يحيا الإنسان الفلسطيني، منوها إلى ضرورة عدم قتل الثعالب أو مهاجمتها، ومن الحلول العملية أيضاً دعا عبد ربه إلى تأمين المزارع بالشباك المعدنية بشكل جيد لتلافي هجمات الثعالب.