القدس المحتلة سماقال وزير الاستخبارات "الإسرائيليّ" السابق، دان مريدور، أنّ طبيعة وخصائص الحروب تتغير سريعًا أمام أعيننا، لافتًا إلى أنّ الحرب التي تجهز لها الجيش "الإسرائيلي" على مدار سنوات طويلة قامت على أساس سيناريوهات الجيوش الكبيرة لدولة واحدة أو أكثر والتي تحاول، وفي بعض الأحيان تنجح، في الاقتحام واحتلال مناطق، مؤكّدًا على أنّه "في تقديرنا أنّ سيناريو مثل هذه الحرب لا يبدو معقولاً على المدى القريب".
المصريون يعيشون على مدار حوالي أربعين عامًا علاقات سلم رسمية مع "إسرائيل"، وحتى أيام حكم الإخوان المسلمين (2012 – 2013) لم يخرقوا اتفاقية السلام، الأردن تقيم منذ أكثر من 20 عامًا اتفاق سلام مع "إسرائيل"، الجيش السوري مشغول في الأساس في الحرب الأهلية الضروس التي فقد فيها جزء كبير جدًا من قوته، الجيش اللبناني لن يكون على الإطلاق تهديدًا حقيقيًا لإسرائيل، وكذلك الجيش العراقي ليس ذي صلة على مدار سنوات الصراع الإسرائيلي – العربي، على حدّ تعبيره.
وتابع مريدور قائلاً إنّ التنظيمات غير الرسمية تتطور وتزيد إلى حدٍّ كبير من استخدام الإرهاب لتحقق أهدافها، مُشيرًا في الوقت عينه إلى أنّ هذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية، وأنّ نقطة انطلاق العمليات الإرهابية ضدّ "إسرائيل" قد تكون في قلب أرض "إسرائيل" في الضفة الغربية، ومن وراء الحدود بالتسلل أوْ إطلاق النار من قطاع غزة ومن سوريّة ومن لبنان، وحتى من سيناء.
إضافة إلى هذا كله، أوضح وزير الاستخبارات السابق، في دراسةٍ جديدةٍ نشرها مركز أبحاث الأمن القوميّ التابع لجامعة تل أبيب، أوضح أنّه قد يعمل الإرهابيون ضدّ أهداف "إسرائيلية" ويهودية في جميع أنحاء العالم.
وتابع قائلاً إنّ الإرهاب العالمي، هذه الحرب ليست محسومة بقوة عسكرية اعتيادية وبالطريقة التقليدية من احتلال المناطق وتدمير قوة العدو، وإنمّا من خلال إحباط العمليات الإرهابية والتحصن منها ومطاردة منفذيها، بحسب تعبيره.
ولفت الوزير السابق أيضًا إلى أنّ العالم يتغير سريعًا، والتقنية تتحول لتكون أداة مركزية في أيدينا وفي أيدي الأعداء، في مجال الإرهاب أيضًا هناك أهمية قصوى للاستخبارات لكي نكشف في الوقت المحدد مخططات عمل الإرهابيين، ولكي نسمح بمهاجمتهم موضعيًا، في هذا المجال أيضًا يجب أنْ تتقدم نظرية القتال سريعًا بما يتناسب وتغيرات قوة التحدي، على حدّ تعبيره.
وأشار مريدور في سياق دراسته إلى أنّ تهديد الجيوش النظامية العربية لـ "إسرائيل" انخفض بالتالي إلى حد كبير، لكن في المقابل اشتد تهديد التنظيمات الإرهابية والميليشيات مثل حماس وحزب الله إلى حد كبير.
وتابع قائلاً إنّه في بداية انطلاقهم كانت هذه التنظيمات غير رسمية، لكن وبمرور الوقت تحولّت إلى تنظيمات شبه رسمية، بحسب تعبيره.
وزاد أنّ حماس وحزب الله يسيطران اليوم على مناطق جغرافية ويديرانها فيما يشبه الطريقة التي تدير بها الحكومات السيادية الدول التي تحكمها، هذه التنظيمات تمتلك أيضًا أذرع عسكرية تشبه في مبناها مبنى الجيوش الرسمية النظامية.
على سبيل المثال، أوضح الوزير "الإسرائيليّ" السابق، تقسيمها إلى كتائب ووحدات، لكن ورغم نقاط التشابه هذه يدور الحديث عن هيئات تختلف جدًا عن الدول العادية، والطريقة التي يقاتلون بها أيضًا تختلف عن مواصفات قتال الجيوش الرسمية، وهذا هو سبب اضطرار الجيش "الإسرائيلي" في المواجهة معها إلى ردود وقدرات أخرى وإلى تغيير نماذج مجالات بناء القوة وتغيير استراتيجيته الشاملة.
بالإضافة إلى حماس وحزب الله، شدّدّ الوزير مريدور، على أنّ "إسرائيل" تُهدّد من تنظيمات تبقى غير رسمية، أيْ أنّها التي تدير منطقة جغرافية من أي نوع، وهنا يأتي السؤال: هل يُمكن أنْ نُطبّق بما يخصها العقيدة الأمنية "الإسرائيلية" التي تقوم على أساس القوائم الأربعة الشهيرة: الردع والتحذير والحسم والدفاع ؟.
كيف يمكن أنْ نردع جهة غير رسمية لا نعرف أحيانًا أماكن تواجدها ولا حتى طريقة تحركها؟، جهة كهذه، أضاف مريدور، لا تكون الضرورة جارة، ويُمكن أنْ تُهاجم عن بعد عن طريق العمليات الإرهابية مثلاً، أوْ صاروخ أوْ هجوم عبر الانترنت أوْ سلاح كيماوي أوْ بيولوجيّ، على حدّ وصفه.
وقال أيضًا إنّه مفهوم أنّ التحصن، أيْ الدفاع، وحده لا يكفي، فإلى جانبه يجب أنْ تكون هناك قدرة هجومية حقيقية وفاعلة. بهذا الخصوص، أوضح، يثور مجددًا سؤال المزيج الصحيح بين النيران والمناورة.
وبرأيه، يجب أنْ نستخدم بالطبع قدرة الجيش "الإسرائيلي" الكبيرة على المناورة في سيناريوهات محددة، لكن ثقل هذا العنصر وتخصيص الموارد له قد تكون أقل من الماضي.
وشدّدّ في الخلاصة على أنّ المزيج يجب أنْ يتغير، ومركز الثقل يجب أنْ ينتقل إلى تطوير القدرات في مجالات الاستخبارات والنار الدقيقة، برغم أنّ مواجهة تهديد الصواريخ والقذائف والطائرات غير المأهولة تشمل مكونات دفاعية باهظة الثمن، ومكونات هجومية.
لكن، زاد الوزير، يجب أنْ نستوضح معمقًا ما هي الطريقة الصائبة للهجوم، إذْ أنّ انتشار صواريخ حزب الله هو انتشار في لبنان كلها، لكن مسألة فاعلية احتلال منطقة صغيرة في الجنوب اللبناني بالمقارنة مع الأثمان الباهظة، يجب أنْ تُدرس في الجيش "الإسرائيلي" والحكومة، على حدّ قوله.