بيان لمن مروا أويمرون أو سوف يمرون بتجربة المرض
"في ربيع هذا العام وعلى غير موعد اثبتت التحاليل انني مصاب بالسرطان، وللحقيقة كان وقع الخبر صعبا. ولفهم الشاذ وغير المتوقع كان بالضرورة أن يخضع لإعمال العقل وللممكن، وللحقيقة أيضا توقعت ماهو اسوأ في معرض ما أؤمن به بألا أخضع الاشياء للصدفة وهو ما يعني لي عقلنة ماهو آت لحقيقة ان هناك دائما ماهو اسوأ. منذ بدايات التكوين في بداية الشباب ومن بين ماترك أثرا في وعيي هو ما قرأت من وصية قائد لعناصره "توقعوا اسوأ الاحتمالات لتنالوا افضلها" وهو ما تمثلته دائما في سياق تجربتي الانسانية وبالتأكيد في تجربة المرض نفسه، لذا لم يكن من بد سوى عقلنة غير المعقلن، وتقبل المرض كما هو، فهو لم يكن نتاج تقصير ما بحق الجسد، بل هو تغيير غير معروف ولئيم لخلية ناشزة متمردة، تريد ان تختبر زميلاتها في صراع الارادات.
والارادة هي مخزون التجربة وخبرة الحياة وتمظهر الاعتداد بالنفس وكبريائها الذي لاتنازل عنه. وقد سبق لي ان وضعت تلك الارادة موضع الاختبار في تجارب كثيرة ومالمرض إلا تجربة اخرى لاختبارها، ومعركة لا خيار فيها سوى الانتصار. وإعمال العقل، كان واجبا وهو طالما كان مطلوبا في كل معركة وذلك بتفكيك عناصر القوة والضعف التي تتملكنا كبشر، وتعظيم عناصر القوة التي نستحوذها وخلق البنية التحتية لمعركة شريفة تليق بذلك الكبرياء.
وللحقيقة فإن المرض، يشغل الوقت ويجعل من محاربته مغامرة مثيرة ومليئة بالدهشة مقابل تلك الرتابة التي نحياها في يومنا وأيامنا. كسر الايقاع اليومي واختبار الارادة واكتشاف هذا الكم الهائل من الحب من العائلة والاصدقاء والزملاء ومن نعرف ومن لا نعرف هو جانب أخر للمرض بلاشك جميل وشيق.
المرض في النهاية لا علاقة له بالحياة والموت، فالحياة والموت اسبابهما وشروطهما كثيرة، والجبان يموت الف مرة وذو الإرادة لا يموت الا مرة واحدة، وعندما يأتي الموت، أهلا وسهلا به، ولا داعي للموت مرارا قبل ان يكتب لك ذلك. والحياة مرة اخرى هي تلك الحسناء المثيرة والمليئة بالدهشة والتي تستحق معها ان نتسلح بالارادة ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر. بقى أن أقول أن من يشفق على مريض هو في ذاته مهزوم، فمن يخوض معركة وجب ان يقدم له الدعم لا ان يتولى هو نفسه علاج مرضى النفوس ومهزومي الارادة من المشفقين، فلا صوت يجب ان يعلو على صوت المعركة التي شارفت على نهايتها."