القدس المحتلة / معاريف / كارولين غليك / رئيس "الموساد" السابق تامير باردو هذا الأسبوع إلى قائمة خريجي السطات الأمنية الذين يتحدون الحكومة من اليسار ويتحدون المجتمع الإسرائيلي، وحسب أقوال باردو فالتهديد الوجودي الذي تواجهه إسرائيل في هذه الأيام ليس تهديدًا خارجيًا من ناحية إيران أو أي دولة أخرى، وإنما تهديد داخلي، "إذا تجاوز المجتمع المنقسم عتبة معينة فإنك ستصل إلى ظواهر مثل الحرب الأهلية في الوضع المتطرف" قال "وأخشى أننا نسير في هذا الاتجاه".
أقوال باردو كانت مثيرة إلى حد كبير على ضوء حقيقة انه وقبل أن يقلل من أهمية التهديدات الخارجية بيومين؛ عرضت التلفزة الإيرانية الرسمية صورًا لمنظومة صواريخ (S-300) الروسية الجديدة، والتي تم استيعابها مؤخرًا وتموضعت حول موقع تخصيب النووي في بوردو، انه ذلك الموقع المشتبه بأنه يستخدم في برنامج إيران النووي العسكري، وأنه كان من المفترض أن يكون معطلًا في عهد الاتفاق النووي خاصة باراك أوباما، كما انه وبعد تصريحات باردو بيوم واحد ورد تقرير في صحيفة "الديلي ميل" انه ووفق منظمة إيرانية معارضة يوجد اليوم في سوريا 60 ألف جندي تسيطر عليهم إيران رغم وجود مزاعم بأنهم 16 ألف لا أكثر.
واصل باردو وتناول في معرض حديثه القضية الفلسطينية "رئيس الحكومة قال انه سيكون ما بين البحر ونهر الأردن دولتين، ولقد صدق" زعم باردو، ولكن ليس أمام الشعب الإسرائيلي وليس أمام الشعب الفلسطيني. في الأسبوع الماضي نشر المركز الإسرائيلي للديمقراطية ومعه المركز الفلسطيني للسياسات والرأي العام نتائج الاستطلاع المشترك الذي قاما به بشأن مستوى تأييد المجتمعين لحل الدولتين.
عرضت على المستطلعة آراؤهم صيغ بشأن كل يلتزمون به: دولة فلسطينية في قطاع غزة وغالبية الضفة الغربية وتبادل الأراضي وتقسيم القدس وإدخال حوالي مائة ألف فلسطيني كـ "مواطنين" إلى إسرائيل. وحسب الاستطلاع 46% فقط من الإسرائيليين و39% من الفلسطينيين يؤيدون هذه الصيغة؛ هذا يعني ان كل من يبدو واثقًا كثيرًا بالصيغة السحرية قد نسي الشعب الذي يحيى هنا. في كل ما يتعلق بالقدس فقد كان واضحًا منذ زمن أن الـ 46% أولئك سيصبحون أكثرية صغيرة إذا أمنوا ان هناك رغبة لدى الطرف الآخر للعيش معنا بسلام حقيقي، على الجانب الفلسطيني الوضع مختلف.
بعد حوالي خمسة أسابيع ستجرى انتخابات محلية في السلطة الفلسطينية، وعلى خلاف الانتخابات التي جرت قبل أربع سنوات هذه المرة تعد حماس مرشحين وقوائم، والتحليل الميداني يفيد بأن مرشحي حماس الموثوقين سيفوزون وسيمسكون بزمام الحكم في أغلب المدن الكبرى. توقع صعود حماس أثر على اللاعبين في المنطقة، فمنذ عدة أشهر تعيش الساحة في نابلس حالة من "الفوضى التامة" كما يقول بنحاس عنبري الباحث في المركز المقدسي لشؤون الجماهير والدولة. الصحفي الفلسطيني خالد أبو طعمة يتوقع انه وفي هذه الأيام فإن أعضاء فتح يعتبرون تهديدًا أكبر من تهديد حماس على حكم أبي مازن وعلى السلطة.
منذ شهر يونيو يخوض أعضاء فتح في نابلس حروب شوارع ضد قوات أبي مازن، نابعة عن صراعات مالية وجغرافية. قبل أسبوع ونصف قتل ضربًا في سجون السلطة في نابلس أحمد حلاوة، وهو ضابط أمني سابق وعضو في فتح، وحسب أقوال أبو طعمة قتل حلاوة لأنه كان يأخذ اتاوات من سكان نابلس في الأماكن التي اعتادت قوات السلطة ان تطلب فيها دفعات فدية.
تلك العصابات المحلية المنافسة للسلطة على المال والحكم من المتوقع ان تنقل ثقتها من فتح إلى حماس بشكل يكاد يكون فوريًا فيما إذا سيطرت حماس على الحكم المحلي وعلى الموازنات، تمامًا كما فعل رجال فتح في غزة بعد ان سيطرت حماس على القطاع في العام 2007، اليوم في نابلس، وكما في منطقة الخليل، وفي أماكن أخرى بالضفة الغربية تستعد القوات الميدانية لليوم الذي يلي هزيمة فتح في الانتخابات وبشكل عام.
استبعاد مخطط السلام من قبل غالبية الفلسطينيين والتأييد المتزايد لحماس في أوساط الجمهور والفوضى في نابلس وأماكن أخرى عشية الانتخابات المحلية تعلمنا عبرتين مهمتين: حل الدولتين مات ولا يمكن بعث الحياة فيه، وحان الوقت لنجري حوارًا جديًا في إسرائيل حول الحكم الذاتي الفلسطيني.
التوجهات العدائية الفلسطينية ليس بالأمر الجديد، في الواقع كان هناك اعتراف بإشكالية توجهاتهم التي وقفت على الأقل جزئيًا وراء مبادرة أوسلو، من خلال الاعتراف بأن الفلسطينيين يتحركون ما بين الجهاد وبين الإرهاب القومي قرر شمعون بيريس واسحاق رابين ان يختارا الإرهاب القومي وإعطاء منظمة التحرير حكم الفلسطينيين.
اليوم وبعد 22 عامًا من حكم منظمة التحرير للضفة الغربية - وتسع سنوات من حكم حماس لغزة - ملّ الفلسطينيون من منظمة التحرير ومن أبي مازن، وهم يريدون ان يوسعوا دولة حماس في غزة إلى الضفة الغربية.
وبماذا سيستبدلون حماس ذات يوم؟ في غزة يشاهدون المستقبل، تمامًا مثلما تعاونت فتح مع حماس في الضفة لغاية 2007، وبالتالي عبدت طريقها في الخارج، اليوم تتعاون حماس مع قوات "داعش" في سيناء.
ولكن بلا إلحاح، حاليًا في مناطق الضفة وفي وقت أفول حقبة منظمة التحرير بفشل حكم أبي مازن الاستبدادي الحكم الذاتي الفلسطيني يذكرنا بالصومال أكثر من تذكرنا سنغافورة أو أبو ظبي. في ظل عدم وجود حكم محلي قوي ذي شرعية شعبية انتقل الحكم إلى قادة العصابات المتناحرة على الأموال والسلاح والسيطرة.
ويا للمفارقة؛ فرغم ان الحكم الذاتي الفلسطيني قد أقيم منذ 22 عامًا؛ لم يجرِ حوار جدي حول مسألة ما إذا كان هذا الحكم الذاتي مصلحة إسرائيلية، ذلك انه ومنذ المصافحة فوق منصة البيت الأبيض اعتبر الحكم الذاتي مرحلة انتقالية في الطريق إلى شيء آخر، وليس أمرًا ذا أهمية في حد ذاته.
بالنسبة لليسار المعتدل كان الحكم الذاتي - وما يزال - مرحلة انتقالية في الطريق إلى المثالية التي ستنتشر لحظة قيام الدولة الفلسطينية، وبالتالي تتحقق رؤية حل الدولتين. على مر الزمان غالبًا ما تجنب سياسيون من حزب "العمل" و"كاديما" وأصدقاؤهم في المنظومة الأمنية والإعلام الحديث عن فساد السلطة الفلسطينية ومن تحريض شركاء العملية السلام البربري من منظمة التحرير. لقد تسامحوا مع ياسر عرفات وأبي مازن عندما تعاونوا مع حماس ومنحوا الشرعية للحرب السياسية التي يقوم بها شريكنا في المفاوضات ضد إسرائيل على الساحة الدولية، وذلك بزعم ان هذه الأمور السيئة ستختفي من العالم لحظة قيام الدولة الفلسطينية.
في اليسار الراديكالي الحكم الذاتي كان وما يزال أمر لا قيمة له، ذلك ان المشكلة الوحيدة التي يمكن بل ويجب إبداء الرأي فيها هو الاحتلال، بالنسبة لأعضاء "ميرتس" ورفقائهم في الجمعيات المختلفة في أوروبا جوهر الحكم الذاتي الفلسطيني غير ذي أهمية إطلاقًا. حماس ومنظمة التحرير و"داعش" ليسوا من شأننا، فإسرائيل بالفعل هي المتهمة، إسرائيل هي المحتلة؛ ولذلك - حسب فهمهم - فإنه لأمر عنصري ان ندرس الوضع في أوساط الفلسطينيين.
لكن ماذا نفعل إذا أخطأ هؤلاء وهؤلاء أيضًا؟ إذا كان الفلسطينيون غير معنيين إطلاقًا بالتعايش، وإذا كانت حماس توشك ان تفوز في الانتخابات للحكم المحلي، وإذا كان أعضاء فتح يعيشون حالة حرب ضد أبي مازن حولت نابلس إلى مقديشو؛ آن الأوان لأن نجري نقاشًا حول الحكم الذاتي، حتى وإن تأخرنا 22 عامًا. آن أوان أن نسأل الأسئلة الأساسية: هل نؤيد حكمًا فلسطينيًا ذاتيًا؟ هل الحكم في الضفة هو الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل، وقد تحولت غزة من إزعاج تكتيكي إلى تهديد استراتيجي؟ وإذا كان هذا الشيء غير مرغوب؛ ما هو الأفضل لنا؟ وإلى أي الأوضاع علينا ان نسعى؟
وهذا يعيدنا إلى تحذير باردو الخطير من الحرب الأهلية، إذًا فمجتمعنا في واقع الأمر منقسم، ولكن إذا كنا نخشى الانقسام فالطرق الأفضل لمنعه هي من خلال وجود حوار شعبي مسؤول وناضج يقوم على أساس المعطيات الحقيقية على الأرض، وليس متابعة نقاش عقيم عمره 22 عامًا قام على أساس التفضيل أو استبعاد حلول فاعلة للمشاكل الحقيقية.
ترجمة أطلس للدراسات