القدس المحتلة / ايدي كوهين / دائما رددت الدعاية العربية مقولة إن الصهاينة، بالتعاون مع الولايات المتحدة، يحاولون تقسيم الدول العربية من اجل السيطرة على موارد الشرق الاوسط. وفي الوقت الحالي يمكن قراءة مقالات في الصحف العربية تتهم اسرائيل بهذه المؤامرة.
ولكن "سخرية القدر" هي أن العرب أنفسهم بدأوا في السنوات الاخيرة في عملية التدهور والانقسام، الامر الذي سيؤدي في نهاية المطاف الى انقسامهم الى عدة دول. وكنتيجة لذلك ستنشأ كيانات جديدة في المنطقة. الشرق الاوسط سيأخذ شكلا جديدا يرافقنا لسنوات طويلة مستقبلا.
جنى العرب أقبح المكاسب من الثورات، حيث كانت واحدة من النتائج المترتبة على الربيع العربي أنه اشتد الخلاف في المجتمع العربي، وزيادة الفجوة بين المتدينين والعلمانيين، وبين القوميين، وصار الحديث أنه يجب أن يكون دولة للسنة وأخرى للشيعة.
إن الصراعات التي نشأت من هذه الصدامات المتواصلة في عدد من الدول ستؤدي في نهاية المطاف، حسب تقدير الخبراء في العالم العربي وحسب المزاج في المدونات وفي وسائل الاعلام التي تتحدث في هذا الامر، الى تقسيمها. لا حاجة الى التأكيد أنه رغم ذلك الحديث يدور عن تقديرات فقط. ولكن أصبح معروفا أن الشرق الاوسط قد تحول الى لغزا مُسليا. وأن محاولة توقع مصيره مُسلية بحد ذاتها.
لنبدأ بمصر: إن اقالة الرئيس محمد مرسي أدت الى وجود حكم ديكتاتوري وصراعات قوى بين الاخوان المسلمين وبين المؤسسة الرسمية في ظل الضرر المتواصل للاقلية هناك، أي الاقباط والأبرياء الذين يدفعون دائما ثمن الكراهية والعنصرية. وحسب الحاضر يبدو أن تغييرات كبيرة ستحدث في مصر. في هذه الاثناء، بتشجيع المؤسسة المصرية، هناك عملية هجرة سلبية، ترحيل حقيقي، لمن هم من أصل مصري عرقي أصلي من شبه جزيرة سيناء الى داخل مصر. ففي سيناء ليس هناك أي رمز للدولة السيادية، وهي فقط مناطق عسكرية. ويسيطر هناك كيانين هما ولاية سيناء ومؤيدو بيت المقدس. يبدو أن مصر قد تنازلت عن سيناء من اجل الفلسطينيين. والاقباط سيمرون بعملية ترحيل الى منطقة مرسى مطروح في غرب الدولة، حيث أن الكثيرين منهم يقومون بشراء الاراضي هناك.
ليبيا ستُقسم ايضا كما يبدو الى ثلاثة كيانات هي: في الغرب سيسيطر من يؤيدون ثورة 17 شباط الذين حاربوا القذافي. وفي الشرق سيسيطر الجنرال الخليفة خفتر الذي يحارب الاسلام المتطرف. وفي الجنوب ستسيطر القبائل البدوية وستقام هناك دولة القبائل.
لبنان مقسم بالفعل، بل ومشلول. ايران، بتأييد حزب الله، لا تسمح بانتخاب رئيس مسيحي ماروني يحظى بالاجماع الكامل من قبل الشعب، لكن الميل هو أن يكون جنوب لبنان تابع لحزب الله. والدروز يقومون بادارة حياتهم في الجبال كما فعلوا على مدى مئات السنين. ومن شرق بيروت الى طرابلس يسيطر المسيحيون. أما في طرابلس وفي أجزاء كبيرة من العاصمة يسيطر السنيون. سيقيم العلويون في سوريا ومؤيدوهم الشيعة دولتهم في طرطوس والمسلمون السنة سيقيمون دولة في حلب. وفي شمال القامشلي سيقام كيان كردي يتصل سياسيا وجغرافيا مع جمهورية كردستان.
بعد انهيار نظام صدام حسين وخروج الولايات المتحدة من العراق انكشفت الصراعات بين السنة والشيعة الذين يحصلون على الدعم من ايران. ففي شمال الدولة في مقاطعة كردستان – أربيل ستقام الدولة الكردية. وفي الجنوب، في البصرة، ستقام دولة الشيعة. أما المسلمون السنة فسيحصلون على العاصمة بغداد ومدينة الموصل والفالوجة.
إن الدول التي تم تقسيمها في الماضي البعيد أو في الآونة الاخيرة هي السودان واليمن. ففي جنوب السودان تم اقامة جمهورية عاصمتها جوبا. والشمال بقي تحت سيطرة عمر البشير. والأنباء تتحدث الآن عن امكانية اقامة دولة ثالثة في دارفور.
اليمن كان دولة مقسمة منذ عشرات السنين، وتم توحيده من جديد في سنة 1990. الآن في أعقاب فشل الثورة استغل الحوثيون، بدعم وتأييد ايران، الفراغ السياسي لاقامة كيان يمني شيعي في جنوب الدولة. وبالنسبة للسنة، سيبقون في الشمال قرب السعودية التي أيدت السلطة اليمنية في صراعها ضد الحوثيين.
إن الشرق الاوسط الجديد الذي تخيلناه قبل عشرين سنة لم يكن هكذا. وقد أثبت الواقع أن الاستقرار في الشرق الاوسط غير قابل للتحقق.
اسرائيل اليوم 31/8/2016