خبر : سؤال الصراع الأكبر: كم فلسطينيًا يعيش في الضفة الغربية حقًا؟

الإثنين 15 أغسطس 2016 11:05 ص / بتوقيت القدس +2GMT
سؤال الصراع الأكبر: كم فلسطينيًا يعيش في الضفة الغربية حقًا؟



أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

في الشهر الماضي أعلنت حركة حماس نيتها المشاركة في انتخابات السلطة الفلسطينية المحلية التي ستجري بعد حوالي شهرين، هذا القرار أغرق السلطة الفلسطينية في خوف عميق؛ ذلك ان حماس يُتوقع لها تحصد أغلبية لا بأس بها في الضفة الغربية المحتلة.

في الأسبوع المنصرم ورد ان رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن وأصدقاءه في فتح ليسوا الوحيدين الذين ارتعدت أفئدتهم، قيادة الجيش الإسرائيلي أيضًا مضغوطة، وحسب تقرير أليكس فيشمان في "يديعوت احرونوت" وفي محاولة الاستعداد لهذه للانتخابات؛ أجرى وزير الأمن أفيغدور ليبرمان سلسلة من الحوارات مع قيادة الجيش، أقنع خلالها الضباط وزيرهم - الذي شجع لغاية الآن استقالة أبي مازن - بأن "مصلحة إسرائيل في ان يتعزز موقفه".

ومن أجل ذلك - وحسب فيشمان - قرر ليبرمان ان يعتمد البرنامج الذي أعده منسق عمليات الحكومة في المناطق ومبادئه: نقل صلاحيات التخطيط والبناء في المناطق (C) من الإدارة المدنية إلى السلطة. وكذلك يؤيد ليبرمان تدريب البناء غير القانوني الحثيث في المناطق (C) وسيسمح مستقبلًا بإقامة مدينة فلسطينية جديدة في الضفة الغربية على نمط مدينة الروابي.

هناك عدة مشاكل في هذا البرنامج؛ فمثلًا التنازل عن صلاحيات التخطيط والبناء في المنطقة (C) ليس بالأمر الجيد، الإبقاء على هذه الصلاحيات هو أحد المصالح الإسرائيلية العليا في اتصالاتها مع منظمة التحرير منذ بداية عملية أوسلو وإلى يومنا هذا. في اللحظة التي تتنازل فيها إسرائيل عن هذه الصلاحيات فإنها تتنازل بسهولة في واقع الأمر عن قدرتها على السيطرة الأمنية في المناطق المفتوحة أيضًا، ومن خلالها تفقد السيطرة على المراكز السكانية، وتعرض للخطر مجمل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

لكن وقبل ان نصل إلى انعكاسات الخطوة المقترحة الاستراتيجية السلبية يظهر أمامنا سؤالان جوهريان علينا ان نجيب عليهما؛ الأول: لماذا يظن الجيش الإسرائيلي ان التنازل عن صلاحيات التخطيط والبناء سيزيد من فرصة مرشحي فتح بالانتصار في الانتخابات البلدية في أكتوبر؟ وعلى أي اساس تقرر الامر؟ ان تجربة السنوات الأخيرة أثبتت ان التنازلات لا تشجع الفلسطينيين على تأييد السلام وإنما تزيد فقط الكراهية تجاهنا، وكذلك بعد خروج الجيش الإسرائيلي من غزة دمّر الفلسطينيون الدفيئات وأحرقوا الكنس، وبعد خروجه بأربعة أشهر سلموا السلطة لحماس في انتخابات حرة، يجب أيضًا دراسة الضرر الذي سيحصل لإسرائيل في حال فازت حماس في الانتخابات والحكم وفق ذلك فيما إذا كانت التنازلات التي يقترحها الجيش الإسرائيلي واقعية ذات صلة.

في الظاهر فانتصار حماس سيضر بنا بطريقتين أساسيتين: 1) سيؤدي إلى تقليص العمليات التي تقوم بها قوات فتح ضد خلايا حماس في الضفة الغربية، وهذا يعني ان الجيش الإسرائيلي سيضطر إلى العمل بكثافة أكبر هناك. 2) في اللحظة التي يسيطر فيها أعضاء حماس على المجالس المحلية يجب الافتراض ان السلطة ستزيد كمية الأموال التي تدفع بها لسلطة حكم الحركة في غزة. من غير المفهوم كيف سيدفع التنازل عن صلاحيات التخطيط والبناء في المناطق (C) بمصالح إسرائيل في مثل هذا الوضع.

السؤال الثاني: هل ستنهي إسرائيل التنازلات في حال فازت حماس في الانتخابات أم ان المقصود مسألة مشروطة؟ من البديهي أننا إذا اعتبرنا - وسنعتبر فعلًا - في منظور الفلسطينيين اننا نحاول إجبارهم على التصويت لفتح؛ فإن الأمر سيدفع حماس فقط.

يصعب التحرر من الانطباع بأن قيادة الجيش الإسرائيلي لا تحاول ان تساعد ليبرمان على بلورة سياسة جديدة، وإنما تعمل على منعه من التفكير، يبدو أنهم وضعوا بين يديه المقترحات التي يريد الجنرالات تقديمها دون أي علاقة للوضع الميداني. فيشمان تحدث عن ان خطة التنازل عن صلاحيات التخطيط والبناء والتصريح بعد ذلك لعشرات آلاف الأبنية غير القانونية وإقامة مدينة فلسطينية قائمة منذ سنتين. لم يعد سرًا ان رئيس الأركان تمسك باستراتيجية الدولتين أو على الأقل الانسحاب الأحادي من الضفة الغربية رغم ان الخيارين فشلا.

عالم الخيال

منذ العام 1967 تجد إسرائيل نفسها في ذات المشكلة، هي تحتاج السيطرة على الضفة الغربية للحفاظ على تل أبيب والقدس، وتريد ان تبقى فيها، فهي مناطق وطن الشعب الإسرائيلي التاريخية؛ ولكنها لا تريد استيعاب الفلسطينيين في قلب سجلها السكاني لأنها تريد ان تحافظ على حكم ديمقراطي يقوم على أساس أغلبية يهودية صلبة. استراتيجية الدولة الفلسطينية والانسحاب أحادي الجانب افترض انه من غير الممكن تحقيق هذه الأهداف، إذن تنازلوا عن التاريخ وعن الأمن لصالح الديموغرافيا، وهذا الافتراض لم يعمل، لقد بقينا مع الفلسطينيين ومع مسألة الديموغرافيا أيضًا. الديموغرافيا تشلنا بطريقتين؛ نخشى أننا لو قللنا الأغلبية اليهودية نقلل بالتالي شرعيتنا الدولية، وكذلك نخشى من فقدان الأغلبية اليهودية.

التوقع بأن العالم سيقف إلى جانبنا ما هو إلا خيال، حقيقة ان الكثير من الدول تصر بأن إسرائيل ما تزال مسؤولة عن غزة تثبت انه ليس هناك اهتمام دولي حقيقي بالسلام والديمقراطية، العالم ببساطة يستغل الفلسطينيين لكي يؤذينا؛ وعليه فلا معنى في التفكير برأي المجتمع الدولي خلال دراسة أساليب العمل التي أمامنا، لكن اهتمامنا يجب ان يوجه للداخل حقًا، وإذا كان فرض القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية سيضع حدًا للأغلبية اليهودية في الدولة سنحتاج على ما يبدو إلى الاكتفاء بحل غير السيادة الكاملة على الأرض.

لا يتعلمون

الفشل الاستراتيجي الأكبر في كل ما يخص الفلسطينيين هو أننا لم نزعج أنفسنا بدراسة هذا الموضع المصيري، اليوم ليس لدينا القدرة على مناقشته أو التوصل إلى استنتاجات في موضوع الديموغرافيا، لأننا لا نملك قاعدة بيانات يستطيع الجميع الموافقة عليها بخصوص عدد الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية.

اليساريون يتلقون المعطيات الديموغرافية من السلطة كما لو أنها تشريع من سيناء وأنها خطوات تهدد مواطني الدولة بتوقعاتهم السوداء بفقدان الأغلبية اليهودية خلال عام أو عامين، ووفق اليسار فإن أي تصريح بشأن موت مفهوم الدولتين هو إعلان حرب على الصهيونية.

في المقابل؛ اليمين يعتمد على قاعدة بيانات الفلسطينيين التي قامت به مجموعة من الباحثين المستقلين ضمن سلسلة بحوث بدأت من العام 2005، وحسب هؤلاء الباحثين - برئاسة يورام اتنغر ويعقوب فيتلسون من إسرائيل وبينت تسيمرمان ومايك فايس من الولايات المتحدة - والسلطة أكدت معطياتها عن عمد، وأضافت حوالي 1.5 مليون شخص.

في ظل مؤشرات الخصوبة المرتفعة لدى إسرائيليات يهوديات والانخفاض المرتبط بمؤشرات الخصوبة لدى الفلسطينيين في الضفة الغربية، وعلى ضوء مؤشرات الارتفاع العالية لقاء مؤشرات الهجرة السلبية لدى الفلسطينيين؛ يزعم الباحثون انه ليس هناك مشكلة ديموغرافية فحسب، بل ان الديموغرافيا عمومًا تلعب لصالح إسرائيل.

هذا كله يعيدنا إلى وزير الأمن ليبرمان وإلى رغبته الصادقة في بلورة استراتيجية جديدة تجاه الفلسطينيين، آن الأوان لأن يشكل رئيس الحكومة طاقمًا يعمل انطلاقًا من مكتبه ويخول بجمع وتحليل المعطيات المطلوبة واستخلاص الاستنتاجات بشأن حجم السكان الفلسطينيين، إسرائيل ليست بحاجة إلى ارسال الجنود إلى نابلس ليعدوا الرؤوس، يكفيها صورًا جوية ومعطيات استهلاك الكهرباء والماء وأعداد المهاجرين عبر جسر الأردن ومطار بن غوريون لكي تحصل على الصورة كاملة، لكي تقلص من تسييس المعطيات يجب الانضمام إلى طاقم ممثلين عن المعسكرين إلى جانب اعضاء مجلس الأمن القومي.

لا يوجد حل سحري لمشاكلنا ومشاكل الفلسطينيين، ولكن ضقنا ذرعًا بتكرار نفس الأخطاء، ليبرمان صادق بأنه آن أوان إجراء نقاش جدي، من أجل التغيير ربما نفعل ذلك على أساس الحقائق وليس الخيالات.

ملاحظة: المقال أعلاه يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر عن رأي مركز أطلس.

معاريف الاسبوعي