تقارير وتحليلات إسرائيلية تتحدث عن حرب لبنان الثانية، عام 2006، أنها كانت فشلا مدويا. وبينما يتحدث البعض عن حرب قادمة، إلا أن الواقع يؤكد وجود ردع متبادل، وأن حربا جديدة ستكون كارثة على الجميع، بما في ذلك إسرائيل
القدس المحتلة وكالات تحل الأسبوع المقبل الذكرى السنوية العاشرة لحرب لبنان الثانية، التي شنتها إسرائيل ضد لبنان في 12 تموز/يوليو 2006، في أعقاب هجوم نفذه حزب الله وأسر خلاله جنديين إسرائيليين.
ولا يزال الإسرائيليون يوجهون انتقادات للجيش والحكومة بسبب أدائهما خلال هذه الحرب، التي سقط خلالها أكثر من مئة صاروخ يوميا في إسرائيل، إضافة إلى إخفاقات الجيش الإسرائيلي. ويذكر أن تقرير لجنة فينوغراد، التي شُكلت في أعقاب الحرب للتحقيق في الإخفاقات، أدت إلى استقالة وزير الأمن في حينه، عمير بيرتس، ورئيس أركان الجيش، دان حالوتس، بينما استقال رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، لاحقا بسبب فضائح الفساد التي التصقت به، علما أن اللجنة وجهت له انتقادات شديدة.
وأشار كبير المحللين في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، ناحوم برنياع، في مقاله الأسبوعي اليوم، الجمعة، إلى تقرير نشره في بداية شهر آب/ أغسطس 2006، في أعقاب مرافقته لقوة تابعة لكتيبة 'ألكسندروني' لقوات الاحتياط الإسرائيلية، أثناء توغلها في جنوب لبنان، وكشف في حينه عن أن القوات الإسرائيلية غير قادرة على التقدم في جنوب لبنان، وعن نقص حاد بالعتاد العسكري وإمدادات الغذاء والماء.
وعاد برنياع هذا الأسبوع إلى كتيبة 'ألكسندروني' ليتحرى ما الذي تغير خلال السنوات العشر الفائتة. وقال ضابط كبير إن ثلاثة أمور جعلت الجيش الإسرائيلي يخرج من حرب لبنان الثانية بصورة 'ليست جيدة'. وأوضح أن 'الأول، أنه كانت هناك مشكلة بالجهوزية، أي بالعتاد والتدريب، وهذا كان الأمر الأقل أهمية؛ الثاني هو أننا لم نتلق أوامر عسكرية واضحة؛ والأمر الأهم، هو وجود مشكلة ثقة'.
واعتبر الضابط يارون لور، الذي هدد في 2006 بعدم إرسال الجنود تحت إمرته للقتال في حرب مقبلة، أنه 'يبدو لي أن الدرس كوى المسؤولين في المناصب العليا. يوجد تحسن. الأوامر واضحة. لا يوجد انعدام يقين، ونحن نتدرب كثيرا جدا'.
يشار إلى أنه في هذه الأثناء تسود في إسرائيل تقديرات تنطوي على تناقض معين: البعض يقول إن حربًا مع حزب الله ستقع لا محالة، بينما يرى آخرون أن حربا كهذه لن تنشب خلال السنوات العشر الأخيرة، لأن حزب الله منشغل بالحرب الدائرة في سورية.
رغم ذلك، اعتبر لور، بحسب برنياع، أنه 'ستنشب حربًا أخرى مع حزب الله. والتقديرات هي أنها ستبدأ في أراضينا، بمعنى أن قوة من حزب الله ستتجاوز الحدود. والنتيجة ستكون عملية عسكرية متدحرجة، وليست حربًا تتم المبادرة إليها'.
'إيران لا تريد أن يستخدم حزب الله الترسانة الصاروخية في حرب يبادر لها، وإنما تريد أن تشكل هذه الترسانة الصاروخية قوة فعالة ضد إسرائيل في حال شنت الأخيرة هجوما ضد المنشآت النووية في إيران'
وقال الضابط الكبير، الذي رفض نشر اسمه وهو قائد لواء في الجيش الإسرائيلي، إن 'مشاركة حزب الله في الحرب في سورية غيّرت طبيعته. وأصبح جيش أكثر ومنظمة أنصار أقل. وطور رؤية هجومية بدل الرؤية الدفاعية، وسيكون هدفه الوصول إلى إسرائيل وقتل أكبر عدد ممكن من الجنود... ونحن نستعد للحسم بواسطة اجتياح بري. وستلقى هذه المهمة على وحدات مشاة ومدرعات. ولذلك نتدرب على اجتياح عنيف'.
ووفقا لبرنياع، فإن تقديرات صناع القرار في إسرائيل هي أن أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، هو شخص عقلاني، 'وعندما يجري حساب الربح والخسارة، سيتوصل إلى الاستنتاج بأنه ليس جديرًا استفزازنا. ومع كل الاحترام للمتمردين في سورية، فإن القتال ضد الجيش الإسرائيلي ينتمي إلى واقع آخر'.
فشل مدوٍ
من جانبه، أشار المحلل العسكري في صحيفة 'هآرتس'، عاموس هرئيل، إلى أنه في العام 2006 دخلت إسرائيل في مواجهة غير تناسبية مع حزب الله، رغم المواجهات السابقة بين الجانبين، رأى أن حرب لبنان الثانية 'كانت وما زالت فشلا مدويًا'.
وفيما يعتبر السياسيون والعسكريون في إسرائيل أن حرب لبنان الثانية كانت قصة نجاح، بادعاء أن إسرائيل ردعت حزب الله، وأنه ساد هدوء في أعقابها طيلة عشر سنوات، أي حتى اليوم. لكن هرئيل أكد أن دعاية الهدوء الإسرائيلية هذه ليست صحيحة وتجافي الواقع.
ولفت هرئيل إلى ثلاثة أسباب لهدوء جبهة إسرائيل – حزب الله:
أولا، الحرب في سورية: منذ اندلاع الحرب في سورية، وبشكل أكبر لاحقا، طلب رئيس النظام السوري، بشار الأسد، من حزب الله مساعدة عسكرية، ومنذ صيف 2012 أصبح الحزب غارقًا في هذه الحرب. كما أن الأولوية بالنسبة لحزب الله وإيران هي الحفاظ على نظام الأسد. ومن شأن فتح جبهة مع إسرائيل أن يصرف حزب الله جلّ جهوده عن سورية. ووفقا لهرئيل، فإن الخسائر التي سيتكبدها حزب الله في مواجهة مع الجيش الإسرائيلي ستضعف سيطرة النظام وإيران في الأجزاء التي بقيت تحت سيطرتهم، إضافة إلى تعرض حزب الله لانتقادات وتهجمات من جانب خصومه في لبنان.
ثانيا، المصالح الإيرانية: تشير تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن بحوزة حزب الله ترسانة صاروخية كبيرة للغاية، وليس أقل من 130 ألف صاروخ. وإيران، التي ضاعفت حجم هذه الترسانة التي بحوزة حزب الله، لا تريد أن يستخدمها الحزب في حرب يبادر إليها ضد إسرائيل، وإنما تريد أن تشكل هذه الترسانة الصاروخية قوة فعالة ضد إسرائيل في حال شنت الأخيرة هجوما ضد المنشآت النووية في إيران. وبحسب هرئيل فإن هذه الترسانة ردعت رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الذي درس إمكانية مهاجمة إيران.
وأشار هرئيل إلى أن القيادة الإيرانية غضبت عندما علمت، في وقت لاحق، بصدور تعليمات من نصر الله شخصيا بأسر جنود إسرائيليين، إذ كان هذا السبب المباشر لنشوب الحرب. ويذكر أن نصر الله نفسه أعلن بعد الحرب أنه لو كان يعلم حجم الدمار والخسائر البشرية التي ألحقتها إسرائيل بلبنان واللبنانيين لما بادر إلى الهجوم وخطف الجنديين.
ثالثا، ردع حزب الله لإسرائيل: كتب هرئيل أن 'السبب الثالث للهدوء مرتبط بأنه يوجد هنا ردع متبادل. فرغم أن إسرائيل أثبتت في 2006 أن بإمكانها إلحاق أضرار هائلة لحزب الله... إلا أنه يوجد وجه آخر لهذه العملة. فإسرائيل تعي حجم ترسانة حزب الله، وقدرته على إمطار الجبهة الداخلية الإسرائيلية بـ1500 صاروخ يوميًا، وضرب مواقع بنيتها التحتية الإستراتيجية – محطات توليد كهرباء وموانئ ومطارات – وعدم قدرة منظومات اعتراض الصواريخ على توفير حماية كاملة للسكان المدنيين'.
وكتب هرئيل أن ضباط الجيش الإسرائيلي يعون هذا الردع المتبادل وهذا الواقع، الذي أدى إلى هدوء هذه الجبهة، 'خلافا لبعض السياسيين وجزء من الصحافيين' وأن القيادة العسكرية لا تعتزم تجميل نتائج الحرب قبل عشر سنوات.
عرب 48