القدس المحتلة / سما / كشف النقاب في إسرائيل أمس أن قيادات كثيرة في المؤسسة الحاكمة تدعو لإطلاق سراح النائب الأسير مروان البرغوثي الذي أكد مجددا التزامه بتسوية الدولتين ورغبته بترشيح نفسه لخلافة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لكنه حاليا ينتظر ويقضي أوقاته بالقراءة كمذكرات أرئيل شارون. وفي حديث مع صحيفة «هآرتس» قال البرغوثي من سجن هداريم إنه كان بإمكان السلطة الفلسطينية منذ 2002 ان تكون واحدا من الاتجاهين إما أداة للتحرر من الاحتلال أو أداة لتشريع الاحتلال. موضحا أن وظيفته إرجاع السلطة الفلسطينية لوظيفتها كأداة تحرر وطني. وقال إنه سيقدم ترشيحه في حال جرت انتخابات للرئاسة الفلسطينية.
ويقول إيلان باز، ضابط كبير في جيش الاحتياط الذي قاد عملية خطف البرغوثي عام 2002 من رام الله، إنه ينبغي تحريره دون شروط رغم أن «يديه ملطختان بدم اليهود.. فالسلام يصنع مع أعداء أقوياء كرامتهم لا تداس . «وهذا موقف وزير الأمن الأسبق بنيأمين بن اليعازر الذي يكشف أنه أرسل للبرغوثي رسائل وهو بالسجن مفادها أنه يريد التفاوض معه.
وعلل هو الآخر دعوته للإفراج عن البرغوثي بالقول إن السلام يصنع مع الأعداء الأقوياء. أما أرئيل شارون فكان قد أبدى استعداده للإفراج عنه بدافع آخر مرتبط بإطلاق الولايات المتحدة سراح الجاسوس الإسرائيلي جونثان بولارد. وتنقل الصحيفة عن رئيس المخابرات السابق يوفال ديسكين قوله في أحاديث مع أصدقائه إن الإفراج عن البرغوثي ممكن طبعا كخطوة في إطار مفاوضات مع الفلسطينيين. في المقابل يعتقد وزير الأمن المطاح به موشيه يعلون أن مكان البرغوثي هو السجن، متفقا بذلك مع رئيس جهاز الأمن العام «الشاباك» الأسبق عضو الكنيست آفي ديختر (الليكود).
وتابع «على مسامعي وصف سياسي إسرائيلي كبير البرغوثي بمانديلا الفلسطيني». ويرى فيه عضو الكنيست السابق حاييم أورون «مستقبل الشعب الفلسطيني . لهؤلاء جميعا قلت إن البرغوثي اقتنى قيادته بدم اليهود».
تراجع قوة عباس
وترجح صحيفة «هآرتس» أن يتفاقم الجدل في إسرائيل حول إطلاق البرغوثي بعد تنحي الرئيس عباس عن الرئاسة. وتعتقد الصحيفة أن الرئيس الفلسطيني فقد شعبيته في الشارع الفلسطيني. وتقتبس حتى يوسي بيلين الذي وقّع مع عباس اتفاق بيلين –عباس «قبل سنوات ويقول إن الرئيس الفلسطيني اليوم يحتفظ بحكمه كما في أنظمة معروفة أخرى بواسطة أوامر رئاسية وقوى أمنية مخلصة له وتضييق كبير على حقوق الإنسان. في المقابل تشير إلى شعبية البرغوثي كما تعكسها استطلاعات رأي فلسطينية تظهر أنه يتمتع بدعم واسع يتجاوز الـ 40 % بين الفلسطينيين. وتشير الصحيفة إلى أن البرغوثي حتى لو بقي كل أيامه بالأسر فإنه يطرح بديلا فكريا كاملا للرئيس عباس جوهره: مصالحة مع حماس، وقف فوري للتنسيق الأمني وقيادة السلطة الوطنية لاحتجاجات شعبية سلمية ضد إسرائيل ومقاطعة منتوجاتها.
انتفاضة سلمية
وتدعي الصحيفة الإسرائيلية نقلا عن موفد زار البرغوثي في سجنه قبل أيام قوله إنه يعارض انتفاضة السكاكين. وقال لـ «هآرتس» عبر مندوب خاص إن الانتفاضة الشعبية تعني مشاركة مئات الآلاف من كل الفصائل بما في ذلك حماس والجهاد. ويشير إلى حيوية الانتفاضة الشعبية السلمية المنهجة المثابرة بهدف إنتاج ضغط دولي ثقيل على إسرائيل حتى تعود لمائدة المفاوضات وتنهي الاحتلال. ويتابع «لدى الشعب الفلسطيني جاهزية للنضال وهو يحتاج من يقوده وما زلت مؤيدا جدا لتسوية الدولتين».
في المقابل تنقل الصحيفة عن الياس صباغ محامي البرغوثي قوله إن الأخير متشائم حيال انسحاب إسرائيلي قريب لعدم وجود ديغول إسرائيلي بعد.
كينغ وغاندي
ويوضح مدير نادي الأسير الفلسطيني المقرب من البرغوثي، فارس قدورة أن الأول يؤمن بطريقة عمل مارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي. ومن ضمن الوسائل النضالية التي يقترحها البرغوثي، حسب قدورة، قيام عشرات آلاف الفلسطينيين بسد الطرقات المركزية من الفجر حتى المساء ضمن هبة شعبية تشوش حياة المستوطنين. ويتابع «حسب هذه الرؤية يمكن للفلسطينيين أن يلعبوا شطرنج أو تنظيم حفلات زفاف في الشارع العام. وعلى رأي الصحيفة فإن قدورة قد قال إنه سمع كثيرين من قيادات حماس يؤيدون الانتفاضة الشعبية السلمية.
وتشير الصحيفة إلى النشاط الواسع لفدوى البرغوثي زوجة مروان في العالم من أجل إطلاق سراحه ولنجاحها بجمع تواقيع شخصيات عالمية حائزة على جوائز نوبل للسلام كالرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر. ويسمح اليوم لفدوى البرغوثي بزيارة زوجها مرة كل أسبوعين لمدة 45 دقيقة وهي عادة تحضر له ما يطلب من كتب. ويمضي وقته بقراءة حوالي 10 كتب كل شهر ويشاهد بعض البرامج التلفزيونية ويقدم محاضرات للأسرى ويمارس الرياضة يوميا في ساحة صغيرة. وبحسب وثيقة لاستخبارات سلطة السجون فإن البرغوثي يجري اتصالات مع شخصيات فتحاوية عبر محأمين ونواب عرب من فلسطينيي الداخل يقومون بزيارته، علاوة على تنظيم ومأسسة تعليم أكاديمي للأسرى في السجون.
هدية عودة
من هذه الكتب مذكرات نيلسون مانديلا للصحافي أنتوني سيمبسون أهداه إياه رئيس القائمة «المشتركة» أيمن عودة. ويوضح عضو الكنيست جمال زحالقة الذي زار البرغوثي قبل أسبوع أن الأخير يرى في تجربة «المشتركة» داخل أراضي 48 نموذجا ملهما لحركتي فتح وحماس تمهيدا للانطلاق بالانتفاضة الشعبية السلمية. وتنقل الصحيفة عن زحالقة قوله إن البرغوثي هو المرشح الأفضل للرئاسة الفلسطينية لحيازته عقيدة متنورة حيال حقوق النساء على سبيل المثال.
وتوضح فدوى أن ابنها البكر قسام الذي يعيش اليوم بين التحقيق وبين الاعتقال وبقية أبنائها لا يؤمنون بالدولتين إنما بتسوية الدولة الديمقراطية الواحدة. وعلى ذمة الوزير الأسبق حاييم رامون الذي ارتبط بعلاقات مع البرغوثي فإن الأخير قال له مرة إن اللاجئين الفلسطينيين لن يعودوا لحدود 48 عدا فلسطينيي لبنان لمواجهتهم مأساة غير محتملة. كما يقول رامون إن البرغوثي ناصب الكراهية للمستوطنين، وإنه توقف عن اللقاءات معه بعد مشاركته بالانتفاضة الثانية.
ويضيف «لا شك أن البرغوثي سيكون الرئيس الفلسطيني المقبل فهو مقبول جدا لدى حماس وعندما يتحقق ذلك سيُمارَس ضغطٌ دولي شديد على إسرائيل كي تطلق سراحه وستفعل ذلك» . وهذا ما يخشاه الدكتور ماتي شطاينبرغ مستشار أربعة رؤساء سابقين لـ «شاباك» بقوله إن إسرائيل على موعد مع وضع مشابه لوضع جنوب أفريقيا التاريخية: قائد فلسطيني في السجن. وهذا ما يحذر منه رئيس إسرائيل رؤوفين ريفلين متخوفا من ضغوط دولية واسعة بالمستقبل.
وتسترجع الصحيفة في ملف مطول في ملحقها سيرة ومسيرة البرغوثي وتقول إن أوساطا إسرائيلية اتهمته بقيادة الانتفاضة الثانية، وإن وزير خارجية إسرائيل وقتذاك شكاه على مسامع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات واقترح عليه نقل البرغوثي لألاسكا لعدة شهور كي يبرد».
وبعد اعتقاله قال البرغوثي خلال التحقيق معه بحسب «هآرتس» إنه خطط لانتفاضة شعبية سلمية لكن زيارة أرئيل شارون للحرم القدسي كسرت ظهر البعير وأشعلت انتفاضة مسلحة. موضحا أن العنف لم يكن سوى قرار تكتيكي وصولا للدولة الفلسطينية وليس هدفا. ويرجح أن الفلسطينيين لن يقوموا بانتفاضة ثالثة مشابهة لأنهم استعادوا كرامتهم الوطنية.
ويتفق يوسي بيلين مع رئيس الحكومة الأسبق إيهود باراك أن اعتقال ومحاكمة البرغوثي كانت خطأ فادحا بعدما تحول لمانديلا الفلسطيني في سجنه. وتنقل الصحيفة عن مصادر فلسطينية وإسرائيلية قولها إن البرغوثي رغب بترشيح نفسه للرئاسة غداة موت ياسر عرفات لكن زوجته فدوى وصديقه قدورة فارس منعاه من ذلك. ويقول قدورة إنه زاره عام في سجن بئر السبع ودار بينهما الجدل التالي:
قدورة : لنفترض أنك ستنتخب غدا رئيسا لفلسطين فماذا تفعل من زنزانتك في بئر السبع للشعب الفلسطيني؟
البرغوثي: وماذا سيفعل محمود عباس؟.
قدورة: لا أوهام لدي بأن أبو مازن سينجح في إقامة دولة فلسطينية لكن بمقدوره تصليح البيت بعد دمار الانتفاضة الثانية ومواصلة بناء المؤسسات. البرغوثي: تذكّر أن الإسرائيليين لن يعطوه شيئا ولن يمكنوه من أي إنجاز.
قدورة : لماذا؟
البرغوثي: عندما يذهب قائد مع خيار واحد لن يكون هناك سبب للإسرائيليين لأن يعطوه وأبو مازن ذاهب نحو الخيار الدبلوماسي والمفاوضات فقط. جربنا في الماضي كفاحا مسلحا دون مفاوضات ثم جربنا مفاوضات دون كفاح والحل بجمعهما. وتنقل الصحيفة عن يعلون قوله إن خليفة الرئيس عباس سيكون موظفا في السلطة يتم تعيينه تعيينا بدون انتخابات ويتوقع حالة فوضى في الضفة الغربية. وتنقل عن البرغوثي رفضه لانتخاب خليفة للرئيس عباس بالتعيين كما في دول عربية، مشددا على أن من يراهن على عدم انتخابه في انتخابات حرة فهو واهم. وكيف سترد إسرائيل على سيناريو انتخاب البرغوثي رئيسا ؟ الصحيفة تنقل عن وزير إسرائيلي قوله إن الحكومة لم تناقش بعد مثل هذا الخيار.