خبر : طبعة جديدة من رواية «الحياة بعد الموت» لإسكندر الخوري البيتجالي ..عادل الاسطة

الأحد 19 يونيو 2016 10:57 ص / بتوقيت القدس +2GMT
طبعة جديدة من رواية «الحياة بعد الموت» لإسكندر الخوري البيتجالي ..عادل الاسطة



ثمة أسباب عديدة تدعو إلى إعادة إصدار الأعمال الأدبية التي صدرت في فلسطين، قبل العام 1948، وفقد أكثرها أو غدا الحصول عليها أمراً صعباً، ومنها رواية الشاعر والكاتب إسكندر الخوري البيتجالي "الحياة بعد الموت" 1920، ومن الأسباب:
- تقدير كتاب تلك الحقبة، وهم المؤسسون لحركتنا الأدبية التي لن تنمو وتزدهر وتتطور دون اطلاع الخلف على نتاج السلف وتقديره ووضعه بين أيدي الدارسين، ليدرسوه في ضوء النظريات النقدية الحديثة، وليطبقوا عليه مناهجهم ونظرياتهم ومصطلحاتهم، علهم يكتشفون فيه ما لم يكتشف.
- إعادة النظر في الأحكام الأدبية التي أصدرها الدارسون السابقون الذين لم تتوفر لهم الأصول واعتمدوا على مراجع ثانوية، مكتفين، دون إرادتهم، بقراءة المراجعات النقدية التي أنجزها بعض الدارسين، كما هو الحال مع رواية خليل بيدس "الوارث" 1920، وهي الرواية التي عدها بعض الدارسين رواية مترجمة، علماً أن أحداثها تجري في القاهرة من ناحية، وأن بيئتها بيئة محافظة، لا بيئة غربية منفتحة. من ناحية ثانية
- الرد على الرواية الصهيونية التي تدعي أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، وحجة تلك الحركة أنه لو كان هناك، في فلسطين، شعب لكان له أدب. وكان أميل حبيبي قال في إحدى المقابلات التي أجريت معه: إنه تفرغ لكتابة روايته "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" 1974، ليرد على وزير المعارف الإسرائيلي (إيغال ألون) الذي اتكأ على المقولة الصهيونية وكررها، غير بعيد عن رئيسة الوزراء الإسرائيلية (غولدا مائير) التي ذهبت إلى أنه لا يوجد شعب اسمه الشعب الفلسطيني..
- إفادة الكتاب الفلسطينيين من جهود من سبقهم، لتلافي التكرار في الكتابة، في الموضوعات والشكل، ولمساءلة نتاجهم أيضا، حتى لا يكرروا مقولة "ما أرانا نقول إلا معاداً مكروراً".
إن اطلاعهم على نتاج من سبقهم يحول بينهم وبين التكرار، ويدفعهم إلى البحث عن جديد، من أجل التميز والاختلاف، وهذا سيثري الحركة الأدبية، وسيعفي كل من الناقد والقارئ والناشر من تبعات قد تسيء إلى الأدب وإليهم أيضاً، فلا يبذر هؤلاء وقتهم وأموالهم في طباعة أعمال لا تضيف أي جديد أو متميز.
ويحضرني هنا أخطاء وقع فيها دارسون، لأنهم لم يعودوا إلى الأصول، لعدم توفرها، أو لاعتمادهم على دارسين بدوا لهم موثوقين ودقيقين.
من ذلك مثلا ذهاب بعض الدارسين، في رسائل علمية، إلى أن رواية "مرقص العميان" هي لعارف العارف الفلسطيني، لا لعارف العارف اللبناني، وقد اكتشف هذا فاروق وادي في فترة متأخرة، حين التقى بابن عارف العارف اللبناني واعلمه أن الرواية لأبيه، لا للمؤرخ الفلسطيني، وكان وادي اعتمد على كتاب د. احمد أبو مطر "الرواية في الأدب الفلسطيني" 1980. والشيء نفسه يمكن قوله عن مجموعة خليل بيدس "مسارح الأذهان" 1924، حيث كان د. عبد الرحمن ياغي في كتابه "حياة الأدب الفلسطيني" يخلط بين كونها رواية ومجموعة قصصية، ولم يقر على رأي، ربما لأن مؤلف المجموعة كتب مقدمة للمجموعة عن فن الرواية.
*****
صدرت رواية "الحياة بعد الموت" في العام 1924، أي في العام الذي صدرت فيه رواية بيدس، ولكنها - أي رواية الحياة بعد الموت - لم تحظ باهتمام الدارسين حتى 80ق20، إذ تناولها بالدرس د.ابراهيم السعافين أولاً، وقد ظل الملخص الذي كتبه د. ناصر الدين الأسد، في كتابه "خليل بيدس رائد القصة العربية في فلسطين" لرواية بيدس الأساس الذي اعتمد عليه الدارسون، لغياب النسخة الأصلية للرواية وضياعها، لحين، بسبب النكبة. وهذا ما لم يتحقق لدراسة د. السعافين لرواية البيتجالي، لأنها صدرت في فترة متأخرة.
واعتقد أن إعادة طباعة الرواية سيمكن الدارسين من العودة إليها والإفادة منها، فالرواية تجري أحداثها في القدس وفي حلب وفي بعض مواقع القتال، في السويس وغزة و..و..، في الحرب العالمية الأولى، والرواية تعطي تصوراً، لا بأس به عن واقع بلاد الشام تحت الحكم العثماني، ما بين 1915-1918، وستكون البيئة الزمكانية ركناً أساساً لروايات عديدة أنجزت في 90ق20، مثل رواية زياد قاسم "الزوبعة "ورواية ممدوح عدوان "أعدائي" ولا شك أن قارئ الأدب ودارسه سيتمكن من إجراء موازنة بين رواية كان كاتبها شاهدا على أحداثها، ورواية كتبها صاحبها بعد مرور 80 عاما على أحداثها؛ بين رواية عاش كاتبها في البيئة التي يكتب عنها، ورواية لم يعرف كاتبها المكان الذي يكتب عنه معرفة دقيقة، وأخص هنا مدينة القدس.
*****
ولعل ما يلفت النظر في رواية "الحياة بعد الموت" هو تأثر مؤلفها بالآداب العالمية، مثل الأدب الروسي والأدب الفرنسي والأدب الانجليزي، فقد قرا (بوشكين) و(ليو تولستوي) و(وليام شكسبير ). وقد أشار إسكندر الخوري في المقدمة التي كتبها إلى هذه الأسماء، وحفلت روايته بشخصيات بائسة تذكر ببؤساء (فيكتور هوغو) الفرنسي، ولم يكن الخوري يرمي التقليد الحرفي، قدر ما أراد الكتابة عن واقع يحفل بالبؤساء أيضا، وهو واقع العرب تحت الحكم التركي في عقوده الأخيرة.
إن إعادة طباعة الرواية سيمكن دارسي الأدب المقارن من إنجاز دراسة مهمة في هذا المجال، وهو مجال لومس ملامسة في الأدب الفلسطيني، خاصة فيم يخص أدبيات ما قبل العام 1948، اذ لم يتعمق فيه.
إن جل الأدباء الفلسطينيين الرواد كانوا قرؤوا الأدب الروسي، وكانوا تأثروا به، من بيدس والخوري ونجاتي صدقي ومحمود سيف الدين الإيراني إلى عارف العزوني، وجل دارسي الأدب الفلسطيني، ممن درسوا البدايات، يعرفون هذا، ولكنهم لم يخوضوا فيه، لعدم توفر الأصول، واعتقد أن توفر النصوص سيسد هذا النقص وسيعوض ما غاب.
ولا أريد أن أخوض في جوانب أخرى مثل صلة كاتب الرواية بالتراث العربي وانعكاس هذا على لغته، وأسبقية المؤلف بالاهتمام باللغة ومقارنة هذا بجهود أميل حبيبي وآخرين.
مرة أخرى أقول: إن إعادة طباعة الرواية سيثري دارسي فن الرواية في الأدب الفلسطيني وسيفتح المجال أمامهم لمزيد من الدراسات.