كتب يوسف الشايب:
(...) وكثيراً ما يتقدم أسماء البعض في صفحاتهم الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي «الفيسبوك” وصفه لنفسه بالشاعر فلان، أو الشاعرة علانة، وكأنه تقرير إجباري منه أو منها بضرورة الاعتراف القصري به كذلك من الآخرين، كما يراه البعض، في وقت يرى آخرون أنه يولد كل يوم شاعر أو شاعرة أو كاتب أو كاتبة على هذا الكائن الأزرق المتجدد، حتى بات هناك “كتاب فيسبوك”، و”شعراء فيسبوك”، و”قصيدة فيسبوكية” تحولت معها أداة قياس الإبداع من القراءات النقدية وتحليل النص بما يشتمل عليه من جدة وعمق ومشهدية وغيرها، إلى عدد الإعجابات أو “اللايكات” بلغة الـ”فيسبوك”، وبهذا قد يكون، كما يرى البعض، لقصيدة بائسة عدد أكبر من المعجبين الافتراضيين، وربما أكبر بكثير من قصيدة غير بائسة، وسط جدل حول ما إذا كان الأمر وصل حدّ الظاهرة أم لا، وما إذا كان الـ”فيسبوك” محاولة للبحث عن فرصة في زمن “تسلط بعض الناشرين”، أو مساحة لاكتشاف مواهب حقيقية في الإبداع الكتابي، وخاصة الشعرأم نوعاً من الاستسهال واستدرار عطف العامة بـ”لايك” وعبارات إطراء قد لا تكون، أو غالباً ما لا تكون حقيقية، وما إذا بات “كل من هبّ ودبّ شاعراً او كاتباً بسبب الفيسبوك”، أم أن هذا “الأزرق” بات فرصة لاكتشاف مواهب دفينة أحياناً .. “أيام الثقافة” تفتح الملف المثير للجدل باستمزاج آراء شعراء وروائيين وكتاب قصة فلسطينيين حول «شعراء وكتاب وحتى نقاد الفيسبوك» وحول “القصيدة الفيسبوكية” و»النص الفيسبوكي».
دوامة
وقال الروائي أنور حامد: الفيسبوك في جوهره، كما بقية وسائل التواصل الاجتماعي، هو كسر لاحتكار سيطرة النخبة على النشر، وهذا سلاح ذو حدين طبعا. من جهة، هو يتيح لنا الاطلاع على نصوص فاخرة لكنها ما كانت لتصل الى المطبعة، ربما بسبب طابعها المتمرد على الأنماط الكلاسيكية التي تستهوي المحررين، وربما بسبب قصرها أو ربما بسبب تحررها من المحظورات الاجتماعية، او لصغر سن مبدعيها، وكثيرا ما ينظر الكبار لصغار السن باستهانة، ولا يمنحون نصوصهم حتى فرصة القراءة.
واستطرد: لكن طبعا مجانية النشر هذه تحمل في طياتها خطرا، وهو اختلاط الغث بالسمين، وما له من أثر على الذوق الجمالي العام، وعلى الإيغو الفردية للـ»مبدعين»، فالمتابع لما يجري على وسائل التواصل الاجتماعي سيرى حالة من التضليل في تقييم النصوص، التي يعبر قارئوها عن موقفهم منها باللايك، فتجد نصوصا بائسة تحصد مئات اللايكات، وأخرى راقية لا تحظى بأكثر من عشرين «لايكاً”، ويتوه الباحث عن الحقيقة في هذه الدوامة.
خطورة الاستسهال
بدوره بدأ الروائي أسامة العيسة حديثه في هذا الإطار بالقول: لنتفق أولاً بان الفيسبوك، وغيره من منتجات ثورة الانترنت، وضع، بالنسبة للكُتّاب، حدًا نهائياً للرقابة ولممنوعات المحرر الأدبي، وربما أيضا لمزاجه، وشلليته، وخياراته الحزبية، ولرؤاه الفنية، ووفرت فرصة أوسع للنشر، والتواصل، والترويج.
واستطرد: ما يشغلني، هل استفاد الكُتّاب العرب، من هذه الثورة، وكيف يتعاملون مع الفيسبوك؟ مقارنة مع الكُتّاب في بلدان أخرى، يمكن أن نرى كيف يُسَخرون هذا الفضاء لإبداعهم.. ربما هذا موضوع أخر يستحق البحث.
وأضاف العيسة: من حق أي كاتب، أو أي مواطن، استغلال الفيسبوك ليظهر مواهبه، وفي المجال الذي يرغبه، ومن ذلك كتابة الشعر، والخاطرة، والنقد، وغيرها من فنون إبداعية، ولكن ما ألاحظه، هو ما يمكن تسميته الاستسهال .. ويقع في فخ الاستسهال، أيضا كُتّاب مكرسون، بذهابهم إلى ملعب الهواة، فيكتبون مثلاً بلغة لا ترتقي للأدب، وهذا خطير، لأن هؤلاء يفترض أن يشكلوا ما يشبه القدوة، إن جاز التعبير، للكُتّاب الشباب، والخشية أن يقلدونهم.
وتابع: أعتقد أن الاستسهال بشكل عام، يشكل خطورة أولا على إنتاج الكاتب، وعلى تصدر أسماء معينة للمشهد الثقافي، يساعدهم في ذلك شيوع الشللية، التي تتكفل بجمع «اللايكات»، وربما تنظيم ندوات في البلاد، أو المشاركة في نشاطات أدبية في الخارج.
وشدد العيسة: أعتقد أن الأدب صناعة ثقيلة، وكل نص بالنسبة لكاتبه، أرى انه يجب أن ينظر إليه وكأنه “مسألة حياة أو موت» فيما يخص الدقة وتقديم الجديد ... عمومًا لا توجد قواعد معينة، يمكن أن ترشد الكُتّاب، أو الهواة، في كيفية استخدام الفيسبوك .. عن نفسي أتلصص على ما ينشر في صفحات تحمل أسماء كتاب عالميين، وأحاول الاستفادة.. علينا أن نستمر بالتلصص والاستفادة والتدرب والتعلم، باعتبار كل ذلك بحد ذاته قيمة، وعلى أمل أن يضيف لما نكتبه قيمة.
ليست ظاهرة
ورأى الشاعر عبد السلام العطاري أن الأمر لم يحصل حد وصفه بالظاهرة، وقال: المسألة تتعلق بنشاط الكائن الرقمي الموجود في الفضاء الالكتروني للتعبير عن حالاته .. يبقى هذا الكائن رقمياً بالنسبة للآخرين حتى يخرج إلى أرض الواقع، ويمارس تجربته الإبداعية على أرض الواقع، مع قناعتي بأن هذا الفضاء الالكتروني يبقى مساحة متاحة للجميع.
وأضاف: ولكن هذه الكتابة لا يمكن وصفها بالفرصة لمن لا يجد فرصة للنشر، فليس كل ما يكتب يستحق النشر، ولا أريد أن أفتح باباً جدلياً حول مسألة النشر في فلسطين والوطن العربي، والتي ساهمت بنوع من التخريب في المشهد الثقافي العربي، خاصة عندما يصبح من يكتب جملة أو اثنتين، أو عدداً من “اللايكات” مقترح شاعر أو روائي أو قاص، ويجد مساحة لدى ناشرين يتعاملون مع الأمور بعقلية التجار.
وشدد العطاري: من حق الجميع أن ينشر على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن حقنا تقييم ما ينشر، وليس صحيحاً أن الفيسبوك بوابة من لا بوابة له، بل للأسف الشديد بات بوابة للعديد من الناشرين، مستثمرين شغف أصحاب “اللايكات” في تحويل منشوراتهم الرقمية إلى نصوص بين دفتي كتاب.
وختم العطاري: باختصار الفيسبوك هو أحد المنابر الالكترونية تمارس من خلالها كائنات رقمية أنشطة رقمية أيضاً تحت مسميات مختلفة، وستبقى كائنات رقمية حتى تثبت إبداعاتها على أرض الواقع، ولا تكتفي بتهويمات وشطحات تسمى دون وجه حق إبداعات، وهذا لا ينطبق على المبدعين الحقيقيين القادمين من أرض الواقع إلى الفيسبوك.. هناك من بدأ كائناً رقمياً، وطور من نفسه، وأبدع خلال سنوات، وباتوا مبدعين حقيقيين، لكن ليس كل من كتب جملة أو حصد مئات «اللايكات» بات شاعراً أو روائياً أو قاصاً.
كل يوم شاعر جديد
وأشار الشاعر مهيب البرغوثي إلى أن «الكتابة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليس هي بالتحديد من يجعل الاستسهال سائد في الكتابة، ولكن المجاملة والرياء والمصالح هي من تقف وراء ذلك، بحيث أن تجربة أولى لشاعرة لا تكتب إلا شعراً رديئاً قد تجعل منها شاعرة بارزة، ولو لدى بعض المنافقين والمنتفعين، وهو ما يساهم في قتل روح الإبداع لدى الشعراء الحقيقيين من الشباب».
وأضاف: الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك وتويتر، هو أشبه بتمرين في الكتابة الذاتية .. لست ضد هذا التمرين الكتابي، ولست أيضاً من مشجعيه، لكن لكون بلادنا تفتقد إلا ما ندر إلى نقد حقيقي، فإن هذه التمارين الكتابية على فيسبوك وتويتر كفيلة بتفريخ شاعر أو كاتب كل يوم، بعد إنتاجات كتابية غير محددة الملامح .. هي كتابة عادة ما تكون نوعاً من أنواع “التنفيس” لنجد من يقول لصاحبها أنت شاعر أو كاتب أو روائي، أو هو يعتبر نفسه كذلك في بعض الحالات.
وختم البرغوثي: من يتشدق بالحديث عن كون النشر على فيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي قد يكون فرصة لمبدعين مغمورين، أنصحه بالنشر في المواقع الالكترونية، التي قد تعوض في البدايات مسألة النشر، مع أنني أرى أن خاصية الرائحة واللمس في الكتاب من أساسيات تكوين رؤية وذوق خاصين في مجموعة شعرية أو قصصة أو حتى رواية .. بالعموم، ومع فيسبوك على وجه الخصوص، يمكنني القول بأن هناك حالة من الاستسهلال وصلت حد الاستهزاء بالقارئ لدى عدد ممن يكتبون نصوصاً يطلقون عليها أسماء روايات، أو مجموعات شعرية، أو مجموعات قصصية.
ليست دور نشر
وفي هذا الإطار، قال الروائي عارف الحسيني: منصات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وغيرها ليست دوراً للنشر حسب رأيي، وهي منصات للتواصل الاجتماعي وليست مواقع متخصصة بالأدب والثقافة، بل وبالعكس في بعض الأحيان .. وهنا أود الإشارة الى نوعين من النشر عبر الفيسبوك، الأول: هو نشر النصوص غير المحكمة أو المنشورة مسبقاً عبر دور نشر على صفحات التواصل الاجتماعي، حيث لا أعتقد أن على الكتاب والشعراء الشباب حتى لو كانوا في بداية دربهم استخدام هذه المنصات لنشر أعمالهم، وذلك للعديد من الأسباب أهمها أن كل شاب حتى لو كان يملك الموهبة الحقيقية ينشر قصيدة أو نص أدبي على صفحته حال كتابتها أو حتى بمسودتها الأولى، فهو ينشرها لأصدقائه الحقيقيين أو الافتراضيين، وذلك لا يعني بأي حال أن لدى هؤلاء القدرة على التوجيه أو النقد أو ابداء الملاحظات والآراء التي تساعد في تطوير النص، فتنقسم ردة الفعل بين مؤيد ومعارض وبين منافق ومتربص دون مسوغات أدبية مهنية تجعل من هذا العمل أوذاك أفضل أو تغني الكاتب نفسه ليتطور بل يمكن أن تخلق كماً كبيراً من الأوهام.
وأضاف الحسيني: أما النوع الثاني فهو نشر نصوص أدبية وشعرية سبق تحكيمها ونشرها عبر دور النشر، ففي هذه الحالة تصبح منصات التواصل الاجتماعي اداة من أدوات الترويج للأعمال المنشورة ولها أثر كبير في تحفيز من تصله عبر صفحات الفيسبوك وغيرها أن يقرأ ويستمتع وربما يشتري ذاك الديوان أو تلك الرواية.
وختم: أنا شخصيا لا أنصح بالكتابة مباشرة على صفحات الفيسبوك، بل الأفضل أن يمر كل عمل أدبي بالمسيرة الطبيعية حتى يكتمل، ومن ثم الترويج له عبر أي منصة متاحة، وأهمها صفحات التواصل الاجتماعي كالفيسبوك.
إعجاب “بالقوة” وعلاقة تواطؤية
وللشاعر والقاص مازن معروف رأي مطوّل في “شعراء الفيسبوك”، و”القصيدة الفيسبوكية”، بقوله: تحول الفيسبوك كمنصة للشاعر وراءه جملة من الأسباب قد يكون أهمها عدم اهتمام دور النشر بالشعر قياساً بالكتب الأخرى، وحاجة الشاعر (كي لا نقول جوعه) لجمهور يتفاعل معه أو يفتعل معه ... الفيسبوك ميديا، والميديا لم تستحدث إلا لتستغل وتُستغل، وإذا كانت شريحة العامة (أو الجمهور) قد وطأت أرض الفيسبوك قبل أغلب الشعراء، وتنبهت له، كمساحة عرض و”تفاعل” و”تواصل”، فإن الشاعر، بإنزال صورته (مجازياً) في الفيسبوك والقبول به كفضاء تواصلي ضروري، يكون قد انساق إلى حيث يتواجد الجمهور، بدل التفرد في مساحة شعرية يفلش فيها صوته على الملأ ويستدعي جمهوره إليه بالتفاعل مع هذا الصوت، سلباً أو إيجاباً، ذلك أن أغلب بروفايلات الشعراء، تحولت في الفيسبوك إلى صفحات دعاية لقصائدهم، قصائد تبث على مدى الأربع وعشرين ساعة كشريط الأخبار، الذي يريدك أن تفجع لمحتواه، أو تذهل، وإن بالقوة.
وأضاف معروف: إن ما بين الشاعر وجمهوره أو قارئه، على الفيسبوك، هو نوع من العلاقة التواطؤية الإنتفاعية إلى أبعد الحدود، فالشاعر الذي يبتغي كسب تأييد لقصيدته عليه تأدية واجب اجتماعي، بأن يُعجب بدوره بما يخطّه القارئ أو الجمهور على فيسبوك، دون أن يرفقه بملاحظات أو إشارات أو أي درجة من درجات النقد. بذلك، يعطي الشاعر جمهوره، الشرعية في المقابل، كجمهور متخصص بالكتابة والأدب.. يعترف به كجمهور ممهور من قبله هو، الشاعر نفسه، ومن ثم يردّه إليه، وبالتالي، فإن المحافظة على هذا الجمهور، وصقله كمرجعية تقييمية هما في غاية الاهمية بالنسبة للشاعر، بحيث تصبح مرجعية هذا الجمهور الشاعر نفسه، وفي اتجاه معكوس تصبح مرجعية الشاعر الجمهور نفسه.
وتابع: من هنا، يصبح استمداد الشاعر لشرعية قصيدته منوطاً باعترافه بشرعية قصيدة القارئ، أي إنه كنوع من الصرافة، أو تبديل عملة بعملة أخرى، وبدوره لا يستطيع القارئ التعليق على قصيدة على صفحة الشاعر، بقوله صراحة أنها “لم تعجبني” أو أن يبدي ملاحظات نقدية.. سيورطه هذا في مشكلات مع القراء الآخرين، هذا إن لم تتفاقم المسألة بينه وبين الشاعر، أما أسباب هذا التراجع المفزع في التعبير عن الرأي صراحة، قد تكون بمجملها غير معروفة تماماً، إلا أنها تبقى في أحد جوانبها رهناً بالنفاق الذي يمارسه البعض سواء من هذه الجهة، أو تلك، فمن غير المنطق أن تكون كل التعليقات التي ترد أسفل قصيدة ما، مشتملة على عبارات تعني أن كاتب السطور مبدع، ورائع، ومتفوق، و و و.. بدون أن نلحظ اية إشارة نقدية، فإذا كان كل كتّاب الشعر على فيسبوك مبدعين، كيف نفسِّر إذاً تأخّر الشعر، واللغة، قياساً بالفنون البصرية أو السمعية الأخرى، بل وحتى تراجع القصيدة، على مستوى الصورة والدلالة والمعنى.
وأكد معروف: القصيدة الفيسبوكية (إذا صحت تسميتها) لم تتمكن حتى الآن من إثارة أي جدال ولا طرح نقاشات حول ماهية الشعر والأسلوبية، واحتمالية استنباط موقف شعري ما، أو كتابة مانيفستو، فردياً كان أو جماعياً، فيما يخص القصيدة. فهي قصيدة تُكتَب للإعجاب، لا للصدم، ولحشد الأسماء الإفتراضية حولها، وبالتالي، تنتهي صلاحيتها بانتهاء وقتها، حسب معروف، ومن هنا، يكون الشعر في فيسبوك قد تحول من مادة جمالية للمساءلة والاستفزاز والرفض وإعادة النظر “بـ”، إلى مادة للتسليم بأمر ما، تبث ساخنة، وسرعان ما تبرد، وهو ما يفقد القصيدة بعض قيمتها، إن لم نقل الكثير من هذه القيمة.. عجز قصيدة الفيسبوك عن توليد جدال، خصوصاً مع تكاثر الأدوات الشعرية والأساليب واحتمالات التعبير، يضعها كبرواز في حائط متأخر عن نوافذ ما نشتهيه. إننا نطل من نوافذنا القريبة، على نص هو في المقام الأول شعري، ومؤلفه شاعر، إلا أنه نص ينتمي إلى زمن أفل، وأسلوب كتابي مستعمل بكثرة وصياغات متعبة ومكررة، ولا جدوى من إعادة نبشه وابتذاله بهذه الطريقة، وبهذا المعنى، وعطفاً على ما نقوله، فإن قصيدة الفيسبوك لم تستطع اختراق الميديا الورقية، وهي الوسيط الأعلى قيمة من حيث رمزيته الحسية، وتاريخه أيضا وارتباطه بثقافات عدة تعاقبت ولعب فيها الورق دورا بارزا في إثرائها وتفعيلها.