بدافع الفضول، ولكوني معتقلًا سابقًا ومهتمًا بقضايا الأسرى؛ لفت انتباهي كلمة اعتقال على كتابٍ كان معروضًا في إحدى الجامعات يحمل اسم "معسكر اعتقال صوبيبور" للكاتب رمسيس عوض، وخلال مطالعتي لصفحات الكتاب قرأت عن قصص الإبادة لليهود في ألمانيا وأوروبا، وبدايات التفكير النازي للوسائل التي اتبعت لهذا الغرض.
قرأت عن قصة معسكر "صوبيبور" الذى سمّى على اسم القرية التي أقيم عليها هذا المعسكر في منطقة تقع على شريط "تشيلم فلودوفا" للسكك الحديدية على الحدود الفاصلة بين بولندا وقوميسارية أوكرانيا التابعة للرايخ الألماني، والتي وقع عليها الاختيار لتكون موقع معسكر للموت، وبدأ العمل لإنشاء المعسكر في مارس 1942، أي في الوقت نفسه الذى بدأت فيه عمليات الإبادة في معسكر اعتقال "بلزيك"، وقد تم احضار ثمانين يهوديًا من سكان المناطق المجاورة لبناء المعسكر، وبعد بنائه تم قتلهم جميعًا رميًا بالرصاص، ومن ثم تم إحضار مجموعة ثانية من يهود مقاطعة لوبلين لبناء غرف الغاز في مبنى متين من الطوب المقام على أساس من الخرسانة في منطقة معزولة في الشمال الغربي من المعسكر، وكانت كل غرفة تتسع لنحو مائتي شخص، وفي المقابل كانت هناك أبواب لإخراج الجثث ونقلها، وفي الخارج كانت هناك حظيرة فيها محرك "ماتور" يزود الغرفة بغاز الكربون مونوكسيد، وكانت المواسير تنقل الغاز من المحرك إلى داخل الغرفة.
وفي ابريل 1942 عندما شارف مبنى المعسكر على الانتهاء، أجريت فيه تجربة لمعرفة مدى نجاعته في القتل، فتم إحضار ما يقرب من 250 يهوديًا من معسكر العمل في كريشون القريب، وكذلك على نحو ثلاثين أو أربعين امرأة يهودية أرغمن على خلع ملابسهن بالكامل وتم تشغيل محرك الغاز، وبعد نحو عشر دقائق تحولوا جميعًا إلى جثث، وتم نقلهم من البوابات على ظهر شاحنة إلى حفر الدفن وتم حرقها في مكان بعيد، كما واستخدم الحراس الضرب والكلاب والتعذيب لعدد كبير جدًا ممن تم إحضارهم للإبادة في هذا المعسكر.
من غير الغريب أن نقرأ عن ممارسات النازية بما حملوه من أيدلوجيا عنصرية عكست نفسها على ممارساتهم خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها، ولكن الغريب جدًا والمستهجن وغير المستوعب وغير المنطقي على الإطلاق أن يقوم مهجرو تلك النكبات بما حملوه من ذكريات أليمة باستضعاف وظلم واحتلال شعب آخر، وارتكاب جرائم إبادة مماثلة تفوق بحجمها وشكلها ونتائجها ما تم ارتكابه بحقهم.
والشواهد لما ارتكبته العصابات الصهيونية قبل قيام دولة الاحتلال، وما قام به الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين كثيرة، لا تعد ولا تحصى، فعلى سبيل المثال لا الحصر مجزرة حرب 2014 على قطاع غزة، والتي استمرت 50 يومًا متتالية، وارتكاب عشرات المجازر على يد الجيش الإسرائيلي في خزاعة ورفح والشجاعية وبيت حانون وكل المناطق والمعسكرات، مجازر خلفت مئات الضحايا، غالبيتهم من النساء والأطفال وآلاف الجرحى وعشرات الآلاف من المشردين والبيوت المهدمة، وأشارت إحدى الاحصائيات إلى أن عدد الضحايا الإجمالي للحرب بلغ 2,147 شهيدًا، منهم 530 طفلًا، و302 امرأة، و23 شهيدًا من الطواقم الطبية، و16 صحفيًا، و11 شهيدًا من موظفي وكالة "الأونروا" التابعة للأمم المتحدة، وبلغ عدد الهجمات في هذه الحرب 8,210 هجومًا صاروخيًا، و15,736 هجومًا بالقذائف البحرية، و36,718 هجومًا بالقذائف المدفعية، وقد أدى هذا إلى تدمير 17,132 منزلًا، منها 2,465 منزلًا دمّر بشكل كلي، و14,667 منزلًا دمّر بشكل جزئي، إضافة إلى 39,500 من المنازل لحقت بها أضرار، كما تسببت الهجمات الإسرائيلية بتدمير 171 مسجدًا، دمّر 62 منها بشكل كلي، و109 بشكل جزئي، ووصل عدد المهجرين بلا مأوى جراء هدم منازلهم إلى 100,000 مهجر.
وأذكر بأن هذه الأعداد والقصص المأساوية المؤلمة سبقها مئات المآسي والأحداث والقصص من مذبحة دير ياسين وقبلها وبعدها لحتى اللحظة، وكل قصة منها تذكر بمعسكر "صوبيبور" وما ارتكبته النازية بحق الآخرين فيه وفي غيره من المعسكرات.