خبر : لماذا نلوم إيران ؟ عبد الغني سلامة

الأربعاء 03 فبراير 2016 09:30 ص / بتوقيت القدس +2GMT



في مقالتين سابقتين تحدثتُ عن البعد التاريخي والسياسي للعلاقات مع إيران، من منطلق ضرورة التمييز بين النظام والدولة (الشعب والإرث الحضاري)، وسأتناول هذه المرة بالنقد التجربة الإيرانية، ومحددات سياساتها الخارجية، مقارنة بالسياسات العربية.
على المستوى الداخلي؛ منذ أن استولى "الملالي" على الثورة الشعبية الإيرانية (1979) وحرفوها عن مسارها الاجتماعي السياسي، وحولوا الدولة إلى سلطة كهنوت؛ أخذت إيران تنحدر في أكثر من مجال: مصادرة الحريات، قمع الأقليات، تراجع دور النخب والطبقة الوسطى، تفشي البطالة والفقر، وانعزالها عن العالم حتى قبل أن يفرض عليها الحصار والعقوبات الاقتصادية. ورغم أن السلطة يتم تداولها من خلال الانتخابات وبصورة سلمية، إلا أن هذا لا يعكس أجواء ديمقراطية حقيقية.
على المستوى الخارجي، بدأت إيران مرحلة جديدة في علاقاتها مع جيرانها، فقد تغيرت مصادر التهديد للدولة والفرص السانحة أمامها، في عقد الثمانينات، لعبت "العقيدة" دور الركيزة الأساسية لرؤية إيران الثورية للعالم الخارجي، وارتبطت هذه الفترة بمبدأ "تصدير الثورة"، الذي عانت منه العراق ودول الخليج بشكل خاص. وفي مرحلة ما بعد "الخميني"، تركزت رؤية "رفسنجاني" على بناء الاقتصاد الداخلي وترميم ما خربته الحرب مع العراق، وأصبح الانفتاح على الخارج غاية هامة لجذب استثمارات أجنبية؛ وبهذا صارت سياسة إيران الخارجية أكثر براغماتية، وانتقلت من مرحلة ردود الأفعال إلى مرحلة صياغة خططها المستقبلية، وفي عهد "خاتمي" طرحت إيران مفهوم حوار الحضارات، وحاولت تحسين علاقاتها بالخارج بدءاً بالدول العربية. ولكن من المهم معرفة أن منصب "المرشد الأعلى" يظل أعلى منصب في اتخاذ القرارات الكبرى بشأن السياسة الخارجية، وبالتالي تشكل "ولاية الفقيه" أحد أهم محددات سياستها الخارجية.
في عهد "نجاد" المعروف بالزهد والتقشف، لم تتغير السياسة الخارجية كثيرا، ذلك لأن طبيعة تركيبة النظام الإيراني لا تعطي للرئيس هامشا واسعا للتغيير. خارجيا؛ أظهر تصلباً في الملف النووي، وعلى المستوى الداخلي حاول التركيز على دعم الفئات المهمشة. في عهد "روحاني" قدمت إيران تنازلات كبيرة في برنامجها النووي، فأفرغته من قوة الردع، وقلصت إمكانيات تطويره، وذلك مقابل الخروج من عزلتها، واستعادة نحو 100 مليار دولار من أرصدتها المجمدة، واستعدادها لمضاعفة كميات تصديرها من الغاز والبترول، واستئناف شبكة علاقاتها مع المصارف العالمية، وتمكنها من جلب استثمارات خارجية تقدر بنحو 50 مليون دولار، لتعزيز قدراتها الصناعية والتكنولوجية، وبالتالي تقوية مكانتها ودورها في الشرق الأوسط. البعض يرى أن نتائج ذلك كله سيدعم التيار الإصلاح في الحوزة الدينية التي ينتمي إليها "روحاني" على حساب تيار المحافظين المتشدد.
بخصوص علاقاتها بالقوتين العظميين؛ وثقت إيران علاقاتها مع روسيا، وتعزز التعاون الاقتصادي والعسكري بينهما من خلال عدة اتفاقيات حصلت إيران بموجبها على أسلحة دفاعية. وتشاركتا في كثير من الرؤى لمواجهة الهيمنة الأميركية على النظام الدولي الجديد، فتشابهت المواقف إزاء أوكرانيا ووسط آسيا، لما تشعران به من تهديد أميركا وحلفائها لأمنهما القومي، خاصة في حوض بحر قزوين، كما انعكس هذا التحالف على الوضع في سورية. أما على صعيد علاقاتها بأميركا، فقد استمر الخطاب العدائي بين البلدين، وقد تأثر الموقف الأميركي تجاه إيران بنفوذ اللوبي الصهيوني المعارض لأي تقارب بين البلدين، فاستمر الحصار الأميركي لإيران، رغم أنه أضرَّ بالشركات الأميركية نفسها؛ فوفقا لتقارير أميركية فإن 670 شركة أميركية تم منعها من التعاون مع إيران، وهذه الشركات فقدت مصالحها، وبالتالي فإن الاقتصاد الأميركي يفقد سنويا 19 مليار دولار، أما في العراق، فقد اتفق الطرفان على تقاسم النفوذ.
ولكن كيف كانت السياسة الإيرانية تجاه العرب ؟
تحتل دول الخليج العربي رأس سلم الأولويات في سياسة إيران الخارجية، تليها سورية وبلدان الشرق الأوسط، ثم حوض بحر قزوين. ومن هذا المنطلق، تغلغلت في أكثر من بلد عربي: في العراق نصّبت حكومات موالية لها. ومن خلال حزب الله، هيمنت على المشهد السياسي اللبناني، ومن جهة أخرى فرضت نوعا من القوة الرادعة في مواجهة إسرائيل. في فلسطين، دعمت حماس في صراعها مع السلطة، في اليمن دعمت الحوثيين ضد الحكومة المركزية، في السعودية والبحرين دعمت الجهات المعارضة. وفي سورية تدخلت بقواتها وأموالها لدعم النظام. وكانت عبر هذه التوجهات تنطلق – من وجهة نظر صنّاع القرار – من رؤيتها لتحقيق مصالحها وأمنها القومي، وهذا حق لكل دولة، لكنها استخدمت في سبيل ذلك سلاح الطائفية، وغيره من الأساليب اللاإنسانية، فاستغلت الأقليات الشيعية في تلك البلدان، أو تذرعت بدعم المقاومة. وفي المحصلة، نجحت في ما عجزت عنه إسرائيل في شق المجتمعات العربية على أسس مذهبية وطائفية.
بعد رفع العقوبات عنها، وتصفية مشكلاتها مع أميركا والغرب، زادت المخاوف العربية في أن يؤدي هذا التطور إلى مزيد من عدوان إيران على الأمن العربي، وتدخلها في الشؤون الداخلية العربية، واستعادة دورها القديم كشرطي للخليج، وحارس لمصالح الغرب على حساب الأمن العربي.
ولكن، قبل أن نلوم إيران، لنلم أنفسنا أولاً: الشعوب العربية التي انساقت بكل غباء للمصيدة الطائفية، الدول العربية التي ليس لديها أي سياسة خارجية، ولا تخطط، ولا تمتلك أي رؤية مستقبلية، والتي بدلاً من بناء تحالفات إستراتيجية مع إيران، إما تحالفت معها من موقع التبعية، أو تحاربت معها.
وإذا كان كلا الطرفين (العربي والإيراني) حريصان على تجنب الحرب، وليس من مصلحتهما تصعيد الخلافات؛ فإنه من الحكمة الشروع بحوار مفتوح، والوصول إلى تفاهم يجمع بين مصالحهما المختلفة، ويمد جسور الثقة المتبادلة، بدلا من إشعال الفتن وخوض صراعات جانبية في بين السنة والشيعة، المستفيد الوحيد منها إسرائيل.