خبر : وداعاً سمير القنطار ...ريم رفعت النمر

الأحد 27 ديسمبر 2015 10:04 ص / بتوقيت القدس +2GMT
وداعاً سمير القنطار ...ريم رفعت النمر



في العام 1979، قام زوجي، الشهيد أبو العباس، بالتخطيط لعملية اطلق عليها اسم «جمال عبد الناصر» ردّاً على اتفاقية السلام المصريّة الإسرائيلية المبرمة قبل بضعة اشهر بين ميناحيم بيغن والرئيس المصري أنور السادات. تمّ تنفيذ هذه العملية العسكرية على يد أربعة من المغاوير الشجعان الذين انتقاهم أبو العبّاس بمنتهى التأني وكانوا ثلاثة من سوريا هم عبد المجيد أصلان من حماه، ومحمد علي من السويداء، وأحمد الأبرص من اللاذقية، فيما كان رابعهم، وهو قائد المجموعة، الشهيد سمير القنطار الذي لم يكن حينها قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، وهو الذي عرفه العالم لاحقاً بعميد الأسرى العرب في السجون الإسرائيلية.
في ظل قيادة أبو العباس لـ «جبهة التحرير الفلسطينية» في السبعينيات من القرن العشرين، كان تدفق الشباب من مختلف البلاد العربية للانضمام للجبهة أمراً مألوفاً، يشبه إلى حد بعيد تدفق الشباب للانضمام إلى حركة «فتح» في نهاية الستينيات. كان أبو العبّاس حريصاً على إفساح المجال أمام الشبان العرب من مختلف الجنسيّات للانضمام للجبهة، من بينهم الشهيد والصديق سمير القنطار. كما نعلم جميعاَ، فإن سمير اعتقل بسبب عملية «جمال عبد الناصر» وأمضى قرابة الثلاثين عاماً في سجون الاحتلال الاسرائيلي ليخرج في صفقة تاريخية العام 2008، بعد أربع سنوات من وفاة أبو العباس شهيداً في سجون الاحتلال الأميركي للعراق.
لم يرَ أبو العباس سمير بعد العام 1979، لكنه كان دوماً يذكره بإعجاب بالغ، كفتىً شجاع ومقدام لا يهاب الموت، مخلص كل الاخلاص لقضيته ووطنه. بعد وفاة زوجي العام 2004، لم ينقطع سمير القنطار عني يوماً. كان يتواصل معي بشكل دوري من داخل سجنه الإسرائيلي، يسأل عن أحوالي وعن اولادي بوفاء نادر. رأيته مراراً في بيروت بعد خروجه من المعتقل وأهداني نسخة موقعة من مذكراته وأنا اكتب سيرة ابو العباس للاستئناس بها عند كتابة فصل عن «عملية جمال عبد الناصر». حزنت ولكني لم أفاجأ عند سماع خبر استشهاده بغارة اسرائيلية يوم الأحد الماضي في حي جرمانا قرب العاصمة السورية دمشق. كان بوسع سمير القنطار أن يتقاعد بعد خروجه من السجن وأن يلتفت لأسرته الصغيرة. فقد ادى دوره النضالي أحسن اداء ولا أحد كان سيطالبه بالمزيد. لكنه قرر أن يعود الى محور المقاومة، مثل أي فارس مؤمن بقضيته، عبر الجولان السوري المحتل، ليُقتل على يد العدو مثله كما قتل أبو العباس من قبله والأصدقاء أبو جهاد وابو اياد وأبو حسن سلامة ووديع حداد وعاطف بسيسو وغسان كنفاني والرئيس ياسر عرفات نفسه، رحمة الله عليهم أجمعين. لم أفاجأ باستشهاد أي منهم ولا باستشهاد سمير، فعدوهم كان واحداً ومصيرهم كذلك. حزنت عند مشاهدة الأخبار في الأيام الماضية عند تناول تاريخ سمير القنطار من دون أي ذكر لأبو العباس، وكأن قراراً عربياَ سرياً قد اتخذ بشطب هذا الرجل من كتب التاريخ. لكن كل هذا ليس مهما الآن، فأبا العباس باقِ في قلوب كل من عرفه وعمل معه، وهو حيٌّ في ذاكرة الشعب الفلسطيني. أذهلني أكثر تعامل بعض الكتاب العرب وأشباه المثقفين السوريين مع خبر استشهاد سمير القنطار. بعضهم وصفه بالقاتل الشرس والبعض الآخر هلل لموته وللعملية الاسرائيلية، واضعين أنفسهم في خندق واحد مع العدو الإسرائيلي.
هذا الكلام عيب ومرفوض، أخلاقياَ ووطنياَ، وهو خير دليل أن اسرائيل نجحت بالفعل بغسل عقول شبابنا وابعادهم عن بندقية المقاومة، لتصبح رمزاً بائداً لعصر مضى. لو كان أبو العباس على قيد الحياة لكنا فتحنا دار عزاء في بيتنا لسمير القنطار، ولكان زفّه شهيداَ بطلاً للمقاومة الفلسطينية. رحم الله زوجي وسمير القنطار وجميع من اختار المقاومة طريق حياة ونهجاَ سياسياً نضالياَ لنصرة سوريا ولبنان وفلسطين المحتلة.

زوجة الراحل أبو العباس، مؤسس «جبهة التحرير الفلسطينية» التي نفذت «عملية جمال عبد الناصر»

عن السفير