في إحدى شوارع المدينة الساحلية مستغانم (غرب الجزائر) تحاول 4 فتيات مراهقات أن يعشن حياتهن في يوم جديد، الصورة التي تلتقط تحركات المراهقات ومن حولهن العالم يتحرك لا تنفي فيه الكاميرا حقيقة الواقع الجزائري، يظهر الجميع في مشاهد توثيقية “بلا ماكياج”، فالمدينة التي تعيش صخب هذه الحياة لا يبتر عيشها سرقة قلادة فتاة أمام أعين الجميع دون أن يتحرك شخص واحد لنجدتها وهو الواقع الذي بات عادة في الجزائر العميقة في فيلم “السيدة الشجاعة” الذي يتنافس على جائزة مهرجان عنابة لسينما المتوسط.
تنجو سلمى من تداعيات السرقة ورغم أن القلادة تمثل ذكرى والدتها الميتة فإن نجاتها من الموت على يد هذا السارق بمثابة “منحة” لحياة جديدة إلى حين.
لا أحد كان يتوقع أن السارق الذي وقعت عيناه على ملامح تلك المراهقة (سلمى) سيقع قلبه في حبها أيضا، فيقرر إرجاع القلادة للفتاة بعد أن يلحقها وهي متوجهة إلى البيت.
يلتزم البطل الرئيسي عمر (جميل عدلان) الصمت طيلة عمر الفيلم، لكن هذا لا يمنع من فهم الأحداث الجارية بتفاصيلها الدقيقة، فالبطل السارق الذي يبحث في كل مرة عن فريسة له في أحياء المدينة يبحث أيضا عن ابتياع ما يحتاج إليه ذهنه، أقراص مهلوسة تمنح الشجاعة وعدم الخوف يطلق عليها “السيدة الشجاعة”، حبة واحدة تدخل البطل في زمن آخر من الانتشاء إلى حين عودته إلى بيته في الحي العشوائي المجاور لعمارات الحكومة قيد الإنشاء.
الرذيلة والإدمان وصوت الأذان
في هذا البيت العشوائي الذي يحتضن أمه وشقيقته يبدو فيه الجفاء سيدا لا نظير له، بيت تمارس فيه شقيقته الرذيلة عبر الإنترنت على أصوات شيوخ القرآن والخطابة الدينية المنبعثة من جهاز التلفزيون الذي تشاهده والدتها.
يثير هذا الفيلم الكثير من التوافق والانسجام بينه والجمهور الحاضر بقوة لمشاهدة “السيدة الشجاعة” التي تم عرضها من قبل في مهرجان إسرائيلي، وعلى عكس كل أفلام علواش التي تثير الكثير من ردود الأفعال السلبية على الأقل هنا في الجزائر بسبب اجتهاد علواش في تقديم تلك الصورة السلبية عن الوطن بشيء مبالغ فيه أكثر من الكثير لكن “السيدة الشجاعة” نجحت إلى حد بعيد في ذكر الحقيقة بكل حيثياتها رغم أن العمل لا يلزم ذكر الواقع بل ويفتح المجال للمخيال أيضا.
وأمام استمرار الحياة يتسمر عمر بمحاذاة شقة محبوبته سلمى في كل مساء، ولا يزعجه تعرضه إلى الضرب المبرح من طرف شقيقها ولا أكوام النفايات التي تمر بجنبها شاحنة النظافة ولا تنظفها.
وبدون سبب يحاول علواش اللعب كثيرا على الجانب الديني في حياة الجزائريين، فيُلزم سلمى وضع خمار على رأسها في منتصف الفيلم الذي يُكثر فيه من رفع سماع الأذان في هذه الدولة التي تدين بالإسلام وتعيش بالإجرام.
انتقام “السيدة الشجاعة”
تتعرض شقيقة البطل الرئيسي إلى اعتداء عنيف من طرف عشيقها وعرّابها (محمد تيكارت) لأن العشيقة لم توقع إلا خمسة زبائن في الليلة الواحدة فقط بينما أوقعت صبية أخرى 50 زبونا فيقرر شقيقها عمر الانتقام بابتياع ساطور يقضي به على رجولة العرّاب، الذي لم يستطع إلى حد ما من الخروج من قالبه المسرحي في تجربته السينمائية الأولى.
في “السيدة الشجاعة” الكثير من العفوية التي أغرقت الحاضرين في دوامة التفاعل بالضحك حتى الأجانب فعلوا ذلك، لكن السياسة هي سيدة الموقف حين تفرض الدولة مشاركة القاطنين في الأحياء العشوائية في الانتخابات مقابل منحهم حقهم في السكن.
ومن السرقة إلى الإدمان إلى الإجرام يصبح الساطور رفيقا لـعمر الذي يقرر وضع حد لحياة شقيق محبوبته سلمى الذي أبرحه ضربا بسبب ملاحقته لشقيقته، التي يبدوا أنها وقعت أيضا في حب هذا البطل الذي لا يبالي بأحد يراه غارقا في النوم فوق كومة القمامة مستمتعا بأحلامه الوردية الجميلة.
لا تنته قصة الفيلم عند علواش فقبل أن تطلع شارة النهاية تأكد علواش من ترك البطل نائما أسفل درج عمارة التي تقطن فيها محبوبة وبجواره ساطور كان ينوي تفصيل جثة شقيقها.
علواش يقنع الجزائريين
ولأن علواش بدهائه يعلم جيدا هذه المرة أن فيلمه لا يمنح الحلول لواقع يحتفظ بمشاهده في “السيدة الشجاعة” التي تسيطر على عقول شريحة كبيرة من الجزائريين الهاربين من بؤس عيشهم بسبب من يحكمهم، فإن شارة نهاية الفيلم لم تظهر إلا بالرضى التام من هذه الرؤيا التي قد لا تُرضي الجميع لا لأنها مزيفة بل لأن الجميع مقتنع بأنه واقع حقيقي لم يضع فيه علواش أي “مساحيق للمزايدة”.
يعتبر مرزاق علواش الذي شارك في مهرجان إسرائيلي أنه ساند السينما الفلسطينية بفيلم له منحه دعما لمجموعة شباب فلسطينيين لكن هل يمنح له الحق في المشاركة في إسرائيل؟هنا يمتنع عن الإجابة.
في أغلب أفلام علواش سلبية مطلقة ونظرة متشائمة لجزائر الاستقلال، يعتبرها علواش “نضال من أجل جزائر يريد لها الأفضل” ولا يجتهد علواش في وضع الديكور بل يقوم بتصوير كل أعماله بديكور واقعي لا يزينه، فالمخرج “ليس مجبرا على تنظيف المدينة من القمامة لأنها ليست مهمته”.
تنتهي السيدة الشجاعة ويترقب الجميع القادم من أعمال علواش لكنه يرد “السيدة الشجاعة آخر أعمالي لأني سأعتزل” قالها بتردد كبير.