غزة سماقال الدكتور أحمد يوسف القيادي في حركة حماس ، ورئيس مجلس إدارة بيت الحكمة ، أن زيارة الدكتور سلام فياض رئيس مجلس الوزراء السابق ، الى قطاع غزة ، كانت زيارة استكشافية ، ولتبادل الرأي حول كيفية الخروج من الأزمات الوطنية ، وتحريك سفينة الوطن الى بر الأمان
وقال يوسف في مقالة كتبها، "شهادة للتاريخ، كان موقف الحركة هو الترحيب بالرجل، برغم تحفظ بعض قياداتها وأبنائها بسبب المظالم التي ارتكبت بحق الحركة" وأضاف يوسف "ولكن تفهماً من القيادة، وقطعاً لدابر القول بأن حماس تستفرد بالقطاع، وحرصاً على التواصل مع إخواننا في الضفة الغربية، وسد الطريق على كل من يريدون تأبيد الانقسام، فقد نظرت قيادة الحركة للمسألة من باب أن د. فياض في المقام الأول فلسطيني، ونائب في المجلس التشريعي، وشخصية اعتبارية يمكن أن تصل لها جسورنا، وهو رجل تعاملنا معه في حكومة الوحدة كوزير للمالية ولم يكن موضع خلاف
وأكد أنه أجرى اتصالات مع جميع الأطراف لإنجاح الزيارة وتحقيق الغرض المرجو منها "لما يحمله فياض من أفكار يمكن مناقشتها لإنهاء الانقسام".
وفيما يلي تصريح الدكتور يوسف كاملا ومفصلا :
"باختصار: كانت زيارة د. فياض إلى قطاع غزة هي لإلقاء نظرة تفقدية على ما جرى فيه، وكيف يمكننا البدء ببعض المشاريع للتخفيف عن معاناة أهله، والثانية للحوار وتبادل الرأي للتوافق على مواقف وسياسات للخروج من المأزق واجتماع الصف، وتصويب بوصلتنا النضالية لاستثمار ما أنجزناه، ومواجهة المحتل بقوة ونديِّة وليس بوضعية الاستسلام والدونية.
وأضاف يوسف:" لذلك، كانت تلك اللقاءات التي جرت مع الجميع، ولم تستثني أحداً من القوى الوطنية والإسلامية، والتي نأمل أن تتوسع حواراتها وتتعمق في المستقبل القريب، كي نصل بسفينة الوطن إلى شاطئ الراحة وبر الأمان".
"
بودي بداية أن أتوجه بخالص الشكر للأخ د. سلام فياض لشجاعته وصبره على الآخرين، وأدبه في الخطاب معهم، والتي برزت جميعها خلال زيارته الأخيرة إلى غزة، والتي تشرفت مؤسسة بيت الحكمة بالترتيب لها واستضافة فعالياتها. إننا في بيت الحكمة نؤمن أن تلك الزيارة الناجحة هي استحقاق قديم، وواجب متأخر على الرجل؛ بصفتيه كرئيس للوزراء، وكشخصية وطنية رفيعة. لقد كانت غزة عظيمة بأهلها، وأنصتت للضيف وحاورته، ثم غادر كما دخل معززاً مكرماً.
منذ أن تمَّ الإعلان عن زيارة د. سلام فياض إلى غزة، بدأت تنهال علينا التساؤلات، بين مستطلعٍ لصحة الخبر، وبين راغب في معرفة أسبابها ودلالة توقيتها، فهناك من اعتبرها خطوة جريئة في الاتجاه الصحيح، وهناك من كانت له وجهات نظر أخرى.
حاولت في البداية توضيح الأمور، بأن الزيارة تسعى لإجراء حوار فكري في الهمِّ الوطني العام، والاطلاع على ما يطرحه د. فياض من أراء للخروج من المأزق السياسي والحالة الكارثية التي يمر بها الوطن. فبدلاً من اقتصار طرحه على مقال في صحيفة قد لا يلتفت له الكثير من الناس، وتضيع قيمة الفكرة، فلا بدَّ من ابقائها معروضة للتداول، وذلك عبر جلسات مفتوحة للحوار مع جمهور النخبة من الكتَّاب والمحللين، والمهتمين من رجالات الفصائل والشخصيات الوطنية والإسلامية.
منذ البداية، حرص د. فياض على أن تبقى الزيارة دون ضجيج إعلامي، وهو معني برؤية عدد محدود من الشخصيات الوطنية والإسلامية، التي يمكن أن يطرح عليها مبادرته وأن يتبادل معها الرأي والمشورة .
أجرينا اتصالاتنا مع الجميع لإنجاح الزيارة، وتحقيق الغرض المرجو منها، وذلك بالاستماع لما يحمله من أفكار ونقاشات حولها، حيث إننا نتطلع إلى كل صاحب رؤية ورأي، يمكن أن يسهم في بحثنا الدائم عن القنديل، الذي قد يبدد ضياؤه ظلمة النفق، ويدلنا على الطريق.
نحن من طرفنا نعلم أن الرجل كسياسي له وعليه، وأن زيارته لن تمضي بدون جدل حولها، فالرجل له مكانته وتاريخه السياسي، وهو معروف بعلاقات الدولية الواسعة، ويحظى باحترام لدى الكثير من المؤسسات الأهلية ومراكز الدراسات في الغرب، كما أن مشاركاته الدائمة في اللقاءات الفكرية والندوات التي تعقدها تلك المحافل للحديث عن الأوضاع السياسية في فلسطين، وعن جوانب الصراع مع الاحتلال لم تتوقف، والرجل يمتلك من لغة الخطاب السياسي الكثير، حيث إن حضوره يلقى استقبالاً وتقديراً خاصاً في تلك الدوائر والمؤسسات الغربية. وقد تفرغ - بعد تقديم استقالته من الحكومة - بكامل طاقته إلى العمل في مؤسسة "فلسطين الغد"؛ وهي مؤسسة ترعى الكثير من المشاريع الخيرية والتنموية داخل القدس والعديد من المناطق المحتلة، التي تفتقر للبنية التحتية، بهدف تعزيز صمود الفلسطينيين وتثبيت على أرضهم.
صحيحٌ، وكما توقعنا، فقد ثار حول الزيارة الكثير من اللغط الإعلامي، فيما اعتبرها البعض تدشينا لانطلاقة سياسية جديدة له بعد مرحلة من الصمت التزم فيها بألا يفضي بشيئ.
سلام فياض: الرؤية والأمل
في مقالين تمَّ نشرهما على فترتين متباعدين، أحدهما بعنوان: "سعي الفلسطينيين للدولة يبدأ من غزة"، والأخر "وداعاً للبكائيات"، أشار فيهما د. فياض إلى أنه جاء الوقت لننهي البكائيات، والدخول الى ميدان العمل الحقيقي، وأن العمل يجب ان يبدأ من غزة، وأنه لا فائدة من تجريب المجرب، ويجب الابتعاد عن الحلول حمالة الأوجه، حيث إن المطلوب - الآن - هو التداعي لعقد الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وتوسيع رقعة المشاركة، وعقد المجلس الوطني بمشاركة الكل الوطني، وإعادة التأكيد بأن المنظمة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.
ويرى د. فياض بأنه يجب التعامل مع الاحتلال الاسرائيلي بندية وليس بثقافة السادة والعبيد، وإن هذا يتطلب أن نقر لبعضنا البعض بالاختلاف، وأن لا نتصارع عليه، وأن نعمل على تعزيز الصمود المقاوم لأهلنا، كما يجب التحرك من أجل تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك باستدعاء عليِّة القوم في السياسة، ليتحملوا مسئولياتهم كاملة، إذ ليس من المقبول أن نبقي واقعنا على حاله ونلعن الظلام، إن الواجب يفرض علينا – اليوم قبل الغد - أن نتحرك بشكل فوري لتغيير هذا الواقع.
هذه هي ملامح ما ينادي به د. فياض ويبشر به، قد يكون واقعياً وقد يكون غير ذلك، فالرجل لم يطق الجلوس متفرجاً فيما الوطن مرجل يغلي، ويعيش سياسيوه في مأزق قاتل، وفيما الحراك الشعبي يرسل ومضاته كذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
هذه الزيارة، وهذا الخطاب، إنما هي محاولة لوضع النقاط على الحروف، ومدِّ اليد باتجاه غزة التي كانت دائماً - وما تزال - رافعة المشروع الوطني.
كانت قناعتنا ولا زالت أن الرجل لديه ما يقوله، وهو لم يكابر ويدافع عما وقع من أخطاء، فهو لم يكن طرفاً في أحداث الانقسام المأساوية التي وقعت في يونيه 2007م، والتي لم يسلم فيها طرف من الاجتهادات الخاطئة، أما الفترة التي أعقبتها فقد كانت هي امتداد لتلك الأخطاء، والتي ما زلنا ندفع أكلافها الغالية حتى يومنا هذا. لقد جاء الى منصبه مكلفاً في المرحلة التي أعقبت محنتنا الوطنية، وصار د. فياض رئيساً للوزراء بعد أن تشظى الوطن وصار لنا حكومتان، فيما استمرت سطوة الأجهزة الأمنية وتغولها على جهات المعارضة ومؤسساتها الأهلية، وارتكبت كل المحرمات في ظل عجز المؤسسات الرسمية، وغياب الرجل الرشيد.
ولذا فلا يمكن لأحد كان في السلطة أو موقع القرار – آنذاك - أن يُعفى منها. وبلا شك، سيأتي اليوم الذي تفتح فيه صفحات تلك الحقبة من خلافنا السياسي، وسيكون فيها حال كل هؤلاء محكوماً بقوله تعالى "وقفوهم إنهم مسئولون"، ليعرف الفلسطينيون من هو الذي كان يقف خلف كل ما جرى، هل هو طرف واحد أو عدة أطراف؟ هل هي جهة فلسطينية أم مخططات إسرائيلية؟ وهل ما وقع كان كيداً في سياق خصوماتنا السياسية أم هو أكبر من ذلك، وتقف خلفه جهات دولية؟
لقد أكد د. فياض في مداخلاته في غزة بأن هناك أخطاء وقعت، وقد ولغت فيها أطرافاً عدة، وإذا فتحت العدالة أبواب موازينها الحق، فإنه جاهز للمسائلة وتقديم الشهادة.
حركة حماس: الموقف من الزيارة
شهادة للتاريخ؛ لقد كانت قراءتي لموقف الحركة هو الترحيب بالرجل، برغم تحفظ بعض قياداتها وأبناؤها بسبب المظالم التي ارتكبت بحق الحركة، وتمَّ الكثير منها في عهد حكومته، ولكن تفهماً من القيادة، وقطعاً لدابر القول بأن حماس تستفرد بقطاع غزة، وحرصاً على التواصل مع إخواننا في الضفة الغربية، وسد الطريق على كل من يريدون تأبيد الانقسام، فقد نظرت قيادة الحركة للمسألة من باب أن د. فياض هو في المقام الأول فلسطيني، وثانياً؛ هو نائب في المجلس التشريعي، وثالثاً؛ هو شخصية اعتبارية يمكن أن تصل لها جسورنا، ورابعاً؛ هو رجل تعاملنا معه في حكومة الوحدة كوزير للمالية ولم يكن موضع خلاف.
لقد أكبرت في قيادة الحركة موقفها، وشعرت بالارتياح لارتفاع منسوب الوعي والمسئولية لدى كوادرها، فنحن كأبناء وطن واحد ومن أجل ترميم بيتنا السياسي علينا أن نتغافر، وأن تجد أيدينا طريقها للعمل معاً، حيث الكل يتربص بنا الدوائر، وإذا لم يجتمع الشمل وتتوحد القلوب وتأتلف، فإن وجودنا سيصبح موضع تساؤل وتهديد.
إن رؤية د. فياض السياسية مفادها هي العمل من خلال منظمة التحرير باعتبارها الممثل الذي يحظى بشرعية عالمية، ولكن مواقف المنظمة يجب أن تمثلنا جميعاً، حيث ما نتوافق عليه في الإطار القيادي المؤقت، وليست عنواناً باهتاً يتم توظيفه بدون مرجعية وطنية وإسلامية.. إن ما يطرحه د. فياض هو خطوة في اتجاه الشراكة السياسية والتوافق الوطني، مع احترام لتعدديتنا السياسة، ولكن بإجماع واجتماع حول السياسات والمواقف.
باختصار: إن حركة حماس برغم أنها مجروحة وكوادرها متألمة من تجاوزات تلك المرحلة ومظالمها، إلا أنها كانت متفهمة لطبيعة الظروف التي كانت سائدة، ولجهات المكر التي تقف خلفها.
الشارع والنخب: وجهات نظر مختلفة ومتعددة
مع الزيارة الخاطفة لقطاع غزة، والتي سمعنا لها تحليلات وتفسيرات متفاوتة، بعضها كان منطقياً وأصاب كبد الحقيقة، وبعضها كان طيشاً وهوساً، حيث سمح البعض لخياله أن يدعي ما يشاء بلا بينة أو برهان.. بالطبع، صدرت تصريحات لم تكن موفقة من بعض الأطراف، وكان واضحاً أن وراءها جهات مغرضة لا تمثل حالة إجماع، كتلك التي صدرت باسم حركة فتح على لسان أسامة القواسمي، وكانت هناك ردود عليها من شخصيات في الحركة تقول أن هذا البيان لا يمثلها.
وعلى ساحة العديد ممن تحدثوا وكتبوا عن الزيارة، فقد كانت هناك واقعية في الخطاب، باستثناء حالات بالغت في الإساءة لأسباب لها علاقة بالوطنية الكاذبة، التي يلتحفها البعض أحياناً.
لقد كتبت أقلام أجد نفسي أحترم تحليلاتها للزيارة، وأتفهم ما قالته سلباً أو إيجاباً؛ لأنها صاغته بلغة الوعي والأدب.. ولقد ارتأيت أن أقدم بعضاً من هذه المداخلات، التي رأيت فيها معرفة تفيد وفي سطورها قول رشيد، وأن أدع منها تلك التي فيها الكدر؛ لأن ذلك في الحقيقة هو ما يمكث في أذهان الناس، ويلتصق بالمرحلة، وأما نفاق البعض ولغطه فهو كالزبد يذهب جفاءً، ويتم نسيانه بعد حين.


