غزة / سما / أحيا مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق الذكرى الخامسة لرحيل المناضل القومي والوطني المفكر عبد الله الحوراني "أبو منيف" مؤسس المركز، في احتفال جماهيري حاشد ضم شخصيات سياسية وكتاب وأكاديميين وباحثين وإعلاميين وصحفيين ومخاتير ووجهاء، وذلك في قاعة مركز الحوراني بغزة.
افتتح إحياء الذكرى الكاتب والباحث ناهض زقوت مدير عام مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق بالترحيب بالحضور وبقراءة الفاتحة على روح المناضل عبد الله الحوراني وعلى أرواح شهداء فلسطين والأمة العربية. ثم أعطى الكلمة للدكتور كمال الشرفي رئيس مركز عبد الله الحوراني عبر الهاتف ليستذكر سيرة الراحل الكبير فقال: تحية للحضور لتلبيتهم الدعوة التي تشير إلى تقديركم ووفائكم لمن أعطى وقدم لهذا الوطن. وفائكم لابو منيف الذي غاب بجسده وبقي بعطائه وبأفكاره ومبادئه التي نسترشد بها في مسيرتنا الطويلة وبها نستكمل ما بدأه أبو منيف ككل القادة العظام الذين سبقونا وأسسوا بنيانا ستقام عليها الدولة الفلسطينية.
وأضاف د. الشرافي هذا القائد والمفكر ابن المسمية مر على غيابه خمس سنوات ولكنه لم يغادرنا، فمازلنا بحاجة إلى فكره ورؤيته ومساهماته الوطنية، حيث ا نافق التسوية السياسية ما زال مغلقا بفعل حكومة اليمين الإسرائيلية المتطرفة، وما زال مربع الوحدة الوطنية التي ناضل من اجله لم يتحقق.
وأشار د. الشرافي إلى أننا نحتفل بإحياء الذكرى، والعالم يحتفل معنا في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، لست ادري هل هي مصادفة أم رسالة، ولكن علينا أن نحسن قراءتها. فأبو منيف كان يدعو دوما إلى الوحدة الوطنية، وكانت رسالته في يوم التضامن انه من الأجدر بنا أن نتضامن مع أنفسنا أولا. وأضاف ما زالت قضايا كثيرة عالقة لم تستكمل بعد ناضل من اجلها أبو منيف، ولكن عزاؤنا أن هناك من تتلمذوا على يديه وما زالوا على نفس الدرب سائرون، وهو الدرب الذي سيوصلنا حتما إلى تحقيق الحلم والهدف.
وتحدث مدير عام المركز ناهض زقوت قائلا: خمس سنوات رحلت، وما زلت حاضرا، بفكرك وبأعمالك وبأفعالك وبأقوالك وبنضالك وبجهودك الوطنية المتميزة. في كل اللقاءات والندوات والاجتماعات .. كان حاضرا وشاهدا على تاريخ أمة وشعب ما زال يعاني المنافي والشتات .. شعب ما زال يحلم بعودة الجغرافيا .. ويتمسك بالتاريخ .. ما زال يرسم حدود الوطن من رأس الناقورة شمالا حتى آخر نقطة في رفح جنوبا .. رحل أبو منيف .. وما زالت المسمية حاضرة في التاريخ والجغرافيا، فقد كانت المسمية بالنسبة له رمزا لـ 418 قرية فلسطينية دمرت وشرد أهلها في العالم 1948. رحل أبو منيف .. وهو يرفض إخضاع قضية اللاجئين وحق العودة للمساومات والمفاوضات .. ويؤكد أن العودة للديار/ للأرض التي هجروا منها قسريا عام 48، هو الحق، ودونه لا عودة .. فهي عودة منقوصة.
وأشار الباحث زقوت انه ومنذ أن عاد .. بدأ العمل .. لكي يرحل المحتل. فلم يكن أبو منيف منذ وصوله إلى أرض الوطن في عام 1994 بالرجل الذي يركن إلى الراحة، فبدأ في تأسيس اللجان الشعبية للاجئين بعد أن جاب مخيمات قطاع غزة مذكرا باللاجئين وعودتهم، ومازلت أذكر الجماهير المحتشدة في نوادي الخدمات تستمع إلى أبي منيف متحدثا عن حقهم في العودة ومطالبته إياهم بعدم التنازل عنه، إلا أن هذا الوضع لم يعجب إسرائيل فكتب "داني روبنشتاين" في صحيفة هآرتس: "الحوراني يفجر القنابل في المخيمات المنسية". وبعدها غادر أبو منيف لمهام أخرى، فاتجه إلى تأسيس المركز القومي للدراسات والتوثيق، ليشكل من خلاله درعا حاميا للذاكرة الفلسطينية.
وأكد مدير عام المركز ناهض زقوت أن ما طرحه أبو منيف من أفكار سواء في الشأن الفلسطيني أو العربي بجرأة وثقة، رغم معرفته بأن هذه الأفكار مثيرة للجدل والنقاش، إلا أنه أراد أن يرسخ مبدأ لدى الأجيال القادمة، بأن النقد وتحليل الموقف يساهم في إسقاط الأصنام والهالات المقدسة عن الشخصيات، وعن بعض المفاهيم والأطروحات السياسية. وأضاف إن غياب أبو منيف خسارة فلسطينية كبيرة، لأنه ليس من اليسير أن يجد الفلسطينيون من يملأ مكانه ويسد الفراغ الذي تركه في المستقبل القريب، وهو خسارة عربية وإنسانية، لأنه من الصعب أن نجد الكثيرين ممن سخروا أنفسهم لخدمة قضايا أوطانهم وأمتهم، ونجحوا في نيل المصداقية والاحترام.
وقال الباحث زقوت مؤكدا أن الراحل الكبير عبد الله الحوراني، كان من أكثر الشخصيات السياسية التي فهمت نفسية الجماهير الشعبية، وأكثر من شعر بمزاجها وعبر عن همومها، وقدم الحلول لقضاياها. لهذا التفت الجماهير حوله وأحبته، فقد كان صوتهم في الدفاع عن منظمة التحرير الفلسطينية، وصوتهم في الدفاع عن حق العودة، وصوتهم في الدفاع عن فلسطين التاريخية، وصوتهم في المطالبة بإنهاء حالة الانقسام السياسي. كل هذا جعله دائما في وسط الجماهير، في المدن، في القرى، في المخيمات، في المهرجانات الشعبية، يخطب ويصرخ بملء الصوت: يجب عودة اللاجئين إلى ديارهم التي شردوا منها في عام 1948. وأضاف من منا لم يقف حائرا أمام قوة إيمانه بالعودة القريبة، فحين وقف على أرض المسمية عام 1995 قال: الأرض لا تتسع لاثنين، وهو كان يعي ما يقول. فقد عاش أبو منيف مخلصا للمبادئ، مؤمنا بعدالة قضيته، مدافعا عن حق أمته، يمتلك طاقة لا محدودة، وثراء فكري وقدرة على التحليل والإبداع والابتكار.
وفي ختام كلمته قال: خسرناك في أيام عصيبة، وكم كنا بحاجة إليك لكي تؤازرنا وتتكاتف معنا للسير بنا قدما نحو تحقيق مشروعنا الوطني ... خسرناك ونحن مازلنا نلملم جراحاتنا ... خسرناك ... ولن نعوضك، وسنفتقدك دائما. إلا أن عزائنا بما تركته بيننا من تراث نضالي وفكري، نستلهمه لكي تقوى عزيمتنا، ونعلمه لأبنائنا لكي نمنحهم القوة لمواجهة المستقبل. وسيبقى المفكر عبد الله الحوراني نموذجا يحتذى لأبناء هذا الجيل وأبناء الأجيال القادمة، فقد كانت شخصيته وثقافته وفكره متجاوزة للزمن، لهذا لن تجد فيه الأجيال القادمة شخصا وفكرا غريبا عنهم، وعن اهتماماتهم وتطلعاتهم الفكرية والثقافية. رحم الله أبا منيف.
وبعدها كرم مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق الفنان المبدع بشير حمد الذي صمم خارطة فلسطين التاريخية والتي أصبحت في كل بيت ومؤسسة وجمعية، وجاء التكريم تعبيرا عن اعتزاز المركز بكل المبدعين الذين يخدمون القضية الوطنية وعن دوره المتميز في تعزيز الانتماء والثقافة الوطنية بين أبناء شعبنا. وقدم مدير عام المركز ناهض زقوت درع الشكر والتقدير للمبدع بشير حمد، والذي بدوره أهدى المركز خارطة فلسطينية التاريخية مع معالم القدس تحمل صورة الراحل الكبير أبو منيف.
وضمن فعاليات أيام القدس الثقافية التي ينظمها المركز تحت عنوان "الثقافة في نصرة القدس" وفي الذكرى الخامسة لرحيل المناضل والمفكر عبد الله الحوراني مؤسس المركز، نظم المركز ندوة سياسية حول آليات نصرة القدس.
افتتح الندوة مدير عام مركز ناهض زقوت مرحبا بضيفي الندوة الصحفي حسن جبر مدير إذاعة صوت الشعب الذي تحدث عن دور وسائل الإعلام في نصرة القدس، والدكتور خالد صافي أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة الأقصى عم الموقف الفلسطيني والعربي من نصرة القدس. وقال: إن القدس تحتاج منا إلى تكاتف الجهود من اجل نصرتها والدفاع عنها في رمز عزتنا وشرفنا الوطني، فهي أولى القبلتين وثالث الحرمين، وعاصمة الدولة الفلسطينية. وما تمارسه إسرائيل بحق القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية يعبر عن قمة الإرهاب وفرض الأمر الواقع، وما هبة الشبان للدفاع عن القدس والمقدسات ما هي إلا ردة فعل على ممارسات الاحتلال وقطعان المستوطنين. لهذا علينا أن نعمل كل ما بوسعنا لكي نحمي القدس ونعزز صمود أهلها، وللإعلام دور أساسي وهام في هذا المجال، فهل استطاع إعلامنا أن يواكب الحدث؟.
هذا السؤال وجهه الكاتب زقوت إلى الصحفي حسن جبر، الذي بدوره قال: للأسف الإعلام الفلسطيني على كل مستوياته يعتبر مقصرا في نصرة القدس. ودعا الصحفي جبر إلى ضرورة الاهتمام بجميع قضايا المدينة المقدسة وإفراد مساحات اكبر تبين حجم الحملة الشرسة التي تواجهها، وتعمل على طمس هويتها، وعدم تغليب بعض الأخبار الخفيفة على الموضوعات المهمة، وإنشاء مراكز معلومات حديثة لتواكب خدماتها المعلوماتية مع التطورات التكنولوجية، وإتاحة الفرصة أمام القراء للاستزادة من المعلومات حول قضايا القدس. وأكد على ضرورة التنسيق مع الصحف العربية والفلسطينية، وتوحيد الخطاب الإعلامي العربي بما يخدم قضايا القدس بعيدا عن العمل المتناثر الذي لا يستطيع مجابهة الآلة الإعلامية الإسرائيلية.
وبدوره تحدث الدكتور خالد صافي عن الموقف الفلسطيني والعربي من نصرة القدس، فقال: إن اخطر ما مرت به قضية القدس هو تأجيلها إلى مفاوضات الحل النهائي في اتفاق أوسلو، هذا ما فتح الباب أمام إسرائيل لتواصل عدوانها وممارساتها الإجرامية بحق القدس وفرض وقائع وحقائق على الأرض لا نستطيع كفلسطينيين أن نواجهها مستقبلا. ودعا د. صافي إلى وحدة الموقف لدى الأحزاب والتنظيمات الفلسطينية تجاه القدس، وقدم شرحا تفصيليا حول موقف الأحزاب والقوي الإسلامية في برامجها حول القدس، وأشار أن ثمة تغيرات بين البرامج السياسية والمواقف الإعلامية والسياسية تجاه القدس والقضايا الفلسطينية الأخرى. أما بالنسبة للموقف العربي أكد د. صافي أن العقل العربي توقف منذ عام 2000 عند المبادرة العربية ولم يتجاوزها، لهذا فالموقف العربي سلبي جدا تجاه القدس.
وفي ختام اللقاء قدم الشاعر محمد أبو طبنجة قصيدة شعر كتبها خصيصا في ذكرى الراحل المناضل عبد الله الحوراني. أعقبه مداخلات حول الذكرى والندوة تحدث فيها: الصحفي خميس الترك، وسمير كشكو، ود. خليل حسونة، وصلاح أبو جزر، ونشأت الوحيدي، واللواء جمال حماد، والسفير رفيق أبو ضلفة، ود. عمر شلايل، واللواء سيد شعبان أبو عصر.


