خبر : «الغزالى» وحديث الذبابة ...بقلم د. أيمن الجندى

الخميس 19 نوفمبر 2015 11:33 ص / بتوقيت القدس +2GMT




أنتظر رمضان من العام إلى العام حتى أصلى فى حدائق النادى. حينما يضيق المسجد بالمصلين فإنهم يفرشون الحصر فوق العشب الأخضر. وقتها تتحول صلاة التراويح إلى تجربة روحية ممتعة. تخيل أنك معى تسمع آيات الله. وهواء الليل من حولك يعبق بالنباتات العطرية. تصغى بأذن الروح إلى تسبيح الفروع المثقلة بالزهور. وإذا سجدْتَ سجدَتْ معك الأشجار.

لا يعكر صفوى إلا ما أتوقعه من الخطبة القصيرة التى يرتجلها الخطيب بفهمه الضيق عن الدين. لَشَد ما أود لو أسمع القرآن، والقرآن فقط، وأغسل عقلى من كل هذا الضجيج.

وبالفعل، حدث ما كنت أتوقعه، وبدأ الخطيب يتحدث عن حديث «الذبابة» المشهور فى البخارى، وعن وجوب الإيمان به، وحرمة عدم تصديقه، رغم أنه حديث آحاد! وحديث الآحاد هو ما رواه عدد من الرواة لا يبلغ فى الكثرة حد التواتر، بعكس الحديث المتواتر الذى رواه خلق كثير عن خلق كثير يستحيل تواطؤهم على الكذب.

من حسن حظى أننى تذكرت ما كتبه «الغزالى» عن هذا الحديث، لتعلموا أن الأمر فيه سعة عن هذا التضييق للدين.

يقول «الغزالى» فى كتابه «قذائف الحق»:

أريد أن أقرر حقيقة إسلامية ربما جهلها البعض: هل رفض حديث آحاد لملحظ ما يعد صدعاً فى بناء الإسلام؟

كلا، فإن سنن الآحاد عندنا تفيد الظن العلمى، فإذا وجد الفقيه أن هناك قرينة أرجح منها، تركها إلى الدليل الأقوى دون غضاضة.

وأئمة الفقه الإسلامى بنوا اجتهادهم على هذا النظر الصائب، فـ«أبوحنيفة» رفض أن يُترك المسلم إذا قتل كافراً دون قصاص وتجاوز حديث البخارى فى ذلك «لا يُقتل مسلم فى كافر» واعتمد فى مذهبه على آية «النفس بالنفس».

و«مالك» رأى أن عمل أهل المدينة أدل على السنة من حديث آحاد، وهم لا يتنفلون قبل المغرب، فاتباعهم أولى من رواية البخارى.

وأغلب الأئمة يرفض ما رُوى فى الصحيح من أن رضاعة الكبار تثبت حرمة المصاهرة، ويرون أن الرضاعة المثبتة المحرمة ما كان فى فترة الطفولة.

إن حديث الآحاد ليس مصدر عقيدة شرعية أو حكم قاطع، وقبول هذا الحديث أمر فنى، فإن قرّر علماء الحشرات أن الحشرة تفرز الشىء والشىء المضاد له، فالحديث صحيح، وإن ثبت قطعاً أن الذباب مؤذٍ فى جميع الأحوال رددته دون غضاضة. وليس بقادح هذا فى دينى.

هب أن رجلاً قال: لا أستطيع قبول رواية «إذا وقع الذباب فى شراب أحدكم فليغمسه ثم لينزعه، فإن فى أحد جناحيه داء وفى الآخر شفاء»، أيكون من الكافرين؟ كلا!! فلم يقل أحد إن أركان الإسلام تضم الإيمان بالله واليوم الآخر وغمس الذباب فى الشراب إذا سقط فيه!

aymanguindy@yahoo.com

كاتب مصري