فَورة ردود الأفعال ، و التحليلات ، و الخُطب ، و الحَملات الإعلامية ، أصبحت تقليداً أو طقساً موسمياً يمارسه أبناء الشعب الفلسطيني ، في كل مرة يقوم بها حكام غزة ، من حركة حماس ، برفض إقامة إحتفال وطني ، له علاقة أو شبهة علاقة بحركة فتح ، و المواقف أصبحت مكرره ، بشكلٍ ربما يُمَكِّن أي صحفي مُبتدئ من كتابة تصريحات كل طرف ، و تبريرات كل طرف عن ظهر قلب، ما بين مهاجم و مُفنِّد و مستنكر ، و ما بين مُبرر و مُدلِّس و مُلَبِّس و كَذّاب أّشِر إِسْتَمرَأَ الخِداع و إمتَهَنَ التَحايُل ، و هذا المشهد يذكرني بالقول المأثور عن مصطفى شعبان الممثل المصري اللاّمع ، صاحب الزيجات الكثيرة ، مَولاَنا العَاشِق : "و كله بما يرضى الله " !!
لو أننا عددنا كم المرات التي رفضت فيها حماس إحياء أي ذكرى وطنية ، لتَعِبنا ، و لتَعِبنا أكثر و ربما فَقَعتْ مرارتنا إذا تابعنا و رصدنا أسباب الرفض ، و من ثم إِنكار الرفض ، و التَمثيليات هابطة التأليف و الإخراج التي يُكررونها في كل مرة .. تماماً كأغنية معبر رفح ، التي أصبحت أو كادت تُصبح النشيد الوطني لهم ، فتحرير القدس يبدأ من معبر رفح ، و وحدة الأمة أيضا تمر عبر معبر رفح ، و الأنفاق حق ، و التهريب حق .. " وكله بما يرضي الله " !!
و ليت الموضوع يتوقف عند التبرير و قيام زيط و معيط و نطاط الحيط بالتوضيح ، و التصريح و التلميح ، بل و التـاشير و التشبير و التأثير ، بل بالتَهكِّم و الإِسْتِظراف ، عبر شاشتهم و إذاعتهم ، و صحفهم ، بل يتعدى ذلك ليصل إلى " مواقف" ، يرددها كبار القوم ، و بيانات رسمية ، تذاع عبر فضائيات دولية ، و مؤتمرات صحفية ، و يعرق جبين القادة و هم " يحزقون " بها ، "و كله بما يرضي الله " !!.
و يا ويلك ، يا سواد ليلك ، لو لم تضع "لايك " أو تتداخل بتعليق مُهللٍ و مُكبرٍ ، أو على أقل تقدير ( سمج لزج منافق ) على شبكة التواصل – فيس بوك – لأحد من متحدثيهم ، و يا عذابك و تعطل أحوالك ، لو أنك غامرت بكتابة إنتقاد علني أو تناقشت مع أحد الناطقين ، ستجدُ جيشاً عرمرماً من المُعلقين ، يمسح بك الأرض ، و يتعدى عليك باللفظ ، و يمتلئ صندوق رسائلك بالتهديد و الوعيد ، و ربما تجد نفسك في النهاية بأنك أنت المسئول عن نكبة فلسطين ، و عن حالة الطقس ، و عن إنقطاع الكهرباء ، و إزدراء العالم لنا ، و بشاعة سمعتنا ، و تكدير حياتنا ، بل عن قتل مسلمي بورما ، و الهند . " وكلة بما يرضي الله " !!.
المثير في الموضوع ، أن لجاناً من الفصائل الفلسطينية ، تجتمع ، و تتناقش في الموضوع ، و تنقل الرسائل ، و تستجدي الإذن من حماس ، ليقوم الناس بالتعبير عن فرحتهم أو حزنهم .. عن وطنيتهم و إنتمائهم ، أو عن أي شئ .. بينما لا يكلف الأمر سوى نداء بمكبر صوت ، لتخرج جحافل التحرير ، وطلائع العودة ، للإحتفال بفوز أردوغان التركي ، أو تقديم الشكر لدولة الجزيرة ، أو أي شركة ، أي طرف يزوجنا أو يحسن إلينا ببعض الغاز و السولار أو المال ، و حسنة قليلة تمنع بلاوي كتيرة .. " وكله بما يرضي الله " !!.
و أعتقد أن الأمر لا يحتاج لجان من السياسيين و الحزبيين أو رجال الفكر و الوجهاء .. بل ربما هو في الأغلب يحتاج إلى لجنة من أطباء و محليين نفسيين ، لأن ما يحدث ، و بشكل متكرر ، هو أقرب إلى المرض النفسي منه إلى " المنهج " أو " طريقة التفكير و الإدارة" .. الشعب لا يحتج إلى إذن من فصيل ، الطبيعي و المعروف و المنطقي أن الشعب يقرر ، فهل هذا ينطبق على كل البشر في كل العالم ، إلا في غزة الأمر يختلف ، طالما في الأمر زيط و معيط و نطاط الحيط .. فهل فعلاً هذا " كله بما يرضي الله" ؟؟ !!
فبينَ الدعوة ، و تَكرارِها في الخِطاب الرسمي للوحدة الوطنية ، و إعادة إحياء حكومة الوحدة .. يتساءل المرء ،ومن حقة أن يتساءل هل المقصود هنا إحياء الحكومة كلها ؟ أم بعضها ؟ وحتى أكون أكثر وضوحاً .. إحياء الحكومة بما يشمل وزارة الداخلية و الأمن و المالية ؟ أم هو فقط الشعار الفضفاض المكرر إلى حد الإبتذال ؟
هل ترى حماس أن حكومة الوحدة التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية التي هي المشروع الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية ، التي هي الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ، و التي قادت و تقود مشروع إقامة دولة فلسطين التي يعترف بها أكثر من 142 دولة في العالم ، هل ترى أنها السلطة الواحدة و الوحيدة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة و الضفة الغربية و القدس الشرقية ، أم تنتهي صلاحيتها على بوابة وزارة الداخلية بغزة ، أو بواب معبر رفح ، و حدود بيت حانون ؟ هل أصبحت قضية فلسطين هي حل هذا اللغز ، أم يراد لها أن تنشغل في حل هذا اللغز بعيداً عن القدس و الأقصى و الدولة ؟ هل تقبل حماس بإنتخابات رئاسية و تشريعية فوراً أم سنعود إلى تصريحات و تهكمات و شروحات و إستظرافات زيط و معيط و نطاط الحيط ؟


