سما / وكالات / أصبحت الهجرة حلمًا عربيًا مشتركًا، إنها الحلم الأوحد والأكثر إستهلاكًا في منطقتنا العربية الغارقة في المشاحنات والآخذة في التراجع والتدهور ، لذلك يعتبرها الكثيرون منا العصا السحرية التي يمكنها تغيير الحياة كليًا، وقلب الواقع رأسًا على عقب، ولهذا يسعى الكثير في طلب هذه العصا أملًا في أن يحظى بها ..
هنا في هذا المقال سأقدم بعض النصائح لمن حالفه الحظ وحظى بهذه العصا السحرية !
هل هى فرصة حقيقية؟
السؤال الأول والأهم الذي يجبأن تسأله لنفسك قبلإتخاذ قرار الهجرة هو ؛ هل إختياري صحيح ؟ هل هذا البلد سيمنحني فرص حقيقية لم أجدها في وطني ؟
إذا كان الجواب نعم فأنت قد جاوبت على نصف السؤال، ليبقي النصف الآخر حول ماهية هذه الفرص، وهل هي حقيقية أم مجرد سراب وأحلام صورتها لك رغبتك العمياء في الهجرة، ناقش هذه الفرص مع نفسك وإدرسها جيدًا، ناقش الأمر أيضًا مع أصدقائك والمقربين إليك، ربما لاحظوا ما لم تلاحظه أنت، وبلا شك نظرتهم المختلفة ستضيف لك شيئا مهمًا، وبعد الإنتهاء من التفكير، ومن المقارنة بين ما أنت فيه وما أنت ذاهب إليه، ودراسة هذه الخطوة الجديدة والجريئة من كل النواحي، حينها فقط يمكنك الشروع في تجهيز حقيبتك.
تعلم اللغة
تمثل اللغة تصريح دخول من نوع آخر، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن تسافر إلى بلد أنت لا تتقن لغته، وليس لديك أدنى معرفة بأساسيات اللغة على أقل تقدير، هنا يأتي السؤال الأبدي؛ هل لابد من الإلتحاق بأحد الجامعات أو بمراكز التعليم المختلفة لتعلم لغة ما؟ حتمًا لا ..
لماذا ؟ لأنه ببساطة لم يعد الأمر كذي قبل، الآن يتيح لك الإنترنت آلاف الوسائل لتعلم أي لغة تريد أن تتعلمها، بمواد ووسائل متنوعة وبعضها مقدم من جامعات عالمية، أيضًا اليوتيوب يوفر لك آلاف الدروس يقدمها متخصصين في مختلف اللغات.
في الإنترنت يمكنك بنقرة واحدة بدء رحلة جديدة لتعلم اللغة التي تريدها، وبموعد أنت تحدده، وبماهية أنت تختارها، أنت من يقوم بالتخطيط لهذه الرحلة وتقسيمها إلى خطوات معينة، الأمر كله بيدك، ليس هناك من يتحكم في الطريقة التي ستتعلم بها، أو من يقيدك بمواعيد معينة، في عالم الإنترنت أنت في غنى عن ذلك كله.
تهيأ لصدمة ثقافية
كل بلد له ثقافته وعاداته وأعرافه، هذا الإختلاف ليس فقط بين البلدان العربية والأجنبية، بل حتى بين البلدان العربية وبعضها البعض، ثمة إختلافات جذرية شتى، لذلك أهم ما ينبغي عليك معرفته هو إحترام ثقافة البلد التي ستهاجر إليه، مهما كانت مختلفة ومهما بدت غريبة بالنسبة لك..
تذكر أنك انت الدخيل على هذه البلاد ، فلا تتعامل مع ثقافتها بتأفف وغطرسة ونظرات إستغراب ودهشة تسيطر على ملامحك طوال الوقت، فأنت لم تسافر لتفرض ثقافتك وعاداتك، ولا لتُفرض عليك أمور لا تناسبك، بإختصار تعامل بمبدأ لكم دينكم ولي ديني، إجعل بينك وبين هذه الثقافة الغريبة عنك، جدار غير مرئي يحافظ لك على خصوصيتك وثقافتك الخاصة، ويضمن لها الإحترام بالطبع، وتذكر أنك لست مجبر على تقبل ثقافة الآخر، لكنك مجبر حتمًا على إحترامها.
تأقلم .. تعايش
هذه النقطة قد تكون إمتداد لسابقتها، في الحقيقة التأقلم لا يعني تقبل كل الأمور والإندماج فيها بشكل كامل، دون التحقق إذا كانت تناسبك أم لا، إطلاقًا، التأقلم هو أن تعتاد الإختلاف وتتعامل معه بمرونة وإحترام بالغين، دون أن تتأثر به أو تتعامل معه بنفور وغطرسة.
على سبيل المثال أنت سافرت إلى دولة ما، من أهم عاداتها تجمع الأصدقاء كل أسبوع وقضاء العطلة معًا، هذه الفكرة أو الثقافة أو العادة لا تبدو فكرة سيئة على الإطلاق،فلا ضرر منها، قد تكون جديدة عليك ربما، ولكن تقبلها والإندماج معها لن يؤذيك ولن يضرب ثقافتك الخاصة في مقتل، بل بالعكس ستجد نفسك أكثر مرونة مع الوقت وأكثر تقبلًا للآخر، فليس كل الإختلاف مرفوض ثمة إختلاف واجب، ذاك الإختلاف الذي يفيد الطرفين ويزودهما بالمرونة وبثقافة تقبل الآخر.
إبدأ في غرس جذورك
غرس الجذور لا يأتي إلا بعد تلك الخطوات السابقة التي ذكرناها، ببساطة لأنه إذا لم تتمكن من إزالة مخاوفك وقلقك لا يمكنك إثبات نفسك على هذه الأرض الجديدة، بل قد لا تستطيع البقاء فيها من الأساس، وستجد نفسك تفكر بشكل جدي في العودة إلى موطنك، لذا عليك إدراك أهمية ما سبق..
الآن أنت وصلت لمرحلة تقبل الآخر بإختلافه الكامل، وبلغت مرحلة جيدة من المرونة والتعايش، ماهى الخطوة التالية؟
الخطوة التالية هى إثبات نفسك أو غرس جذورك، بالإشارة بأنك موجود في هذا البلد بل واصبحت مواطنًا فيها، لك دورك وتأثيرك وإنجازاتك، فكيف يحدث هذا؟
يحدث هذا بطرق شتى ومتنوعة، لنأخذ واحدة على سبيل المثال، وهى ان تبدأ مشروعك الريادي، نعم فهذه أفضل فرصة ممكنة لتحقيق إنجازات حقيقية بالعمل، لا معارف لا أقرباء لا أحد يتربص بك لا أحد يأبه بك من الأساس، أنت وحدك تماما في أرض لا تعرف فيها إلا حلمك وهدفك، فأين المفر ؟
إما أن تبدأ فيه وتحققه وإما أن تستسلم، وفكرة الإستسلام في هذا البلد الجديد ستكون بعيدة تماما – أغلب الظن- لأنك تركت كل مخاوفك خلفك، تركت كل التردد، كل الذكريات السلبية، تركت كل ما قد يعطل ذلك المحرك بداخلك، فإستغل هذه الفرصة وقم بإنجازات حقيقية، ليس شرطًا أن تنصب هذه الإنجازات في مشروع ريادي، فقد تحقق إنجازات غير مسبوقة في دراستك، أو بتعلمك مهارة جديدة، أيًا كان الهدف قاتل من أجل تحقيقه، وإجعل من هذا الوطن الجديد الذي إخترته أنت، وسيلة دفع جديدة لا أداة تعلق عليها فشلك كما فعلت من قبل مع وطنك الأول، ثمة قدر جديد تخطه أنت بيدك، فلا تلوثه بفشل وسلبية.
فكرة الهجرة تعتبر صورة مفزعة للبعض، وصورة مبشرة مليئة بالآمال والأحلام للبعض الآخر، وأيًا كان ما تمثله لك الهجرة، المهم أن تعتبرها بداية جديدة على كافة المستويات، تعامل وكأنك خلقت من جديد، وكأن القدر أهداك فرصة جديدة للبدء، فماذا ستفعل بها ؟