خبر : سِت خطـوات في طريق إعادة بِناء الإنسان العربي

الخميس 22 أكتوبر 2015 12:12 م / بتوقيت القدس +2GMT
سِت خطـوات في طريق إعادة بِناء الإنسان العربي



سما / وكالات / تزوجت، أنجبت أطفالاً، ثم وكلت الأيام للقيام بمهمتها في تنشئتهم، أو ركزت على تلك التربية النمطية التي كثيراً ما تفضل جانب على حساب جوانب أخرى قد تكون أكثر أهمية.

التربية هي بمثابة لوحة ناصعة البياض وأنت رسامها، فأما أن ترسم لوحة مشرقة باعثة على الحياة والنشاط تسر الناظرين إليها، أو ترسم لوحة عشوائية تتنازع فيها الرمادية والعبثية من كل جانب.

التربية السليمة هي الامل الوحيد لإعادة بناء الإنسان العربي مرة اخرى ، لجعله مُشاركاً في بناء الحضارة الإنسانية ، وليس عبئاً عليها !

ومن اجل تقديم أجمل لوحة تستلزم هذه العملية عدة خطوات يجب ألا تغفل عنها أبداً :

1- البرمجة الإيجابية

انتبه إلى كل ما يخرج من فمك من كلمات وعبارات، فكل ما تنطقه و تكرره على الدوام يترك أثره في عقلية الشخص على المدى البعيد، فما بالك بالطفل الذي يكون له استعدادات عقلية أكبر، لذا احرص على أن تكون لغتك الخطابية مع طفلك مليئة بالإيحاءات الإيجابية وبعيدة قدر الإمكان عن السلبية .

فحسب إحصائية، سمعتها صدفة وأنا أدير بقنوات التلفاز، أن الطفل منذ ولادته حتى الثامنة عشر من العمر يتلقى من محيطه الأسروي فقط 200- 260 ألف رسالة سلبية، مثل، أنت لا تقدر، صديقك أذكى منك، ابن عمك متفوق في دراسته أكثر منك..

وغيرها من العبارات التي لا يخلى منزل إلا ويلقيها على مسامع أطفاله ، فأنت عندما تكرر هذه العبارات بشكل اعتيادي فأنت حتماً من تقوده لهذه النتيجة، على عكس ظنك تماماً بأنك تحفزه وتشحن طاقاته، بل من الأفضل أن تشجع طفلك وتكرر له دائماً (أنت ناجح – أنت قادر على فعلها – أنت مبدع – وهكذا ).
فهذه العملية هي أشبه بزراعة النباتات، وبتكرار سقايتها تنمو شيئاً فشيئاً، فكن واعياً ماذا تزرع في ذهن طفلك .

2– البناء الجسدي القويم

أن التكوين الجسدي السليم منذ الطفولة له نتائجه الإيجابية، أو السلبية على كل مراحل الحياة، فهو أشبه بخزان طاقة كلما ملأته أكثر بالصورة الصحيحة، أعطاك المزيد من الطاقة حتى نهاية عمرك، فالتركيز على اختيار غذاء الطفل من الامور الأساسية في تكوين بنيته الجسدية وخصوصاً في المراحل العمرية الأولى..

فعليك بالإكثار بما هو أكثر صحي للطفل، والابتعاد قدر الإمكان أو حتى بنسب معتدلة جداً عن المأكولات التي اجتاحت السوق من الوجبات السريعة، المشروبات المنكهة، رقائق البطاطس المقلية، وغيرها من الأطعمة المضرة والتي ينصح خبراء التغذية على الدوام بالابتعاد عنها قدر المستطاع.

اجعل طفلك دائم الحركة مفعم بالحيوية، والنشاط، وابعده قدر الامكان عن الخمول، والبلادة والجلوس خلف شاشات التلفاز، وتقضية الساعات الطوال في استخدام الحواسيب المحمولة والأجهزة الذكية على اختلاف أنواعها وأشكالها، لما ما تحمله ورائها من نتائج كارثية على طفلك..

كأمراض التشنج في العضلات، السمنة، العزلة، الكسل، الخمول الجسدي والفكري، وإن كان لا بد من استخدام هذه التكنولوجيا فيفضل أن يكون محتواها مفيد للطفل، ولعمره ويساهم في تنمية قدراته العقلية بدلاً من تثبيطها مثل ألعاب الألغاز، قراءة القصص، منصة لتعلم لغات جديدة، وما إلى ذلك من الأنشطة التي يكون لها تأثيرها المفيد.

3– تشكيل الوعي الديني السليم

إحرص على تربية طفلك في مناخ ديني صحيح بعيداً عن التعصب، وعن الحريات الزائدة عن اللزوم، فالاعتدال في كل نواحي الحياة من أجمل القوانين الذي كُتب له النجاح دائماً.

كن أنت لابنك المصدر الأول والأخير الذي ينهل منه كل معتقداته وأفكاره وأراءه عن الدين، واجلس وحاوره وافهمه كل شيء بالإقناع، وبأسلوب هادئ ولطيف، وليس كما تربينا على هذا هكذا، وهذه هكذا، وعلى حرمة السؤال الذي هو رجس من عمل الشيطان، بل على العكس تماماً دعه يطلق العنان لعقله وأن يتساءل على كل ما يحلو له، وخصوصاً فيما يتعلق بالعقائد حتى يكون على قناعة ويقين تاميين وأكثر تمسكاً بما يؤمن به.

وقل له يا بني، لا تجعل الدين مقياساً لفرز الناس على هواك (كافر، تارك للصلاة، زنديق، ملحد، غير مسلم)، وإنما انظر الى أخيك الإنسان بوصفه شريكاً لك على هذه الأرض ليس عدواً لك تريد أن تنال منه، طبعاً بعد أن ترى فيه مواصفات الصحبة الجيدة.


4– الانخراط في الحياة اليومية

لا شك أن هذه النقطة واحدة من أهم النقاط التي يجب الا نغفل عنها، لما لها دور في تكوين شخصية الفرد واندماجه الكامل في المجتمع، فلا تدع طفلك يعيش حياة التعليم والرفاهية فقط، بل اشركه في عملك إن كنت رب عمل، أو إن كان لدى معارفك أو أصدقائك مهن تناسب طاقة طفلك ومستواه الاجتماعي، فلا بأس إن تخصص له ساعات عمل في وقت الفراغ ولكن ليس على حساب الجوانب الأخرى وخاصة الدراسة.

خذه بين الحين والآخر للقيام بزيارات لمختلف المناطق والأمكنة في المدينة، وخصوصاً الفقيرة منها، حتى يرى كيف يعيش الناس وكيف يشقون لتأمين لقمة العيش وإن الحياة فيها شيء من الصعوبة يجب أن نناضل في سبيلها حتى نبقى على قيدها.

اتركه يتحمل جزء من المسؤولية في صغره، وأن يكون شخصاً يحسب كل تصرفاته وكلامه ويقيم لها اعتبار قبل أن تصدر منه، وبأنه هو الوحيد المسؤول عنها فلا يلجأ في كل صغيرة وكبيرة إلى والديه حتى يقومان بتبرير أفعاله.

أنت في النهاية تدرب ابنك وتجهزه لكي يخوض في غمار الحياة عندما يصبح شاباً يافعاً، وأن يغدو كل شيء ذو قيمة عنده فلا يأتي هكذا بلمح البصر وإنما هو نتيجة جهد وعناء، فكثيراً ما ترى أشخاص على درجة عالية من العلم أو الثقافة، أو أولئك الأشخاص المدللين الذين يعيشون فقط الحياة الفارهة، لا يفقهون شيئاً بأمور الحياة، وكيف تسير الأمور من حولهم، وكأنها لا تعنيهم بشيء، فلذلك أسعى إلى أن ينال طفلك شيئاً من هذه الثقافة المجتمعية، حتى لا ينصدم غداً بأشياء لم يراها ولم يسمع عنها في حياته.

5– تعليم العادات الجيدة

إنه من الجميل تعويد الطفل على عادات جيدة منذ صغره فتكبر معه ولا يستطيع أن يتركها أبداً فيمكنك تعويده على عادات النظافة من تنظيف الأسنان بالفرشاة ثلاث مرات يومياً ، غسل اليدين عدة مرات باليوم ، الاستحمام يومياً وخصوصاً في أوقات الصيف ، تغيير الملابس الداخلية يومياً، إلى غيرها من عادات النظافة المستحسنة أن يفعلها الطفل دائماً.

من الناحية الثقافية، يجب تعويد ابنك على القراءة اليومية كحاجة اساسية قبل أن تكون عادة، فخصص له ساعة يومياً للقراءة ولا تشغله بشيء اخر عنها، واربطها دائماً بمحفز حتى يبقى مداوماً عليها، كشراء هدية كل ما انهى كتاباً، أو الذهاب برحلة كلما أتم قراءة عشر كتب مثلاً في وقت محدد، فيبقى الطفل يربط بينها وبين الحافز، فيصبح أكثر إصراراً وحباً للقراءة، أو لأي عمل آخر يقوم به، حتى يغدو عادة متأصلة فيه فلا يستطيع الابتعاد عنه أبداً.

6– الاهتمام بالجانب التعليمي وتطوير الذات

لاشك أن أمور التعليم والتحصيل الدراسي الجيد من أهم الأشياء التي يجب أن يناضل المرء في اكتسابها وتحقيق طموحه فيها، فكن على متابعة كاملة ودقيقة لحياة طفلك التعليمية، وخصوصاً في المرحلة التأسيسية بالمدرسة، وإن كان لديك متسع من الوقت فأشرف على إدارتها شخصياً، واحرص على أن يكون ولدك من المتفوقين.

احترم رغبته في اختياره لتوجهه العلمي إن كان شديد الشغف به، وقادراً على أن يكون من أعلام الإبداع فيه، فلا تجبره على دراسة شيئاً لا يطيقه أبداً، وإنما كن دائماً في موقع المشجع والمحفز لولدك ولاختياراته.

ولكن يبقى التعليم لوحده لا يكفي وإنما يجب أن يكون هناك مهارات فردية تدعمه، فهناك العديد من المهارات التي لا تحصى تكون رأسماله في الحياة وتفتح له مجالات واسعة إلى جانب الشهادات الأكاديمية، فمثلاً من الضروري أن يكون ولدك متقن للغة واحدة على الأقل، وخصوصاً اللغة الإنكليزية، التي تعتبر لغة العالم ومؤهل أساسي لدخول سوق العمل، لا تقل في أهميتها عن الشهادة العلمية، وفي نفس الوقت السبب الجوهري لضياع الكثير من الفرص( منحة دراسية ..عمل ..هجرة) فكن شديد البذخ والكرم لتعليمها لولدك، حتى وإن كلفتك ثروتك كلها، وإلى غيرها من المهارات التي تراها أنت ضرورية في أن يتقنها ولدك وتستجيب لمتطلبات عصرنا المتغير.

طبعاً هذه الكلام موجه في النهاية لكلا الجنسين والوالدين، وخصوصاً الأم التي بلا شك هي المصدر الأولي والأساسي، التي ينهل منها الطفل كل تعاليمه، فيجب أن يكون التعاون مشترك بين الأب والأم، وأن يتم تقسيم مهام التربية بينهما حتى يتموا هذه المهمة التي اجتمعوا لأجلها بنتائج ناجحة.

عزيزي القارئ بعد أن قرأت هذه السطور، أعتقد أنك تخيلت هذه الصورة المشرقة التي سيكون عليها ولدك بعد تخرجه من مدرستك، وتتركه يخوض في غمار الحياة، وينهل من كنوزها اللامتناهية، عندها يقتصر دورك فقط على الإرشاد والتوجيه من حينٍ لأخر، لأنك تكون قد صنعت إنساناً متوازناً في جميع نواحي حياته، فأعطه من وقتك ومالك وجهدك قدر ما استطعت.

مقال بواسطة/ أمجد كيوان، من سوريا