خبر : تنـــــــــــــــــــــــاحة !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي

الثلاثاء 20 أكتوبر 2015 12:28 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تنـــــــــــــــــــــــاحة !! بقلم : محمد يوسف الوحيدي



التناحة ، لها اشكال عديدة في كافة المجالات ، و هي على ما يبدو ، صفة ، تجتاح جيل كامل في الوطن العربي ، أو لنقل ، صفة حقبة زمنية تجتاح مشرقنا بشكل غريب و سريع .. و من مظاهرها مثلا ، أن تسال أي مواطن عربي في أي بلد ، سؤال بسيط جدا : ماذا تريد ؟
فتجد علامات ألم ، و معاناة و كأن وجعاً بدأ يتسرب إلى مصرانه الأعور ، وحبات عرق تعتصر جبينه و كفيه ، و من ثم و فجأة ، تجده يبتسم إبتسامة عريضة بلهاء و " يهرش" في عدة أماكن ، تختلف بإختلاف النوع و الجنس !! وما تلبث الإبتسامة إلى أن تتحول إلى وجه متقد و عيون محدقة ، تشع ثورية و عنفوان ،و يفنفخ و يتحفز فتظن أنه سنطلق بإجابة حارقة خارقة .. فيهبط ، و يضمر ، و تنتهي " الظاهرة" بحالة سكون و ملل ، حينها إما أن يتركك و يذهب دو إجابة ، و إما أن يقول : " مش عارف !" ، علماً بأنك ستجد الإجابة موحدة بين النساء و الرجال في معظم أنحاء وطننا العربي .. يعني ، أيضا الأنثى ستجيب " مش عارف ! " و هنا ستتعرف على أولى ملامح ، التناحة الضاربة في " نخاشيش " و دواخل ، أمتنا العربية ، و متغلغلة إلى عقلنا الجمعي بشكل جارف ، أوصلنا إلى درجة ، أننا حتى لا نعرف الفرق بين الرجل و المرأة في تصريفات اللغة ، سواء العربية الكلاسيكية ، أو حتى الدارجة ..
وقد راى كثير ممن أستشرتهم عن تعريفهم للتناحة ، بأنها هي التركيز الشديد مع عدم الفهم ... بينما راى أخرون أنها كلمه شائعه عند العرب حديثا الذين يشعرون بالتركيز واستنزاف القوى ولكن من دون فهم .. و أعجبني تعريف آخر وجدته على إحدى صفحات التواصل ، يقول : التناحه هيِ ان تستيقظ من النوم ناسياً مخك فوق المخَدة لتحظىَ بيوم خارج عن المألوف .
بينما إجتهد آخر ، و قال أن التعريف اللغوي يكون .. تَنحَ ..يَتنَح .. تنْحياً من التنحي عن الشي ..... بمعنى ان اجزاء من العقل تتنحى علن وظائفها و تترك مهمتها في الفكير و التدبير ، فتنشغل خلايا المخ المسؤله عن الجهاز الهضمي مثلا ، بتصريف شئون الوعي السياسي ، و خلايا المخ المسئولة عن الوظائف الغريزية إلى الإطلاع بشئون الثقافة و العلم بينما " تتنحي" الأجزاء الأخرى و تتبلد ، و تضمر ، إلى أن تندثر ، فينتهي الأمر إلى شخص ( تِنِح ) ..
و يلاحظ هذا ليس فقط عند مجموعة جغرافية ، معينة ، فمثلا ، لو سالت أخا أو أختا من سورية ، من مع من ضد من و أين أنت من ما يحدث في سورية ، و لماذا الإخوان أفضل من الأسديين ، و لماذا أمريكا أفضل من روسيا ، لوجدته يجيبك بنفس الطريقة السابقة ، علامات ألم في المصران الأعور ، تنتهي بأنه إما يتركك أو يقول لك ( مش عارف !!) ، و لو سألت مصرياً عن سبب مقاطعته للإنتخابات البرلمانية الحالية .. ستجد نفس الرد .. و لو سألت يمنياً ، ليبياً ،عراقياً تونسياً ، ماذا و كيف و لماذا .. ستجد نفس الإجابة .. و ما يهمني هنا .. هو حال الفلسطيني ، و مدى إصابته بفيروس " التناحة " ..وإلى أين وصلت حالته ؟ بسؤال بعض الخبراء ، أفادوا بأن الأعراض ظاهرة أكثر في المناطق الجنوبية عنها في المناطق الشمالية ، حيث تفعل الأفاعيل ، و تقوم الدنيا و لا تقعد ، فحالات الإستنزاف و الإستغباء في أعلى درجاتها ، و تجد إجابة " مش عارف !" ظاهرة عادية و متداولة بشكل يومي و على مدار الساعة في جميع الإتجاهات و على كل و أي نوع من المواضيع ، بل إن بعض المراقبين و المحللين ، ذهبوا إلى أبعد من ذلك ، فرأوا أن الإشكال عندما يكون الحاكم و المحكوم من ( التِنحين) ، بمعنى أن يتحكم فيك مجموعة مصابة بالتنــــاحة ، و تتصرف بتناحة ..
الجديد ، ان صفة التناحة ، اصبحت مؤهلاً معتمداً و يعتد به ، ويذكر في السيرة الذاتية لأي شخص ، و هو أحد أهم عوامل القبول للعمل خاصة في المنظمات الدولية و المجتمع المدني .. فهو مفيد جداً في نقل العدوى ، و ثانيا ، يدلل أنك اساساً لا تعرف ماذا تفعل أو لماذا تفعل ، فكثير من أبناء شعبنا الفلسطيني مثلاً لايريد أن تستمر حماس في حكم غزة و في ذات الوقت لا يريد للسطلة الوطنية ولا فتح و لا منظمة التحرير أن تعود ، و لا يريد أن يعود الإحتلال الإسرائيلي، و بعد ساعة لو سألته عن رايه لبدل و غير ، و في النهاية سيقول ( مش عارف!) .. و في الضفة الغربية ، لو سألت الناس عن ماذا يريدون ، إنتفاضة حجارة أم إنتفاضة مسلحة ن و هل يريدون حرباً على غرار الحرب الخمسينية التي ضربت غزة و أدت إلى إنتصار ( تناحة) ؟ أم أنهم يريدون إنتفاضةً شعبيةً سلميةً ،فتح أم حماس أم اليسار أم منظمات اليروبيع و حموم الإنسان ،أم عودة الأردن ، أم عودة الإحتلال ... ستجد ذات الإجابة ( مش عارف ! ) .. إنه زمن التنــــــــــاحة .. زمن التخبط ، الشعب العربي يَلطُم ..ويشق ثوبه، يرضخ و يرفض ، يضحك و يبكي بهيستيريا ، تائه في صحراء لا أول و لا آخر لها .. تارة يضع اللوم على الحكام ، و تارة على الشعب ، و تارة على التدخل الخارجي و الإستعمار و المؤامرات الكونية ، و الجن و العفاريت .. إنه حصاد أكثر من أربعين عاما من تجريف و كي الوعي و الثقافة ، و قلع جذور الإنتماء للهوية و الوطن ، بفعل تيارات زعمت أنها دينية ، و تيارات زعمت أنها وطنية .
إنها حصاد الكوارث الثلاث التي ألمت بهذه الأمة : سايكس / بيكو ، بلفور/ هرتزل ، و السادات / كيسينجر.
ولن نتخلص من تناحتنا،إلا إذا إعترفنا اولاً بإصابتنا بها .. و من ثم علاج آثارها بدءاً من آخر عواملها ، وصولا إلى نسف سايكس / بيكو.