سما / وكالات / في ظل ما يحدث في المنطقة العربية من نزاعات وحروب، يتساءل البعض أين جامعة الدول العربية مما يحدث؟!
لماذا تكتفي بالرفض والإدانة دون تدخل حقيقي ينهي هذه النزاعات؟ هل هناك ما يمنع ذلك؟ أم انه الخزي في أوضح صوره؟
وعند النظر إلى الجهة المقابلة من العالم، نجد شعوبًا مختلفة لا تتحدث لغة واحدة ولا تجمعها ثقافة واحدة نجحت في توحيد صفوفها، والنهوض بكيان واحد له حجمه وهيبته، فيعود نفسه السؤال؛ لماذا أضحى من المستحيل ان تتحد الدول العربية وتتفق في أي موقف كان ؟ لماذا أخفقت جامعتنا العربية في تحقيق ذلك؟ بينما نجح الإتحاد الأوروبي في توحيد شعوبه أوروبا المختلفة؟
التأسيس
جامعة الدول العربية : جاءت فكرة إقامة كيان عربي موحد بدعوة من وزير خارجة بريطانيا أنتوني إيدن في 29 مايو 1941، عندما صرح قائلًا بأن :
” الحكومة البريطانية تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمي إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية.”
وبالتأكيد لم تكن الدعوة بهدف توحيد القوى العربية كما يبدو ظاهرها، بل كانت جامعة الدول العربية بمثابة زمام يسهل على بريطانيا التحكم في مصائر هذه الدول، في وقت كانت مشغولة فيه بالحرب الباردة مع كلا من الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الأمريكية، ولكي تظهر بمظهر المسيطر لابد ان يكون لها إمتيازات عديدة، كما نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على شبه الجزيرة العربية، ونجح الاتحاد السوفيتي على فرض قواه على دول شمال إفريقيا العربية، أي أن الأمر لا علاقة له بتوحيد البلدان العربية مطلقًا، ولا تأبه بريطانيا ولا تكترث لهذا الأمر من الأساس.
وبعد مرور عام على خطاب ايتوني إيدن، نادى مصطفى النحاس رئيس الوزراء المصري آنذاك، بضرورة إقامة كيان عربي يوحد البلدان العربية، وبدأ بدراسة الفكرة مع كلا من جميل مردم بك رئيس الوزراء السوري، وبشارة الخوري رئيس الكتلة الوطنية اللبنانية اللذان رحبا ترحيب واسع بهذا الإقتراح.
الإتحاد الأوروبي: تاريخ أوروبا مليء بمحاولات توحيد الشعوب والتي باءت جميعها بالفشل، مرة بسبب تعدد اللغات وإختلاف الثقافات، ومرة أخرى بسبب هيمنة دول على دول أخرى وفرض السيطرة عليها عسكريًا، ما جعل الأمر أشبه بإحتلال لا تحالف.
بعد إنتهاء الحربين العالميتين باتت الحاجة لإنشاء كيان أوروبي يوحد دول أوروبا ملحة وضرورية، لإيقاف النزاعات القائمة ومنعًا لوقوع حرب ثالثة، فضلًا عن ترميم المنطقة التي مزقتهاالحروب ولم تبقي فيها أخضر ولا يابس، ومن هنا بزغت فكرة تأسيس “المجموعة الأوروبية للفحم والصلب” كأول تجمع أوروبي حقيقي، وذلك في الثامن عشر من إبريل 1951، بإتحاد هذه الدول الستة؛ فرنسا وألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا وإيطاليا، وجاءت الحركة في البداية بهدف حرية تبادل السلع خصوصا الفحم والحديد.
وبعد 7 أعوام من نجاح هذا التشكيل، إنبثق تجمع جديد عرف بإسم ” المؤسسة الاقتصادية الأوروبية” والتي كانت إحدى نتائج اتفاقية روما لعام 1957، لتصبح أقوى رباط إقتصادي عرفته دول اوروبا آنذاك، إلى ان توسعت هذه الشراكة بإنضمام عديد من الدول الأوروبية الأخرى، حتى عام 1992 حيث تم توقيع معاهدة ماستريخت والتي تنص على دمج كافة التنظيمات الأوروبية المختلفة ببعضها البعض، لتشكيل كيان أوروبي واحد تحت إسم الإتحاد الأوروبي، الآن بلغ عدد الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي 28 دولة، فضلًا عن الدول التي تنتظر الموافقة على طلب إنضمامها.
الميثاق المعمول به
جامعة الدول العربية: بعد إتفاق كلا من سوريا ومصر ولبنان والأردن واليمن على إنشاء جامعة الدول العربية، تم عقد لجنة تحضيرية لمناقشة الإقتراح بحضور ممثلي هذه الدول، ووافقوا جميعًا على تأسيس الجامعة ولكن بشرط الحفاظ على سيادة كل دولة وإستقلالها، وشرعوا بعدها في وضع ميثاق لهذا الكيان الجديد.
عقدت إجتماعات عديدة للتحضير لهذا الميثاق، كانت أولى هذه الجلسات أو الإجتماعات مؤتمر إسكندرية الذي خرج بما يعرف بـ “بروتوكول الإسكندرية”، والذي يعتبر النواة الأولى لميثاق الجامعة العربية، وينص البروتوكول على احترام استقلال كل دولة وسيادتها كشرط أول، يتبعه عدم إلزام الدول الأعضاء بإتباع سياسية خارجية موحدة، وأيضًا التأكيد على عدم إستخدام القوة في فض المنازعات بين الدول الأعضاء، وعدم التدخل بين الدول المتنازعة إلا بطلب منها، إلى آخره من المواد التي تظهر لك حقيقة هذا الميثاق الصوري، الذي لا يلزم أي دولة بأي شيء، وكأنه إتفاق على عدم الإتفاق ، ميثاق وعهد تأخذه كل دولة على نفسها بعدم التدخل في شؤون الدول العربية الأخرى!
في السابع عشر من مارس عام 1945 تابعت اللجنة التحضيرية في قصر الزعفران بالقاهرة، وضع التعديلات النهائية على بروتوكول الإسكندرية، وإستخلاص المناسب منه لوضع الميثاق الخاص بالجامعة، إنتهت اللجنة من صياغة الميثاق الجديد وخرج للنور في التاسع عشر من مارس، بينما بدأ العمل به في مايو من نفس العام.
قد يكون من الصعب ذكر كافة مواد الميثاق، لكن يمكن تلخيصها في دعوة الدول العربية لتوحيد قواها على كافة المستويات، بدءًا بتوحيد شؤونها الاقتصادية والمالية، من خلال تحقيق التبادل التجارى وتسهيل الجمارك وتوحيد العملة، مرورًا بفتح الطرق وتسخير كافة وسائل المواصلات من طيران وملاحة وسكك حديدية، كذلك أيضًا التعاون فيما بينها بما يتعلق بشؤون الجنسية والجوازات والتأشيرات، إلى آخره من الأمور الإجتماعية والقانونية التي تصب في مصلحة المواطن العربي أولا وأخيرا أيا كانت جنسيته، بالإضافة إلى مواد معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي تم الإتفاق عليها في مجلس الجامعة في الثالث عشر من ابريل عام 1950، لضمان رباط مشترك في كلا من الدفاع والإقتصاد..
لكن بمرور الوقت إتضح ان هذه المواد ليست أكثر من قناع تتجمل به الجامعة، مجرد كلام نظري لم يخضع لتنفيذ أو تطبيق حقيقي لما جاء فيه، أو ربما المشكلة الحقيقية في ان هذه اللجان التي قامت بصياغة الميثاق شطحت بأحلامها ووضعت أهدافًا أكبر من أن تحقق، لا تتناسب لا حجمًا ولا نوعًا مع الحكام العرب.
الإتحاد الأوروبي: كانت معاهدة ماستريخت التي عقدت في ايرلندا عام 1992 هى الشرارة الأولى لميثاق لميثاق الإتحاد الأوروبي، حيث نصت على ضرورة تأسيس كيان أوروبي موحد، يسمح لأي دولة أوروبية الإنضمام إليه، وضرورة إصدار عملة موحدة تحقق التوحيد الإقتصادي بالفعل، أيضًا حثت على أهمية توحيد السياسة الخارجية للدول الأعضاء في الإتحاد، والبدء في تأسيس جيش أوروبي مشترك.
هذا فضلًا عن ميثاق خاص بحقوق الإنسان، يكفل لكل مواطن أوروبي كافة الحقوق والحريات، بداية من الحرية في التنقل عبر دول الإتحاد، مرورًا بحق العمل والتعلم وحق الإقامة في أي دولة من دول الإتحاد بأريحية وحرية تامة ودون شروط.
الأجهزة التابعة والمنظمات
جامعة الدول العربية: تتكون الجامعة العربية من ثلاث أجهزة رئيسية، وهم : مجلس الجامعة وهو الذي يضم ممثلي الدول الأعضاء، وهو المسؤول عن تسيير كافة أمورالجامعة من جلسات وتعيين للأمين العام، وفض المنازعات بين الدول، وتحديد ميزانية الجامعة وغيرها من المهام والإختصاصات الرئيسية.
الجهاز الثاني هو اللجان الفنية، والتي تختص بإعداد الدراسات والتقارير المختلفة التي تحتاجها الجامعة، وتتعدد الإختصاصات في هذه اللجان، فهناك اللجنة السياسة، والإجتماعية، والقانونية، والصحية، والإدارية إلى آخر من اللجان التي تغطي كافة الأمور.
الجهاز الثالث والأخير هو الأمانة العامة، والتي تعتبر الجهاز الإداري للجامعة، ووظيفة الأمانة العامة هى تسيير الأمور الإدارية والمالية والسياسية للجامعة، هذه الأجهزة الثلاثة هى الهيكل الرئيسي لجامعة الدول العربية، هناك أجهزة تم إلحاقها بالجامعة في وقت لاحق تحديدا بعد إبرام إتفاقية الدفاع المشترك، كمجلس الدفاع المشترك، والمجلس الإقتصادي.
الإتحاد الأوروبي: يضم الإتحاد الأوروبي ثلاثة أجهزة رئيسية تعرف بالمثلث الإداري، ولكل جهاز دور ومهام خاصة به، وهى مجلس الإتحاد الأوروبي؛ الجهاز التشريعي للإتحاد ويضم ممثلي الدول الأعضاء، وجهاز المفوضية الأوروبية والذي يعتبر بمثابة الجهاز الحركي للإتحاد فهو المسؤول عن تنفيذ وتطبيق كافة القرارات، وأخيرًا البرلمان الأوروبي الذي تعقد فيه الجلسات، ومقره الرئيسي في مدينة ستراسبورغ ، هذا فضلًا عن محكمة العدل التي المختصة بتشريع القوانين والإشراف على كافة الأمور القانونية للإتحاد، بالإضافة إلى جهاز ديوان المحاسبات ومهمته رقابة ميزانية الإتحاد.
لماذا فشلت جامعة الدول العربية بينما نجح الإتحاد الأوروبي؟
لأن الاهداف والمباديء التي قامت عليها جامعة الدول العربية لم تخرج عن الإطار النظري، مجرد مواثيق ومعاهدات تحتفظ بها الأمانة العامة للجامعة كديكور، فمنذ أن وضعت هذه القوانين لم نرى لها تطبيق على أية صعيد كان، مئات القضايا التي إعترضت المنقطة العربية واشعلتها ولازالت، ولم نجد تحرك حقيقي وخطوات فعلية تقوم بها الجامعة، فحتى الآن لم تحسم القضية الفلسطينية، ولم تتدخل الجامعة أو تقترح حل حقيقي بعيد عن التنديد والرفض والإدانة، لم نراها مثلا تصدت للغزو الأمريكي للعراق، أو تدخلت لفض النزاعات التي أدت إلى إنقسام السودان، أو إتخذت موقف حقيقي تجاه ما يعيشه الشعب السوري الآن من تشريد وضياع، بإجبار الدول العربية على فتح أبوابها للاجئين على سبيل المثال، أو إتخذت رد فعل قوي يشفي غليل الشعب الفلسطيني الذي يتساقط قتيلًا تلو آخر !
كل هذه الكوارث حدثت ولا زالت تحدث على مرأى ومسمع من الجامعة العربية، دون أن تقدم ما يخلص هذه الدول مما تعانيه حقًا، لا موقف حقيقي يتخذ، ولهذا أصبحت الجامعة العربية رمزًا للضعف والهوان والخزي، كيان هش أضعف ما يكون، أشبه بالحاضر الغائب.
تكاد تكون هذه أهم أسباب فشل جامعة الدول العربية:
– سياسة عدم الإلزام التي تتبناها جامعة الدول العربية في معظم قراراتها، والتي جعلت من جلساتها وقت يهدر بلا فائدة، فلا ناتج لها ولا قيمة حقيقية غير الظهور الإعلامي، فضلأ عن ان سياسة عدم الإلزام هذه تلغي بالضرورة إمكانية وضع قوانين كعقاب لأي دولة تخل بما أقرته الجامعة، فالقرارات -في الأصل- إختيارية يعمل بها أو لا وفقًا للأهواء الشخصية، على عكس الإتحاد الأوروبي الذي يلزم الدول الأعضاء بإحترام ما يقره من قوانين وضرورة الإلتزام بها.
– وجود كيانات متعددة داخل الكيان الواحد، كمجلس تعاون دول لخليج و اتحاد بلدان المغرب العربي، ومجلس التعاون الافريقي، كل هذه التنظيمات تضعف من كيان جامعة الدول العربية، وتجعل منه مجرد اطار ينطوي على عدد من الهويات المختلفة تحت مسميات عدة الخليج والمغربي والافريقي، وبهذا تلاشى او ضعفت الهوية العربية الواحدة بشكل كبير.
– الإبقاء على ميثاق الجامعة العربية كما هو دون إجراء أي تعديل أو تغيير فيه، بالرغم من ضرورة تغيير كثير من مواد الميثاق،لكي تتناسب وتتماشى مع ما جد في المنطقة العربية والعالم أجمع، وهذا لن يتعارض مع مواد الميثاق، فالمادة الـ 19 من الميثاق تنص على انه: ” يجوز بموافقة ثلثى دول الجامعة تعديل هذا الميثاق، وعلى الخصوص لجعل الروابط بينها أمتن وأوثق ولإنشاء محكمة عدل عربية ولتنظيم صلات الجامعة بالهيئات الدولية التى قد تنشأ فى المستقبل لكفالة الأمن والسلام.”، فهذا الميثاق وضع قبل .. عامًا، والمنطقة العربية تغيرت بشكل جذري فكيف يمكن التعاطي مع هذه التغييرات بقوانين وضعت منذ سنوات.
– محاولة فرض سيطرة الدول القوية على الدول الضعيفة، وهمينتها بالطبع على مجريات الأمور في جامعة الدول العربية.
– عدم وضع أي شروط سياسية مناسبة لقبول الدول التي ترغب في الإنضمام، فالشروط تنحصر في كون الدولة الراغبة في الإنضمام تتحدث العربية فقط وأن تكون دولة مستقلة، إلى آخره من الشروط التي تغض النظر تماما عن سياسة هذه الدولة، بعكس الإتحاد الأوروبي الذي يشترط على الدول الراغبة في الإنضمام أن تتمتع بروح الديمقراطية، وأن تكون على وعي ودراية بحقوق الإنسان، أما في شروط الجامعة العربية فلم تذكر حقوق الإنسان ولا الديمقراطية، والسبب لأن هذين العنصرين غائبين تماما عن المشهد في معظم الدول العربية إنلم تكن جميعها.
بين الحين والآخر تظهر دعوات تنادي بحل جامعة الدول العربية، خاصة عند وقوع أي حدث يشعل المنطقة، ولا إجراءات تتخذ من قبل الجامعة، وجودها في هذه الحالة تحديدًا يبدو إستفزازي إلى أبعد حد، كيان وصرح يبدو مهم لكن في الحقيقة لا قيمة له، لا أدوار حقيقية يلعبها لتغيير هذا الواقع المزري، وكأنه مكتوف الأيدي يشاهد في صمت وخزي مهين ..
وأنت مارأيك في هذه الدعوات؟ هل ترى حل الجامعة بات ضروريًا؟ أم انها بحاجة فقط إلى إجراء تعديلات وتغييرات لسياستها؟