خبر : سعد حلاوة.. وقصة استشهاده رفضا لاستقبال أول سفير إسرائيلي بالقاهرة وماذا قال عنه قباني؟!

السبت 12 سبتمبر 2015 10:42 ص / بتوقيت القدس +2GMT
سعد حلاوة.. وقصة استشهاده رفضا لاستقبال أول سفير إسرائيلي بالقاهرة وماذا قال عنه قباني؟!



القاهرةت / وكالات / في مثل تلك الأيام التي يُعاد فيها فتح السفارة الإسرائيلية في القاهرة، نتذكّر سعد إدريس حلاوة، وحُقّ لنا أن نتذكّره، ونفخر به، ونقدّره حقّ قدره!


نتذكّره لأن اسمه ارتبط – ولا يزال رغم التعتيم الإعلامي– بأول من رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب، ودفع حياته ثمنا لذلك الرفض راضيا مرضيا، وله في هذا قصة، وأي قصة؟


في 26 فبراير 1980، كان المصريون على موعد باستقبال السفير الإسرائيلي الياهو بن اليسار كأول سفير اسرائيلي بعد توقيع معاهدة “كامب ديفيد” سيئة الذكر، ولكن سعد حلاوة كان له رأي آخر، حيث قام باحتجاز اثنين من موظفي الوحدة المحلية بمحافظة القليوبية، وهدد بقتلهما ما لم يتم طرد السفير الإسرائيلي.


في الوقت الذي فعل سعد ذلك الموقف ببراءة يشهد له بها التعامل الراقي مع من احتجزهم، إلا أن الأمن المصري، وعلى رأسه وزير الداخلية الشهير النبوي إسماعيل تعامل معه بدموية ليست غريبة على الأجهزة الأمنية، فتم قتله بواسطة قنّاص، وكيلت له الاتهامات ، وسلقه إعلاميو السُلطة بألسنة حِداد ، وقيل عنه ” مجنون ” !


ولكن إذا صدق عنه هذا الوصف ، فإنه ليصدق عليه بالمعنى الذي ذكره الأديب الكبير عبد الرحمن مُنيف، عندما قال:
“لابد من وجود الأطفال والمجانين، لأن هؤلاء لا يعرفون الخوف، ولا تعني لهم شيئا الحسابات التي تقيد الكبار والعقلاء، ويمكن لمثل هؤلاء الناس أن يعلّموا الآخرين الكثير: الشجاعة والتحدي، والنظر في عيون الجلادين مواجهة”.


يا إلهي! كيف تقابل كل تلك العفوية والبراءة والوطنية، بكل هذا الإجرام والتعسف والدموية؟!


سعد حلاوة ونزار قباني


من أشهر من كتب عن سعد حلاوة الشاعر الكبير نزار قباني، في مقال له بعنوان “صديقي المجنون سعد حلاوة”، استهله بقوله: “مجنون واحد فقط خرج من هذه الأمة العربية الكبيرة العقل المتنحسة الجلد الباردة الدم، العاطلة عن العمل .. فاستحق العلامة الكاملة.. في حين أخذنا كلنا صفرا.. مجنون واحد تفوق علينا جميعا و أستحق مرتبة الشرف في ممارسة الثورة التطبيقية في حين بقينا نحن في نطاق التجريد والتنظير ..

 هذا المجنون العظيم اسمه سعد إدريس حلاوة .. وعلاماته الفارقة مجنون .. حسب آخر تخطيط دماغ أجرى له فى مستشفى أنور السادات للأمراض العصبية أما بالنسبة لنا؟ نحن أهل الجنون فإن سعد إدريس حلاوة . كان مصريا مثقفا ، ومتوازناً، وهادىء الطباع ، نال شهادة البكالوريوس فى الهندسة الزراعية وربط قدره بتراب مصر، وبالنسبة لتاريخ المقاومة المصرية فإن سعد إدريس حلاوة هو أول مجنون عربى لم يحتمل رأسه رؤية السفير الإسرائيلى يركب عربة تجرها الخيول إلى قصر عابدين فى القاهرة و يقدم أوراق اعتماده إلى رئيس جمهورية مصر. فأخذ مدفعا رشاشاً و اتجه إلى قاعة المجلس البلدى فى قرية أجهور فى محافظة القليوبية واحتجز سبعرهائن مطالباً من خلال مكبر الصوت الذى حمله معه بطرد السفير الإسرائيلى لقاء الإفراج عن رهائنه”.


وتابع نزار: “هذا هو مجنون مصر أو مجنون الورد.. التي تناقلت وكالات الأنباء قصته باهتمام كبير فى حين قرأ العرب قصته كما يقرأون قبل النوم قصة مجنون ليلى.. وأنا شخصيا ـ وأنا أيضا ـ أحب المجانين وأعتبر نفسى عضوا طبيعيا ً فى حركتهم وأعتبرهم أشجع وأصدق حزب سياسي يمكن أن ينضم إليه الأنسان العربي.. سعد حلاوة كان الأصدق والأصفى والأنقى فهو لم يقتنع بأسلوب المقاومة العربية وبيانات جبهة الصمود والتحدى .. فقرر أن يتصدى على طريقته الخاصة ويخترع مقاومته ، إذا كان سعد حلاوة مجنونا فيجب أن نستحى من عقولنا وإذا كان متخلفا عقليا فيجب أن نشك فى ذكائنا .. هو قاوم أفتتاح السفارة الإسرائيلية في القاهرة على طريقته الخاصة فقاتل وقتل .. في حين نحن لم نقاتل و لم نقتل .. كل ما فعلناه أننا حملنا ميكروفناتنا .. وبدأنا البث المباشر .. أذعنا أسطوانة أخى جاوز الظالمون المدى وبكينا .. وأستبكينا و فرطنا كل دواوين شعراء الأرض المحتلة .. ورقة ورقة .. هددنا برفع مليون علم فلسطينى لقاء رفع علم إسرائيلى واحد .. أخرجنا من المخازن لافتات نحتفظ بها من أيام وعد بلفور .. ومشينا فى مسيرات اشترك فيها كل الأموات الذين عاصروا الحاج أمين الحسينى وفوزى القاوقجى وأخرجنا من أرشيف الإذاعة كل المونولوجات والطقاطيق والإستكشات السياسية التى نخزنها فى مؤنة البيت وكل الخطابات الحماسية أبتداء من خطابات ميرايور وروبسير و الحجاج بن يوسف الثقافى .. إلى خطابات أدولف هتلر من إذاعة برلين .. وعندما دخل السفير الإسرائيلى ألياهو بن اليسار إلى قاعة العرش وقدم أوراق اعتماده سفيرا فوق العادة و مطلق الصلاحية إلى الملك محمد أنور بن فاروق بن فؤاد بن السادات توقفنا عن إذاعة القرآن الكريم و نصبنا الصلوات و بدأنا نستقبل المعزين ..” .

وتابع نزار : ” سعد إدريس حلاوة هو مجنون مصر الجميل الذى كان أجمل منا جميعا و أجمل ما به أنه أطلق الرصاص على العقل العربى الذى يقف فى بلكونة اللامبالاة فى يوم 26 فبراير 1980 ويتفرج على موكب السفير .. و لكن العقل العربى لا يصاب .. فهو عقل مصفح ضد الرصاص و ضد المعارضة وضد الأحتجاج و ضد النابالم وضد القنابل المسيلة للدموع .. العقل العربى عقل متفرج وأستعراضى و كرنفالى لذلك كان لابد من ولادة مجنون يطلق الرصاص على اللاعبين والمتفرجين جميعا فى مسرح السياسة العربية .. ومن هنا أهمية سعد حلاوة فقد أرسله القدر ليقول جملة واحدة فقط ويموت بعدها : هذه ليست مصر .. هذه ليست مصر .. والقصة أنتهت كما تنتهى قصص كل المجانين الذين يفكرون أكثر من اللازم ويعزبهم ضميرهم أكثر من اللازم .. أطلقوا النار على مجنون الورد حتى لا ينتقل جنونه إلى الآخرين .. فالجنون يتكلم لغة غير لغة النظام لذلك يقتله النظام” ..
سعد حلاوة كلام مصر المنوعة من الكلام

وأضاف نزار في مقاله واصفا سعد حلاوة :

“جمجمة مصرية كانت بحجم الكبرياء وحجم الكرة الأرضية .. إنه خنجر سليمان الحلبى المسافر فى رئتى الجنرال كليبر ..
هو كلام مصر الممنوعة من الكلام ..
و صحافة مصر التى لا تصدر
و كتاب مصر الذين لا يكتبون
وطلاب مصر الذين لا يتظاهرون
ودموع مصر الممنوعة من الانحدار
و أحزانها الممنوعة من الانفجار” .

رحم الله سعد حلاوة الوطني البريء براءة الأطفال ، في زمن صارت فيه الوطنية شعارا يُرفع، وكلمة تُقال.