ينتمي الكاتب الفنلندى” يوها إيتكونن”- يعد الآن نجما واسما بارزاً في مسيرة النثر الفنلندى- إلى أجيال وكتاب ساهموا في تاريخ النشر الفنلندى والعالمي . نذكر من هؤلاء (أينولاينو) الذى أصدر حوالي 30 مجموعة شعرية ، وعدد من المسرحيات والروايات والقصص القصيرة ، يعتبر أشهر شاعر فنلندي في القرن العشرين(1878 – 1926) ، و(فاينولينا) صاحب رواية ” الجندي المجهول1954″، أحد أروع الروايات عن الحرب . وله أيضا ملحمة من ثلاث مجلدات تدعى ” تحت النجم القطبى” التى تصف تقلبات الأوضاع لدى عائلة مزارع فنلندي، نشرت خلال السنوات 1959- 1962. أيضا (فايومارى) صاحب النهج الخاص والتجديدات الأسلوبية والبنائية التى أخذته بعيدا عن تيار النثر الفنلندى التقليدي، منح في 1973جائزة الأدب التى يقدمها المجلس الشمالي للأدب، أو مجلس الدول التى يقدمها النوردية وتعد أرفع جائزة في دول الشمال واسكندنافيا، بعد جائزة نوبل، نذكر كذلك الكاتب الشيخ(فرانس إميل سيلانيا1888 – 1964) الحاصل على جائزة نوبل 1939. أخيرا وليس آخرا ، الكاتب المعروف عندنا في مصر،أعنى (ميكافالتارى) صاحب رواية المصري أو سنوحى والتى تحولت إلى فيلم ، وترجمت إلى عديد من لغات العالم . أذكر هؤلاء الكتاب وهناك غيرهم، لأوضح أن كاتبنا “يوهاإيتكونن” رغم صغر سنه- ولد عام 1975، له الآن أربع روايات ، عمل في فرقة روك، وصحفي،وكاتب عمود،عمل أيضا في المسرح – لم يصبح اسما من فراغ ، فخلفه تراث عريق ، إضافة إلى موهبته بالطبع . أما عن روايته الأخيرة ” سبعة عشر” والتى لاقت صدى قويا، فهي تطرح عدة إشكاليات في مضمونها، 1- العلاقة الأزلية بين الأدب والحياة 2- الشباب والأحلام والرغبات 3- تناول الكاتب شخصيات الآخرين في كتاباته.
طرحت تلك الأفكار وغيرها بتكنيك مميز ، سواء من حيث السرد والحكى الذي يأخذك للأمام ، أو التشويق وتعدد النغمات والأصوات ، إضافة للحظات الفارقة ووصف المشاهد الغريبة والحميمية في حياة الأشخاص . البعض قال إن هذه الرواية عن الكتاب الذين يسرقون حياة الآخرين ويقتلون بالكلمة . ذلك النقد أو التعليق يذكرنا بكلمات لإحدى شخصيات الكاتبة الأيرلندية “أدناٌ أوبريان” في ” يوميات زوجة غير مخلصة” ، – ” كونه كاتبا هو بالتأكيد ما دفعه لصحبتي ، إنهم يمتصون الآخرين ثم يضعونهم على الورق ويقضون عليهم قضاء مبرما”
لكن هل حقا ، الكتاب بهذه القسوة ؟ وإنهم يسرقون حياة أو حيوات الآخرين ويقتلونهم بالكلمة؟ ، قبل أن نجيب أو نتحاور، يجب أولا ، أن أعرض بعض الخطوط العريضة فى الهواية ” سبعة عشر”
يعمل “هنريك” صيفا ، في مركز للتسوق، يقع في نفس المدينة الصغيرة التى نشأ فيها ، وهو طالب في المرحلة الثانوية، يحب ويسمع فرقة الأبواب the doors ، يشرب البيرة مع أصدقائه على الشاطئ، عنده حبيبة، وحلم كبير أن يصيح يوما كاتبا. بعد عشرين عاما من هذا التاريخ ، وبعد انتقاله إلى مدينة أكبر، وترسيخ نفسه ككاتب ، أصدر رواية تحكى عن مركز التسوق ذاك ، وعن عمله وأصدقائه وحبيبته أو حبيباته السابقات، وعلاقاته القديمة المختلفة. حكى في الرواية عن فتاة من الفتيات اللائي عمل معهن، الفتاة(فيسكو) التى لاتزال تعمل في نفس المركز وتعيش في نفس المدينة . (فيسكو) بعد أن قرأت رواية (هنريك ) لم تحبها أو بالأحرى لم تحب ” أكاذيبه” في الرواية والطريقة التى وصفها بها ووصف زملائه.
تلك بعض الخطوط العريضة في الرواية. والتيمة الأبرز، علاقة الأدب بالحياة ، وكيفية توظيف أو استخدام الأشخاص والمكان في كتابة عمل أدبي ثم كيف يرى الأشخاص أنفسهم داخل العمل؟ الإشكالية في رواية ” سبعة عشر” أن من كتب عنهم أحياء ولم يحبوا الرواية وطريقة الكاتب. لكن هل فكر الكاتب في كل هذا قبل أن يكتب روايته؟ بخصوص علاقة الأدب والحياة بصفة عامة ، أعتقد أنه أصبح من البدهى الإقرار بتلك العلاقة الوثيقة والأبدية مع الاعتراف أن الفن له واقع خاص” بمعنى أن ما نسميه واقعا في العمل الفني ليس إلا الصورة الذهنية التى لدى الكاتب أو الفنان عن الحياة ، ولما كانت هذه الصورة ملك للكاتب فيستطيع أن يلونها باللون الذى يريده والذى فيه مصلحته ومصلحة مجتمعه ، بتعبير الكاتب ” سيمونوف”.
ومع ذلك يمكننا أن نسأل هل يجب أن يضع الكاتب في اعتباره مشاعر وآراء من يكتب عنهم ، خاصة إذا كان ما يكتبه عملا روائيا أو قصصيا يعتمد الخيال وتغيير وتركيب الشخصيات والأماكن معا ؟أتذكر أن أحد الكتاب قال أنه أراد أن يصف أحد الأوغاد الذين إلتقاهم في الحياة، أراد أن يصفه بوصف ينفر الناس منه، لكن ما حدث بعد ذلك ، أن هذه الشخصية تحديدا جلبت التعاطف من القراء والنقاد .
إذن نحن أمام قانون خاص ، إنه قانون وميكانزم العمل الفني- أتكلم عن الأعمال الجيدة بالطبع- حتى لو أراد الكاتب شيئا، فالعمل الفني سوف يحكم في النهاية .
وفلو افترضنا أن الكاتب تعمد أن يصف أشخاصه بكل ما هو سيئ، فهذا أيضا لا يعنى شيئا عند الحكم على عمل فني .فكرة الأخلاق والأمانة في النقل ومراعاة مشاعر الآخرين لاتنطبق علي الفن. السؤال هكذا، هل هذ العمل جيد أم لا. لو عدنا إلى رواية “سبعة عشر” نجد أن إحدى شخصياتها ، أخذت رد فعل مختلف، عن ما كتب عنها، لقد قررت أن تلتحق بورشة أو كورس لتعلم الكتابة ، كى تستطيع أن تكتب وتعبر عن حياتها السابقة واللاحقة من وجهة نظرها هى ، خاصة وهى لديها طفل في العاشرة .
الموضوع شائك ومشوق ويفتح الباب للعديد من الآراء المختلفة . إذن لنختم وقفتنا بمجتزئ من الرواية .
“… الوقوع في الحب من أخطر المجازفات ، كلعبة اليانصيب ، غير مؤكدو النتائج مع ذلك ، وبالرغم من ذلك ، ضد كل الفوارق الشاسعة .
الحياة لا تعنى فقط منحدر تل ، إنها أيضاً تعلم . لقد تعلمت شيئا وأنا كبير فى السن لدرجة تكفى أن أتعلم شيئا” منذ بضع ثوانٍ.