خبر : تنظيم الحشاشين زيد خلدون جميل

الأحد 26 يوليو 2015 11:55 ص / بتوقيت القدس +2GMT
تنظيم الحشاشين زيد خلدون جميل



يعود أصل بعض الكلمات الأعمق تأثيرا في أية لغة إلى ظاهرة بارزة في التاريخ امتازت بما تصفه هذه الكلمات، فمثلا ان اللغتين الألمانية والروسية تحويان كلمة قيصر، أي الملك، والتي مصدرها اسم الحاكم والعسكري الروماني يوليوس قيصر وأما فعل assassinate أي يغتال والفاعل assassin في اللغة الانكليزية فأصلها عربي وهو الحشاشين، فقد أتت الكلمة من اسم تنظيم فارسي ديني متطرف تعود أصوله إلى الطائفة الاسماعيلية النزارية وكان الأشهر في مجال الاغتيالات في العصور الوسطى ناشرا الرعب في أنحاء كثيرة من الشرق الأوسط إلى درجة جعلت التاريخ يخلدهم في هذه الكلمة. 
ظهرت مبالغات كثيرة حول قدراتهم الأسطورية فقد كان هذا الأسلوب الذي اتبعوه للسيطرة على مناطق جديدة وكسب الأنصار ولتجنب الدخول في معارك مع جيوش معادية. بدأ التنظيم في النصف الثاني من القرن الحادي عشر وانتهى عام 1273 وامتاز بطاعة الأعضاء العمياء لزعيمهم إلى درجة الانتحار أمامه ان أمرهم بذلك. وكان هدف عمليات الحشاشين الانتحارية دائما زعيما معارضا لهم ليس فقط للتخلص منه بل لخلق فوضى بسبب الحرب التي غالبا ما كانت تحدث بين ورثته. وبما ان الضحية كان دائما محاطا بالحرس فقد كانت خدعة الحشاشين استمالة حراس الضحية واقناعهم باعتناق مذهبهم وطاعة زعيمهم أو ارسال مندسين ليخترقوا الحلقة المحيطة بالضحية وكسب ثقته بشكل تام وقد يستغرق هذا أشهرا ثم قتل الضحية عند الفرصة المناسبة وأمام الجميع لإثارة الرعب في قلوب الحضور، ولكن ماذا يحدث بعد ذلك؟ ان القاتل ينتظر ان يقتل على الفور على يد حراس الضحية وفي أحيان أخرى كان الحشاشين يرسلون تهديدا لضحيتهم ولهذا قصصا كثيرة.
فمن القصص التي قيلت عنهم ان زعيم الفرع السوري للحشاشين أرسل رسولا إلى صلاح الدين الأيوبي الذي قال لصلاح الدين انه يحمل رسالة خطيرة وتنص أوامره ان يعطيه اياه على انفراد، فأمر صلاح الدين بخروج أغلبية الحضور إلا ان الرسول اعترض مجددا لوجود البعض فاستجاب صلاح الدين وخرج الباقون باستثناء اثنين من المماليك وأعاد الرسول اعتراضه إلا ان صلاح الدين أبلغه بانهما بمثابة ولديه ولا يبتعدان عنه أبدا فاستدار الرسول نحوهما قائلا «إذا أمرتكما باسم سيدي ان تقتلا هذا السلطان فهل تفعلان؟» فجردا سيفيهما وقالا «نعم، أأمرنا ما شئت». ففزع صلاح الدين وخرج الرسول عائدا مع المملوكين ولا نعلم مدى دقة هذه القصة فمن الصعب تصديق ان صلاح الدين ترك المملوكين يغادران معسكره وهما أحياء.
وكان ضحايا الحشاشين الذين اغتيلوا جميعا من الملوك والقادة في عصرهم مثل الخليفة العباسي المسترشد ووزيره. وسنذكر في هذا المقال بعض الأمثلة الأخرى. ومما هو جدير بالذكر ان الحشاشين لم يسموا انفسهم بهذا الأسم لأن الأسم جاء من المؤرخين الذين تكلموا عنهم آنذاك نظرا لاستعمال الجماعة لمخدر الحشيش للسيطرة على أفكار الأعضاء ومن المعروف انه في العصور الحديثة أجرت أجهزة الاستخبارات الكبرى أبحاثا جدية حول كيفية السيطرة على الأشخاص عن طريق المواد المخدرة.
وكان سبب ظهورهم الحقيقي هو ضعف الدول آنذاك، فقد كانت الخلافة العباسية في حالة تدهور مستمر والسلاجقة الذين سيطروا على أجزاء واسعة من الشرق الأوسط لم يكونوا أبدا بالقوة أو الحكمة السياسية اللازمة لايقاف التنظيمات التي قد تشكل خطرا عليهم بالإضافة إلى الصراعات بين قادة السلاجقة ولكن كانت للحشاشين نقطة ضعف أساسية وهي فشلهم في تأسيس جيش قوي وقادر على خوض المعارك على الرغم من محاولاتهم الحثيثة في هذا المجال.
ولكن عندما كان يلقى القبض على الحشاشين فأنهم يخيبون الآمال، فحسب أحد المصادر عندما قام أثنان من الحشاشين باغتيال ملك القدس الأيطالي الصليبي كونراد في صور، قتل أحدهما بينما القي القبض على الآخر وتعرض لتعذيب فظيع ولكن على ما يبدو ان القتل على يد الحراس أسهل من تحمل التعذيب فاعترف بما لديه من معلومات متهما الملك الانكليزي ريتشارد قلب الأسد بالطلب من الحشاشين القيام بهذه العملية على الرغم من ان البعض آنذاك اتهم صلاح الدين كمدبر حقيقي لها، وقد تعاون الحشاشين مع ألد أعدائهم من أجل الوصول إلى أهدافهم. ويشابه أسلوب الحشاشين في تخطيط وتنفيذ مؤامراتهم أسلوب عصابات الثاكي الهندية الذين ظهروا في العصور الوسطى واستمروا إلى القرن التاسع عشر عندما قضت عليهم سلطات الإحتلال البريطاني واسم هذه العصابات مقتبس من كلمة هندية تعني المخادع. وقد أعتمد نظامهم على تنظيم هرمي صارم، فبعد الزعيم الأكبر هناك طبقة الدعاة وتليها طبقة الرفاق وأخيرا طبقة الفدائيين (أتت كلمة فدائي المستعملة حاليا أصلا من الحشاشين) التي كانت الطبقة الدنيا والتي كان أعضاؤها يقومون بالاغتيالات ويشبه هذا النظام الداخلي للتنظيمات الصوفية والتي بدأت أيضا في فارس لتنتشر بعد ذلك في الشرق الأوسط. وقد تبنى الحشاشين في فكرهم قليلا من الأفكار الفلسفية اليونانية التي اقتبسوها من بغداد عاصمة العلوم والثقافة آنذاك والتي أحيت الفلسفة اليونانية القديمة في العالم وكان مؤسسهم، حسن الصبَاح، قد أمر بالتوقف عن الكتابة باللغة العربية واستبدالها باللغة الفارسية. 
المعلومات المتوفرة عن بداية حسن الصباح (حوالي 1050 – 1124) قليلة وعلى الأغلب غير صحيحة، فالشائع هو انه ولد في قم وترترع على الأسس الدينية الصارمة وأبدى اهتماما كبيرا بها واعتنق الاسماعيلية عندما كان في السابعة عشرة ليبدأ بالتنقل بين فارس والعراق وسوريا ومصر، ويقال انه أقام في تلك المرحلة صداقة وطيدة بعمر الخيام ونظام الملك الذي أصبح فيما بعد أشهر وزير للسلطان السلجوقي. وان صدقت المصادر فان نظام الملك قام عند توليه الوزارة بمنح حسن الصباح مرتبا شهريا إلا ان هذا لم يمنع الأخير بعد ذلك من ارسال فدائييه الذين قاموا باغتيال نظام الملك. وقد عاد حسن الصباح إلى فارس عام 1080 ليبدأ في نشر دعوته وكان نجاحه الأول في منطقة الديلم مما جذب انتباه السلطات السلجوقية إليه ودفعها إلى مضايقته فهرب وأخذ يبحث عن منطقة آمنة يتمركز فيها حتى اختار قلعة واقعة في شمال إيران تشرف على واد ضيق ولا يوصل إليها سوى طريق واحد بالغ الوعورة وهي في منطقة بعيدة عن مراكز السلاجقة فاستولى عليها وطرد حاكمها بمؤامرة محكمة.
المرحلة الهامة التالية كانت تأسيس الفرع السوري للتنظيم في مصياف (لا علاقة للأسم بالاصطياف لان أسم مصياف آشوري الأصل) وفي الواقع ان اختيار منطقة مصياف قد يكون سببه ضعف قوة الصليبيين والسلاجقة وغيرهم من أعداء الصليبيين فيها حيث انها على الحدود بينهم. وقام الحشاشين بتكوين تحالفات استراتيجية مع الأمراء المحليين والصليبيين تغيرت حسب مصالحهم وأصبح وجودهم بارزا بشكل خاص عام 1162 عندما ظهر أشهر زعيم للفرع السوري وهو سنان بن سلمان بن محمد المعروف بأسم رشيد الدين والذي ترأس الفرع السوري من عام 1169 حتى عام 1193 وأشتهر في الغرب بأسم شيخ الجبل وواجه قوتين في عهده وهما صلاح الدين الأيوبي (حكم من 1171 وحتى 1193) والصليبيين. وكان صلاح الدين قد احتل دمشق وتقدم نحو حلب وحاصرها عام 1174 فاتفق أمير حلب مع الحشاشين على اغتيال صلاح الدين ولكن بعد محاولتين فاشلتين قرر صلاح الدين ان يهاجمهم فحاصر قلعتهم في مصياف وهنا حدث تطور غريب، فبعد تهديدات من سنان لصلاح الدين بالموت باءت جميعا بالفشل توصل الاثنان إلى اتفاق وهو ان يعرض سنان خدماته لصلاح الدين مقابل حماية الأخير لقلعة الأول من أي هجوم. 
وبعد وفاة سنان استمر الحشاشين في نشاطهم ومن الذين اغتالوهم كان القائد الصليبي ريموند ابن بوهيميد الرابع عام 1213 مما دفع الصليبيين إلى مهاجمة الحشاشين وكادوا ان يقضوا عليهم لولا انقاذهم من قبل الأمراء الأيوبيون وبعد ذلك تحالفوا مع تنظيم الفرسان الاسبتارية، وهو تنظيم فرسان مسيحي أوروبي كان جزءا من قوات الصليبيين وقاموا بحملات مشتركة وفي النصف الأول من القرن الثالث عشر دخل الحشاشين إلى الهند ليأسسوا فيها مركزا كبيرا لهم.
بدأت نهاية الحشاشين في عهد زعيمهم علاء الدين الذي حكم من 1221 إلى 1255 وعلى يد المغول الذين كان من أهدافهم القضاء على الخلافة العباسية والحشاشين معا، فحاول الحشاشين التقرب من الخليفة العباسي وحكام مصر المماليك الأتراك بدون نجاح يذكر، كما نجحوا في اغتيال بعض قادة المغول إلا ان رد فعل المغول كان ساحقا، فقد نجح القائد المغولي هولاكو بالقبض على زعيمهم، ركن الدين (ابن علاء الدين وزعيم الحشاشين منذ عام 1255)، عندما كان في قلعة صغيرة وأجباره على الطلب من الحشاشين المتحصنين في قلاعهم بالاستسلام للمغول، وبشكل عام كان له ما أراد فاستولى المغول على القلاع بدون قتال وقتلوا جميع الأسرى الحشاشين ومنهم ركن الدين نفسه. واما الفرع السوري فقد تلاشىَ زخمه بعد انهيار المركز الفارسي الخاطف وانتهى على يد المملوك الظاهر بيبرس عام 1273.

كاتب عراقي

زيد خلدون جميل