خبر : القارة الاسلامية \ بقلم: ايكونومست \هآرتس

الخميس 23 يوليو 2015 06:41 م / بتوقيت القدس +2GMT



التدهور من موقع سياحي الى منطقة متروكة، كان سريعا في شاطيء كينيا، الاجانب الوحيدون الذين ظهروا على الشاطيء في الاشهر الاخيرة هم محاربو جهاد صوماليون، سيطر هؤلاء على المساجد وملأوها بخطباء يحرضون على الكراهية ورفعوا اعلاما سوداء. مئات الشبان المحليين ينضمون الى صفوفهم، عشرات السكان المسيحيين وضعوا في صفوف امام الآبار او انزلوا من الحافلات وقتلوا. حاكم المنطقة الكينية الصومالية مندره علي روبه، يعتبر أن الوضع "لا رجاء منه". في هذا الوضع قد يصبح الشاطيء مثل شمال نيجيريا. احد السفراء الموجودين في نيروبي يحذر من "ولادة تنظيم بوكو حرام (التنظيم الجهادي السفاح الذي يعمل في نيجيريا) في كينيا".

بعد الهجمات الاخيرة في تونس، بدأ الاوروبيون يتخوفون من عبور المتطرفين للبحر المتوسط ويستهدفون بلادهم. لكن الاحتمال الاكبر هو ان تتوجه جرثومة الجهاد باتجاه الجنوب، منطقة الساحل وهي حزام على هامش صحراء سهارى التي تمتد من المحيط الاطلسي حتى البحر الاسود، والذي اصيب بالعدوى القادمة من الجزائر وليبيا.

مناطق أخرى كثيرة اصبح ممنوع دخولها، منها بعض اجزاء الكاميرون، تشاد، نيجيريا والنيجر، شمال مالي لا يوجد فيه محليين منذ الانتفاضة الاسلامية عام 2012. رغم التدخل العسكري الفرنسي الذي كبح تقدم الجهاديين الى باماكو العاصمة، وقتل مئات الاشخاص تمن هجمات بوكو حرام الاخيرة في نيجيريا وتشاد، الامر الذي دفع رئيس نيجيريا الى اقالة قيادة الجيش.

في الجزء الشرقي للقارة تجاوز الاسلام العنيف الخطوط ووصل الى تنزانيا، متسلحون بقنابل ورشاشات، هاجم المتطرفون السياح والزعماء المسيحيين. تحولت تنزانيا ايضا الى نقطة عبور لمتطرفون اوروبيون "جهادي جون" المواطن البريطاني الذي انضم لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) ومعروف بانه قطع رؤوس امام الكاميرا، وصل الى سوريا عن طريق دار السلام وهي المدينة الاكبر في الدولة.

اكثر من دزينة دول في جنوب سهارى تواجهن الجهاد المحلي – من ضمنها الكاميرون. الجمهورية في مركز افريقيا. تشاد، ارتيريا واثيوبيا، كينيا، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، الصومال، السودان ، تنزانيا واوغندا. في اماكن كثيرة يعتبر هجوم الجهاد امر روتيني، يومي أو اسبوعي. السلاح موجود بوفرة، واحيانا يكون مصدره حروب أهلية سابقة، وقتل عشرات الاف الاشخاص. السودان هي المفصل الاساسي حيث ينسق فيها المتطرفون ويتبادلون المحاربون والعتاد والمعرفة،

عام 1989 سيطرت مجموعة من الجنرالات المقربة من الاسلام على السلطة عن طريق انقلاب عسكري، واعطت اسامة بن لادن ملجأ قبل عقدين من الزمن، ومنذ ذلك الحين ازداد تخوف النظام من الاسلمة التي لا تعرف الحدود لكن هذا النظام لا يتحفظ من الانضمام اليه. وتحولت الجامعة المركزية في العاصمة الخرطوم الى مكان استقطاب الطلاب المتطرفين، الذين ذهب بعضهم الى ساحات القتال في الشمال والشرق باعقاب بن لادن.

تتنافس القاعدة وداعش على ولاء المنظمات الجهادية المحلية في افريقيا، وبالمقابل فان العلاقات بين الطرفين معقدة وتتجاوز موضوع الولاء. والمفارقة هي ان الشراكة على طرفي الحدود لا تتم عندما يكون التنظيمين اقوياء وانما عندما يكونا ضعيفين. في ذروة اعمال القضاء على بوكو حرام عام 2009 انتقل الكثيرين من رؤساء التنظيم الى تشاد، السودان والصومال. تكتيك الحركة العسكرية الذي تم تعلمه في تشاد غير طريقة عمل بوكو حرام. حيث أن التنظيم يوجد في مرحلة زيادة القوة في السنة الاخيرة، وقد دخل مناطق وراء الحدود الشرقية لنيجيريا وقام بتجنيد المزيد من مواطني الكامرون.

          الهزائم المحلية للتنظيمات الاسلامية وهرب النشطاء فيها تُسرع من انتشار الأتباع في القارة. وعلى الاغلب فان سرطان الجهاد في افريقيا سينتشر بسبب انتشار صراعات قائمة تشارك فيها تنظيمات تعمل في ليبيا ونيجيريا؛ اصدقاؤهم سيهربون الى المناطق الرملية التي تغطي معظم افريقيا كما حصل بعد أن حاولت القوات الفرنسية القضاء على المتطرفين في شمال مالي في 2013.

          الحدود في منطقة السهل لم تكن لها اهمية، والسياسة فيها متداخلة مع التجارة. منظمات جهادية مثل انصار الشريعة، وهي حركة للتوحيد والجهاد في غرب افريقيا، والقاعدة في المغرب الاسلامي نشأتا من داخل شبكات التهريب في دول السهارى، ورجالهم قادرون على قطع مسافات طويلة في خطوط التجارة الصحراوية الغير مكشوفة. "خرائطهم غير معروفة لنا"، قال رجل استخبارات في نيجيريا.

          ورغم أن التنظيمات المتطرفة تؤيدها نخب ثرية، إلا أنها لا تستطيع البقاء بدون الدعم الشعبي. فكل واحدة منها تستغل ضائقة محلية منتشرة، من مالي ونيجيريا وحتى كينيا وتنزانيا، والقصة هي نفس القصة؛ المتطرفون ينشأون بين السكان المسلمين، الذين عانوا التمييز من قبل السلطات. الجهاديون يعرفون كيف يستفيدون من التوترات الدينية القائمة والدخول الى الجاليات الاسلامية التي تشعر بالمرارة. والصراعات تزيد من عدد اللاجئين القابلين للتطرف.

          التطرف الافريقي يزداد مع ازدياد قوة النار، هذه هي الايديولوجيا. الخلافة الاسلامية التي ستتسع من الموصل في شمال العراق وحتى شمال نيجيريا لن تقوم كما يبدو، لكن رياح التفكير المسموم تهب فوق آلاف الكيلومترات. الاسلام هو ايديولوجيا الاحتجاج الجديدة في القارة، الامر الذي يمنحه قوة استثنائية. والسياسة الافريقية تميل الى الولاء القبلي والعرقي، لكن هذا الامر يبقي فراغا سياسيا واسعا. منظمة مثل "الشباب" في الصومال تستطيع تقديم نفسها كجسم فوق قبلي.

          التنافس السياسي الحقيقي فقط قد يغير هذه الدينامية، لكن معظم الزعماء القبليين والعراقيين لا يريدون ترك السلطة. لهذا فان ما بقي للحكومات الافريقية والغربية هو محاربة الجهاد بالقوة العسكرية. فرنسا وضعت في تشاد 3 آلاف جندي و6 طائرات مقاتلة و20 مروحية. الولايات المتحدة أقامت موقعا للطائرات بدون طيار في القارة.

          لا يكفي استعراض القوة. والصراع ضد الجهاديين في الصومال بمساعدة الغرب، حقق انجازات إلا أن ذلك لا يكفي. والتنظيم الذي عمل في الماضي فقط في الصومال وصل الآن الى كينيا ووجد حليفا غير متوقعا هو القوات الحكومية في كينيا. ومثل اماكن اخرى فان الفظاعة الممأسسة هي أداة تجنيد فعالة في أيدي المتطرفين. فالجيش قام باعتقال وتعذيب الآلاف بدون سبب.

          لكن كلما شعرت الحكومة بالتهديد كلما تركت الحبل لجنرالاتها. هذه الدينامية لا تثير الفتنة فقط بل تحول ايضا الدول الضعيفة الى دول متشرذمة.